بصراحة: ماذا بعد إقرار قانون العمل!
بعد الجدل المهم الذي دار في مؤتمر اتحاد عمال دمشق حول قانون العمل الجديد الذي أصبح قانوناً سيجري تطبيقه على ملايين عمال القطاع الخاص، بات من الواضح أن الطبقة العاملة خسرت جولة تشريعية أخرى بسبب عدم التوازن في القوى بين من يدافعون عن حق العمال بقانون عادل يؤمن لهم حقوقهم، ومكتسباتهم، ويؤمن مستقبلهم دون قلق من خسارتهم للعمل، وبين من يدافعون عن القانون باعتباره يؤمن في مواده عامل جذب للمستثمرين، ويطمئنهم بأن العمال أصبحوا بفضل هذا القانون حملاناً وديعة ولم يعودوا ذئاباً...ولم لا؟
والبلاد فتحت أبوابها على مصراعيها أمام الاستثمار والمستثمرين باعتبارهم خشبة الخلاص للاقتصادالسوري من أزماته، وهم قاطرة النمو المعول عليها إنهاء الأزمات المتراكمة من بطالة وفقر، وتدني الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي (الصناعي الزراعي)، وتراجع قطاعات الصحة والتعليم والسكن.. إلخ، وبالتالي لابد من وجود أحد يضحي كي ينهض المجتمع والاقتصاد، والمضحون، أو بالأحرى المضحى بهم، هم العمال على مذبح الاستثمار والمستثمرين ومن لف لفهما، فالتجربة التاريخية للبشرية تقول إن الأضعف هو من يدفع الثمن دائماً لصالح الأقوى في أي صراع، إذا كان هذا الأضعف أعزلاً من إرادة الدفاع عن النفس، ولكن إذا كان يملك الإرادة والعزيمة في استنهاض قواه الكامنة سيتمكن من خلق الشروط الضرورية لرد الظلم، حين تتوفر لديه الشروط الذاتية لتحقيق هذا، وهذه الشروط الذاتية تتمثل في أشياء كثيرة، أهمها تعزيز وحدة الحركة النقابية والطبقة العاملة السورية (في القطاعين الخاص والعام) في مواجهة من يحاولون دق إسفين في هذه الوحدة، من خلال التفريق بين عمال القطاع الخاص والعام، عن طريق الادعاء بأن مصالحهما مختلفة وشروط عملهما مختلفة، وبالتالي لا يجمعهما جامع مشترك.
إن ما طرحته الكوادر النقابية في مؤتمر عمال دمشق من قضايا عمالية، يعكس مستوى وعيها المتقدم بمصالح العمال في القطاعين العام والخاص، وهذا يؤكد أن مصالح العمال في هذين القطاعين مشتركة، وطريق النضال من أجل حقوقهم واحدة، وشروط الفقر والمستوى المعيشي واحدة أيضاً، وهذا محرك ودافع مهم لوحدة الموقف بين عمال القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الحس الوطني العالي بأهمية الدفاع عن القطاع العام الذي هو الركيزة الأساسية في تحقيق النمو الضروري الذي سيعكس نفسه بالضرورة، إن تحقق بالشكل المطلوب، على الشعب السوري بالتعليم والصحة والسكن والنقل ومستوى المعيشة... إلخ، وسيستفيد منه العمال في كلا القطاعين.
إن معركة الحركة النقابية متعددة الأوجه ومتداخلة بين ما هو خاص بالحركة النقابية وعام على الصعيد الوطني، وهي جديرة أن تخوضها ضد التيار الليبرالي وقوى الرأسمال التي تريد جر البلاد إلى مواقع أخرى على النقيض من مصالح الشعب السوري الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي قد حققت نجاحات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بسبب ضعف القوى الأخرى المناهضة لتلك السياسات، ومنها الحركة النقابية، حيث أوضح تباين المواقف في مؤتمر دمشق الأخير الحاجة إلى إعادة النظر في تقييمات ومواقف قيادة الحركة النقابية في أمور كثيرة، وأهمها عدم مجاراة السياسة الحكومية في برامجها «الإصلاحية» التي أطاحت بمكاسب هامة حققها الشعب السوري عموماً، والطبقة العاملة بشكل خاص، فالحديث عن تحسن في المستوى المعيشي للطبقة العاملة تدحضه الوقائع المعاشة، والأرقام، بما فيها تلك الصادرة عن الحكومة، تقول إن مستوى الفقر قد ازداد، وأزمة البطالة استفحلت وصار متعذراً إيجاد حلول حقيقية لها، وأن الحكومة غير قادرة على الاستثمار، في الاقتصاد الحقيقي الزراعي والصناعي إلا من خلال طرح الشركات والمعامل للاستثمار، لذلك فهي تطرح الآن مبدأ «التشاركية» مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وتعقد العديد المؤتمرات والندوات بهذا الخصوص، وهذه التشاركية هي شكل من أشكال الخصخصة للملكية العامة للشعب السوري الذي أكد الدستور السوري على عدم جواز التصرف والتفريط بها، وكذلك أكد القانون النقابي /84/ على ضرورة الدفاع عن الملكية العامة والحفاظ عليها لأنها تمثل سيادة وكرامة الوطن وقراره المستقل.
إن خسارة جولة لا تعني خسارة معركة، لأن المعركة مازالت مفتوحة كلما تقدمت قوى السوق ببرنامجها، وهذا يتطلب من القوى الوطنية وفي مقدمتها الحركة النقابية طرح البرنامج الوطني الإنقاذي، النقيض لبرنامج قوى السوق، وهذا يعني أيضاً تبني آليات عمل متناسبة مع ظروف الصراع الحالية، وأهمها الاعتماد على قوى الطبقة العاملة السورية الكامنة، وتفعيل دورها والرهان على قدرتها الكبيرة في تعديل موازين القوى، وبذلك تتعزز الوحدة الوطنية المطلوبة لمواجهة قوى العدوان الخارجية، وسد الطريق على منافذ العبور الداخلية المتمثلة بقوى السوق والقوى الليبرالية، وبهذا تحقيق لكرامة الوطن والمواطن.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.