بصراحة: المُعلِّمُ واحدٌ... وإن اختلف التلاميذ!!
في لقاء تلفزيوني أجرته إحدى القنوات الفضائية المصرية مع اثنين من النقابيين المصريين، أحدهم يمثل النقابات الرسمية والأخر يمثل اتحاد المحالين على المعاش، كان محور الندوة قانون التأمينات الاجتماعية الجديد الذي ستصدره الحكومة المصرية بدلاً للقانون القديم الذي لم يعد يتماشى مع التطورات الاقتصادية الجارية في مصر، كما عبر عن ذلك النقابي الرسمي، فكان لابد من إصدار قانون جديد يأخذ بعين الاعتبار مصلحة أرباب العمل والمستثمرين ومن لف لفهما، حتى لو جاء هذا القانون الجديد بالضد من مصلحة ملايين من العمال، وخاصة عند دخولهم سن التقاعد الذي ارتفع إلى /65/ عاماً بدلاً من /60/ عاماً كما كان في القانون القديم.
ما يعنينا من ذكر ما جاء في الندوة مع النقابيين أن التعديلات التي وردت في قانون التأمينات الاجتماعية المصري الجديد جاءت بناءً على توصيات صندوق النقد الدولي، وإن هذه التوصيات هي التي تنقذ التأمينات الاجتماعية من حالة الإفلاس التي وقعت بها نتيجة استيلاء الحكومة على أموال التأمينات، ونتيجة إجبار العمال على التقاعد المبكر، لدرجة أن أحد العمال الذين اتصلوا بالبرنامج صرخ بأعلى صوته قائلاً: (لقد أفرغتوا جيوبنا، وجعلتمونا نموت جوعاً).
إن هذه المشاهد الدرامية المأساوية تذكرنا بسياسة حكومتنا (الرشيدة) التي يبدو أنها تسير على خطى ما قامت به مصر من تعديلات، سواء في إصدار قانون العمل الجديد، أو ما يطرح الآن بشأن تعديل قانون التأمينات الاجتماعية، وهذه التعديلات التي يجري تداولها هي ما قدمه صندوق النقد الدولي منذ فترة كتوصيات لإعادة هيكلة التأمينات الاجتماعية بما يتناسب مع التوجهات الحاصلة في الاقتصاد السوري من انفتاح، تحرير أسعار خصخصة، الشراكة مع القطاع الخاص، تخسير القطاع العام على طريق التخلص من شركاته ومراكزه الإنتاجية وتوزيع عماله، تجريد العمال من حقوقهم ومنعهم من الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم المكتسبة، وبقوة القانون الذي فصَّلته الحكومة على مقاس أرباب العمل والمستثمرين، وحرصت على تقديم كل ما يؤمن لهم الطمأنينة على استثماراتهم، وإن كانت على حساب مصلحة الاقتصاد الوطني والعمال السوريين.
إن استكمال التفريط بالاقتصاد الوطني وبمقومات تطوره، والتفريط بحقوق الطبقة العاملة يجري على قدم وساق وتستكمل حلقاته الواحدة تلو الأخرى، بالرغم مما تطرحه الحكومة من تطمينات مؤكدةً في ذلك حرصها على القطاع العام، وعلى أنها جادة بإصلاحه، ولكن الوقائع على الأرض تؤكد عكس ما تصرح به الحكومة، والشواهد كثيرة لمن يرغب التأكد، وخاصة جهابذة الاقتصاد السوري المدافعين عن السياسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية وموقفها من الطبقة العاملة السورية، حيث تنطح العديد منهم دفاعاً عن قانون العمل الجديد و«مزاياه» بحجة أنه يتماشى مع روح العصر، متناسين واقع الطبقة العاملة من حيث أجورها المتدنية وحقوقها التي يجري الهجوم عليها واحداً بعد الآخر، وبناء على ما يطرحه هؤلاء الاقتصاديون، وما صرح به أحد كبار المسؤولين الحكوميين في اجتماع مجلس الاتحاد العام بأن العمال لم يصلوا بعد إلى حد الفقر الحقيقي، فهم يعيشون في بحبوحة، والدليل على ذلك زيادة أجورهم مرات عدة، ونتيجة هذه الزيادات استطاع العمال شراء الهواتف الجوالة، والبرادات.... وغيرها، وهذا يعني أن مستوى معيشتهم قد تحسن كما أراد المسؤول في تصريحه أن يؤكد!!! ولا ندري ماذا يقصد هذا المسؤول حقاً من تصريحه؟ هل يريد تجريد العمال من كل أسباب الحياة، وإبقاءهم متخلفين عن كل ما هو مفيد ومتحضر؟
إن السير على الخطى المصرية اقتصادياً واجتماعياً يعني أولاً أن الأستاذ الموجه لهؤلاء المقلدين في الحكومتين واحد اقتصادياً واجتماعياً، وهذا ليس تجنياً، بل هذا ما أكدته وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بحديثها عن قانون العمل الجديد، حيث أكدت أنه تم الاستفادة من تجارب قوانين العمل في البلدان العربية المجاورة، وخاصة قانون العمل المصري.
إن استمرار السكوت عن السياسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية، وعدم التصدي الحازم لهذه السياسات، يُحمِّل القوى الوطنية ومنها الحركة النقابية مسؤولية خاصة تجاه الشعب السوري والطبقة العاملة السورية، ويجعل العمال يتساءلون عن شرعية وجود هذه القوى وهي بهذه الحال!!