نقابيو العاصمة يواجهون السياسات الحكومية بجرأة حقوق العمال ليست لقمة سائغة بيد أحد مهما كان موقعه

بالنسبة للعديد ممن حضروا مؤتمر اتحاد عمال دمشق فإن ما جرى فيه جعلهم يغادرون قاعة المؤتمرات في مبنى الاتحاد وهم يحملون معهم الكثير من الأسئلة وإشارات الاستفهام حول واقع ومستقبل الحركة النقابية السورية، فعلى الرغم من أن منظمي المؤتمر قد بذلوا كل جهودهم كي يمر دون إشكالات، إلا أن المستجدات التي طرأت على واقع الطبقة العاملة في سورية لم يكن من الممكن إلا أن ترخي بظلالها على طروحات ومداخلات النقابيين.

تعليمات مشددة بعدم الإشارة إلى مشروع قانون العمل... مداخلات نارية تحدت تلك التعليمات... مقاطعة عدد من المتحدثين ومحاولة إسكاتهم... أحاديث جانبية علا صوتها، وهتافات تأييد أو همهمات تذمر انطلقت من بين الحضور... انسحابات فردية وجماعية من قاعة المؤتمر، مع تهديد المنسحبين بالفصل من التنظيم النقابي... تلك هي التفاصيل التي شكلت جو الاجتماع وأكسبته طابعاً سجالياً محتدماً..

أبطال هذه الدراما النقابية كانوا الجالسين في منصة المؤتمر من جهة، والنقابيين من جهة أخرى... فمنذ بداية المؤتمر أكد أحد المسؤولين في المنصة على تحسن الوضع المعيشي للطبقة العاملة (!!)، وأن على العمال أن يعيدوا النظر بثقافة العمل التي يتبنونها، لأن العالم تغير منذ عام 1990. في حين اتهم مسؤول آخر النقابات بالفساد ونهب المال، وطلب من المؤتمرين عدم التطرق لقانون العمل الجديد، وأشار إلى أن المادة /65/ تحقق التوازن بين مصلحة العامل ورب العمل، كما أكد أن وضع الطبقة العاملة في سورية أفضل بكثير من الوضع الذي كانت تعيشه الطبقة العاملة في بلدان المعسكر الاشتراكي سابقاً، وللدلالة على ذالك طالب العمال بمقارنة وضعهم الحالي مع الوضع الذي عاشه آباؤهم!! أما وزير الصناعة فؤاد الجوني فقد أكد أن الإصلاح جارٍ في القطاع العام، حيث تقوم الحكومة بطرح العديد من الشركات للاستثمار من أجل استخدام عائداتها في إعادة هيكلة شركات القطاع العام. وحول قانون العمل أكد على مشاركة الاتحاد العام في نقاشات اللجنة الاقتصادية، وموافقته على ما ورد في القانون من مواد، لذا تمت إحالته لمجلس الشعب لإقراره والتصديق عليه.  

«قاسيون» كانت في المؤتمر، وقامت برصد مجرياته، وبما أن بعض المداخلات قد تفردت باستقطابها للكثير من الاهتمام وردود الفعل، فإن الجريدة ستقوم بنشرها كاملةً فيما يلي:     

الأسعار ماتزال ترتفع ومستوى المعيشة بانخفاض مستمر 

مداخلة النقابي حسام منصور

(رئيس نقابة عمال المصارف والتجارة والتأمين) 

يبدو أن الإعداد للخطة الخمسية الحادية عشر يربك الفريق الاقتصادي لعدم توفر بيانات إحصائية نهائية عن السنوات السابقة، فما هو متوفر الآن من أرقام فعلية يمكن للمخططين بناء تصوراتهم وخططهم عليها لا يعود لأبعد من نهاية عام 2008، أي لنتائج السنوات الثلاث الأولى من الخطة العاشرة، وبالتالي فإن على المخططين أن ينتظروا حتى نهاية عام 2010 للحصول على بيانات العام الرابع من الخطة، أي بيانات عام 2009 الفعلية، وعليه فإن الخطة الخمسية الحادية عشرة ستبنى على نتائج ومؤشرات الثلاث سنوات الأولى من الخطة العاشرة وستضع أهدافها المستقبلية بناء على ما تحقق وما لم يتحقق في تلك السنوات، وربما أنها ستحتاج إلى تعديل مستقبلي بناء على ما ستوضحه أرقام العامين الأخيرين منها.

إن كل المؤشرات تؤكد أن هناك خللاً بنيوياً بين الدخل والإنفاق، وخاصة من خلال العلاقة المختلة بين الأجور والأرباح /25% - 75% /، والعلاقة بين التراكم والاستهلاك /15% - 85% / وأخيراً بين الكتل النقدية والكتلة السلعية .

واللافت أنه لم يتوافق ارتفاع الدخل الذي جرى أثناء الخطة مع ارتفاع مستوى المعيشة ، لأن الأسعار ظلت ترتفع، وبوتيرة أسرع وأكبر من ارتفاع الأجور، وبالتالي فإن ما جرى في الحقيقة كان انخفاضاً لمستوى المعيشة المطلقة مع ارتفاع نسبي في الأجور .. لذلك فإن ربط الحد الأدنى للأجور بمستوى المعيشة وغلاء الأسعار باتت قضية اقتصادية هامة نظراً لحالة الركود الاقتصادية التي نعيشها اليوم، والتي يصدر عنها تدني القدرة الشرائية، والمطلوب من الحكومة هنا ردم الفجوة بين الدخل والإنفاق.

لقد بدى واضحاً أن الجانب الاجتماعي في  «اقتصاد السوق الاجتماعي» الذي تغنى به الفريق الاقتصادي في الخطة لم ير النور حتى الآن، وهو مهمش ومفقود، ومن مفردات ذلك الجانب وعلى سبيل المثال لا الحصر ما أوردته الخطة حرفياً بالقول «ضرورة تطوير نظام الضمان الاجتماعي بحيث يشمل الفئات والمهن المتدنية الدخل والهامشية في القطاع الاقتصادي غير المنظم ووضع خطة لشبكات الأمان الاجتماعي، وترتبط بتطوير برامج الرعاية الاجتماعية وتوفير العون المادي المباشر للأسر المحتاجة وتوسيع فرص العمل للفقراء في المناطق الأقل نمواً من خلال المشاريع الاستهدافية، ووجود برنامج وطني لتطوير المناطق النائية»، والأمثلة على تلك العموميات كثيرة.

وقد أيدت الأرقام التالية تراجع الجانب الاجتماعي بشدة خلال تنفيذ الخطط الخمسية، فقد تراجعت معدلات نمو الأجور الحقيقة من (9.9%) عام 2005 إلى (7.9%) عام 2006، ومن ثم تراجعت إلى (3.2%) عام 2007، وهذا معناه انخفاض شديد بالقوة الشرائية للمواطن السوري، كما زادت نسبة السكان تحت خط الفقر العام، أي الذين يقل دخلهم عن 2 دولار باليوم، من (30%) عام 2005 إلى (34.5%) عام 2007، وبالمقابل فقد شهد توزيع الدخل القومي انحيازاً واضحاً لصالح رأس المال، إذ بلغت حصة رأس المال حوالي 70% من الدخل القومي، في حين نزلت حصة الأجور 30% منه في العام 2007 .

والأغرب من ذلك أن الحكومة تبحث الآن عن محاولة لإيجاد آلية جديدة لتوزيع الدعم على مستحقيه ولا تستطيع الوصول إليها، فما بالكم بقدرتها على تصميم آلية وخطة لشبكات الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية واستراتيجية لدعم الفقراء ؟

من الواضح إننا سنرث عبء الخطة العاشرة ذاته لاستكمال تحقيق ما لم يتحقق؟!

إن الخلل بين الأجور والأسعار يعني :

1 - عدم تجديد قوة العمل، لأن سعر قوة العمل عملياً أدنى من قيمته بكثير، ويعني بالتالي تآكله وانهياره التدريجي بما يعنيه ذلك من آثار سلبية على مستوى المعيشة التي تظهر عبر انخفاض المستوى الصحي التعليمي، وصولاً إلى وسطي العمر المحتمل وتسريع دوران اليد العاملة.

2 - لجوء ذوي الدخل المحدود للبحث عن مورد آخر لسد حاجتهم.

3 - زيادة الفساد وتوسيع رقعته.

4 - الحد من فرص الاستثمار.

5 - زيادة البطالة.

 وليسمح لي الحضور هنا بمناقشة بند زيادة البطالة فقط من البنود السابقة، من خلال شرحي لعمل مكاتب التشغيل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والتي أنيط بها منذ عام 2001 مهمة تنظيم شؤون طالبي العمل، وحصر أعداد اليد العاملة بمختلف تصنيفاتها تحت إشراف الوزارة، بعد أن ارتأت أن تنظيم سوق العمل هو العامل الأساس لإتاحة مزيد من فرص العمل التي تؤدي بدورها إلى تحسين المستوى الاجتماعي، بالإضافة إلى ضخ المزيد من السيولة لزيادة إمكانية تحقيق تنمية اجتماعية أوسع، ومن المؤسف القول أن تلك المكاتب أصبحت متعثرة لانحراف بعض القائمين عليها!! وعلى الرغم من وجود بعض الملاحظات على الطريقة التي يتم فيها إجراءات التأهيل لإتقان اللغة الأجنبية والعمل على الحاسوب، فإن الملاحظة الأهم هو أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بدراسة سوق العمل من خلال إحداث مراكز تدريب خاصة بها، تحدد من خلالها الاختصاصات التي يحتاجها سوق العمل، كما قامت سابقاً بهذه العملية الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات في مشروعها للتخفيف من حدة البطالة التي أحدثت بمرسوم رقم 39 لعام 2006.  

صوت عمال القطاع الخاص... لا يمكن إسكاته 

مداخلة النقابي جمال المؤذن

(رئيس نقابة عمال السياحة) 

تتصادف ذكرى تأسيس الاتحاد مع دراسة رفاقنا في مجلس الشعب لمشروع قانون العمل الذي أعدته «مشكورة» وزارة العمل، وهي الجهة التي من المفترض بها أن ترعى مصالح العمال في هذا الوطن. لقد ولد قانون العمل أيها الرفاق في عهد الانفصال، واستمر العمل به أكثر من خمسين عاماً، وصدقوني أن العيب لم يكن في القانون السابق، إنما هو في تطبيق أحكام القانون، فقد كنا نحن عمال القطاع الخاص ونقابييه على احتكاك مباشر بأسلوب تنفيذ أحكام قانون العمل، فأدركنا أن هذا القانون في جهة، والمسؤولين عن تنفيذه في جهة أخرى!!

نحن نعرف أن القوانين وضعت لخدمة البشر لا لهضم حقوقهم، ولذلك  اسمحوا لي أن أوجز لكم الأسباب الموجبة لطرح مشروع تعديل هذا القانون، فقد قيل إن المطلوب من المشروع الجديد ضمان حقوق العمال المسرحين، حماية العمالة السورية من المنافسة، توفير العمل اللائق، تأسيس علاقة قانونية وتعاقدية لمصلحة طرفي العقد (العمال وأرباب العمل)، العمل على دراسة كافة الثغرات القائمة في التشريعات. وقيل أيضاً أن مشروع القانون يقدم نموذجاً عصرياً، ويسعى لمواءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات والتشريعات العالمية. ولكن للأسف اعتمد واضع هذا المشروع على قانون العمل المصري واللبناني والعراقي والليبي والجزائري وكأن سورية ليس لديها أفكار، وليس لديها عقول تضع مبادئ قانون لحماية عمالها. اعتمدنا في هذا القانون مع احترامي لجميع الحضور على القوانين الرجعية، وعلى دول ليس لديها القدرة على حماية عمالها، ومنها ما هو مرتهن للولايات المتحدة الأمريكية والاستعمار!!

يقال أن العتب محمود والغضب مذموم، لكن اسمحوا لي هنا أن أنقل لكم عتب عمال القطاع الخاص وغضبهم في الآن ذاته، بسبب  تجاهل كل مطالب حركتنا النقابية التي نعتز بها، رفاقنا في المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات العمال ولأكثر من خمسة أعوام عانوا الكثير في اجتماعات متتالية لدراسة أحكام هذا القانون، ولديهم ملاحظات مهمة، فماذا كانت النتيجة؟ أهملت ملاحظاتهم، وعرض المشروع كما ارتأته الوزارة ورغبت به، والسؤال: لماذا أجريت كل تلك الحوارات إذاً؟! نحن نتحدث عن شراكتنا مع الحكومة، لكن أين الشراكة؟! لقد اتبعت الحكومة سياستها التي نعرفها منذ البداية، ولسان حالها يقول: «أنتم تحدثوا مثلما ترغبون كقيادة نقابية، ونحن كحكومة سنعمل مثلما نريد»!! وهذا أكبر مثال على عدم واقعية فكرة «التشاركية»، فلو كانت هناك تشاركية لكانت الحكومة قد نفذت وجهة نظر رفاقنا في الاتحاد العام، لأنهم لم يعترضوا إلا في النقاط التي تسيء إلى حقوق عمالها.

 رفاقنا في القيادة النقابية، هناك نضالات كبيرة بني عليها هذا الاتحاد، ولا يجوز أن يعدل هذا القانون وفق رغبة الوزارة والحكومة، بل يجب تعديله وفق رؤية الاتحاد العام، ووفق مصلحة طرفي المعادلة....

(يقاطعه شعبان عزوز طالباً منه التوقف عن الكلام، فيرد المؤذن: «رجاء رفيق أبو عبدو، (قلوبنا مليانة) من القانون، فدعني أكمل، وأتمنى منك سماعي، لأن هذا المؤتمر ينعقد بالسنة مرة، فاسمعونا ثم تصرَّفوا كما تريدون»)

 ... سأتناول هنا مجموعة مواد لابد من مناقشتها، فنحن لسنا ضد تسريح العامل المسيء والمقصر، ولكن المشروع وضع في مادته /64/ ضوابط كثيرة يحق فيها لرب العمل تسريح العمال لأكثر من سبب. ولا يجوز أن تسمح المادة /65/ من القانون لرب العمل بتسريح العمال لقاء التعويض.

نحن عمال القطاع الخاص، أيها الرفيق رئيس الاتحاد العام، لسنا بحاجة للتعويض، وهنا نسجل عتبنا على رفاقنا في مجلس الشعب الذين وقفوا موقف المتفرج من تمرير القانون، واسمحوا لي الآن أن أحيي كل الرفاق الذين ناضلوا لعدم إقرار هذا القانون، والمواد الجائرة فيه، وأخص بالشكر الرفاق الشيوعيين الذين نكن لهم كل الاحترام، فمن خلال متابعتنا لمداخلات مجلس الشعب لحظة بلحظة...

 ... إن خلافنا ليس مع المادة /65/، لأنها رغم جهنميتها أُقرَّت وانتهى الموضوع، ولكن الكرة مازالت في ملعب رفاقنا بالاتحاد العام وأخوتنا بمجلس الشعب، وإذا أردتم أن تصلحوا ما فاتنا فعليكم بعدم السماح بتمرير المادة /277/، والتي تأتي خطورتها في تشميل هذا القانون على علاقات العمل السابقة واللاحقة... سلمنا أمرنا لله بعد إقرار المادة، لكن المادة /277/ يجب أن لا تمر مرور الكرام نهائياً، ولا بأي شكل من الأشكال، بالإضافة لهذا أنا مازلت أصر أن هناك غبناً تجاه قيادتنا النقابية، فإحدى الفقرات تذكر أن وزارة الخارجية والعمل تتابع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمال، والسؤال: أين أنت أيها الاتحاد العام؟ ألهذه الدرجة لم يعد لنا أي دور في مشروع هذا القانون؟ لا يجوز في القانون تشغيل أحد إلا إذا حصل على شهادة خبرة، وهذا يعني عودة المعاناة التي كنا نعانيها أمام مكاتب التشغيل وتحت رحمتها، وكأننا لا نعرف ماذا كانت تفعل هذه المكاتب طيلة السنوات السابقة... لابد من التأكيد أن مشروع القانون جائر، ولا يدل على وجود نية طيبة، وبعد نظر عند معديه...

(يقاطعه للمرة الثانية رئيس الاتحاد العام، فيرد جمال المؤذن: «رجاءً يا رفيق، نحن جئنا هنا كي نتكلم»)..

... لن نختلف أن القانون فيه الكثير من البنود الجيدة، لكن إذا أقرت المادة /277/ كما حصل مع المادة /65/ فإن كل المواد التي جاءت لمصلحة العمال ستسحق. وكما قلت في البداية المشكلة ليس في البنود وإنما في التطبيق، فتصوروا أن مديرية العمل في دمشق ليس فيها سوى مفتشين عمل اثنين، فكيف ستطبق هذه المديرية ذلك القانون المليء بالمواد؟!! إن هذا قد يعيق حتى أرباب العمل، لكنه يسيء أكثر للعامل، لأن أصحاب العمل لديهم مئات الأساليب لطرد العمال وفصلهم، ولتحقيق رغباتهم. إن صلاحيات وزارة العمل بالقانون الجديد باتت تشمل كل شاردة وواردة، وهذا يتطلب مكننة ويد عاملة، ونحن لا نملك الإمكانات لذلك. 

إن لمشروع القانون انعكاسات سلبية عديدة، فلم تؤخذ بعين الاعتبار مصالح ثلاثة ملايين عامل من القطاع الخاص، وأنتم في الوقت ذاته تطلبون منا نشاطاًواسعاً في هذا القطاع، لم يعد لدي أي براهين لإقناع العمال في هذا القطاع بالانتساب إلى المظلة النقابية، وبالأصل لم يعد لدي شيء لأقدمه لهم، فالعمال في القطاع لا حق لهم بالقروض... «يقاطعه رئيس الاتحاد للمرة الثالثة»... أعطوني ربع دقيقة فقط لأتحدث عن قانون التأمينات الذي لا يقل شأناً عن قانون العمل...  يقال إن هذا القانون إذا أقر فذلك سيعني أن قانون التأمينات الاجتماعية سيـ.... (يقاطعه رئيس الاتحاد بالقول: «طول بالك رجاءً»)... إن هذا المطر من ذاك الغيم، وأقسم أنه لو تم تمرير قانون العمل فإن قانون التأمينات الاجتماعية والعمل سيقر بعد ثلاثة أو أربعة أشهر ووفق وصفات البنك الدولي... (يعلو صوت نسائي من القاعة: «والله مظبوط، ويسلم تمك على الحكي»)... هذا مؤتمرنا إذا لم نتحدث فيه ونوصل رأينا فمتى نوصله؟... (يقاطعه جمال القادري: «الله يعطيك العافية على كل شيء قلته، خلِّصنا بقى» وهنا يغير المؤذن لهجته وأسلوبه في الطرح)... نحن من خلال هذا المؤتمر نناشد معتصم هذا الزمان السيد رئيس الجمهورية، ونقول له إنك الضمانة الوحيد... «تصفيق حاد»... لأنه ضمانتنا الوحيدة بعد الله في هذا الوقت، ونقول له: يا سيادة الرئيس، كلنا أمل فيك. ونقول لقيادة الاتحاد: السيد الرئيس أعطاكم الضوء الأخضر حين قال لكم: «عندما تجدون أي غبن لحقوق العمال فخطي مفتوح مباشرة لكم»، ولذلك فنحن نطلب من رئيس الاتحاد العام أن يتصل بالسيد الرئيس ليوقف هذه المهزلة في تعديل القانون... «تصفيق حاد»...  والسلام عليكم.

يتدخل أحد أعضاء القيادة بحزم: «هذه أول وآخر مداخلة تناقش قانون العمل»، ويطلب جمال القادري من الجميع بأن لا تزيد مداخلتهم عن خمس دقائق.  

في رثاء القطاع العام... أيامه وإنـجازاته وعماله! 

مداخلة النقابي غسان السوطري

(رئيس نقابة عمال الصناعات الكيميائية) 

لقد جاء في التقرير الاقتصادي الصفحة /91/ البندين /10 و11/ تراجع أداء القطاع العام، وإلغاء قانون إصلاح القطاع العام، رفيقنا جمال المؤذن تحدث عن قانون عمل أقر أو يدرس، وأنا سأتحدث عن قانون تم إلغاؤه، ونتساءل: لماذا ألغي قانون إصلاح القطاع العام؟ هل ذلك بسبب عدم القدرة على الإصلاح أم لعدم الرغبة فيه؟ أم لحماية المتضررين منه؟ وأظن أن هذه الأسئلة حق مشروع لنا كتنظيم نقابي، وإن مطالبتنا بإصلاح القطاع العام لا ترتبط بأية إيديولوجية شيوعيةً كانت أم اشتراكية أو إسلامية أو رأسمالية، بل هي عبارة عن حاجة وطنية اقتصادية اجتماعية سياسية، عندما يكون القطاع العام في ألقه واقتصادنا متيناً يكون مجتمعنا مستقراً، ويزداد القرار السياسي استقلالاً.

بدأ الحديث عن قانون الإصلاح منذ العام 2001، وشكلت له اللجنة /35/، وتتابعت اللجان تحت أرقام وأسماء مختلفة، ووضعت المقترحات على طاولة الحكومة، وبين عامي 2001 و2010 لم تهتد الحكومة إلى قرار لتنفيذ عملية الإصلاح، نحن في النقابات وكتنظيم نقابي لا يقل اهتمامنا بالقطاع العام عن القطاع الخاص لأن الطير لا يطير إلا بجناحيه، فالقطاع العام جناح والخاص جناح آخر، وإن كسر إحداهما فسنهوي، لكن للمقارنة فقط نقول أن الحكومة تقدم جميع التسهيلات والامتيازات للقطاع الخاص، وإن حصل شيء بسيط له تتنادى كل الأطراف لعقد الندوات والمؤتمرات والاجتماعات لحل المشاكل في القطاع الخاص، والقطاع العام لا أحد ينظر إليه ولو بطرف عين.

وإذا نظرنا إلى الموجودين في هذه القاعة، من الجالسين على المنصة وحتى من يقعون  في الصفوف الأخيرة من القاعة فجميعهم من أبناء القطاع العام، حتى لو كان بيننا أرباب عمل، فما أصعب أن يرى الأب أبناءه ينتظرون موته... «تصفيق حاد»... في كل مجتمعات العالم، الرياضي عندما ينجز إنجازاً، وكذلك الفني والمخترع والأديب عندما يكبر، يكرم ويقدر، إلا قطاعنا العام فكان تكريمه محاولة تصفيته.

 قبل فترة بسيطة جداً جاء في الصحف عن وزارة الصناعة أنها بدأت بالإصلاح عام 2008، وتم توطين صناعات إستراتيجية في بعض الشركات المتوقفة، ولكن من خلال متابعتنا للقطاع العام فالشركات المتوقفة زادت ثلاثة أضعاف في الأعوام الثلاثة الأخيرة. إذا كان الإصلاح استبدالاً لخطوط إنتاجية فنقول: ليس هذا هو الإصلاح الذي ننشده، نحن نريد إصلاحاً في عقلية القطاع العام، من الإدارات الدنيا حتى العليا، وأن تقر تشريعات تحرر القطاع العام من قيوده وتعطيه ما يبتغيه، حتى تكون عملية الإصلاح حقيقية، فإذا ركًَّبنا خطوطاً إنتاجية وأدرناها بالعقلية السابقة القديمة نفسها...  نقول هذا بسبب المعانة الطويلة، وللأسف كلما تحدثنا عن القطاع العام يقال لنا أن العمال هم السبب، وكلما تحدثنا عن الشركات المتوقفة يقدمون الجواب نفسه: «حقوقكم مصانة، رواتبكم مؤمنة». نحن لا نريد أن نستجدي الرواتب، ولا نريد شركات متوقفة وخاسرة، بل نريد أن نحصل على رواتبنا بعرق جبيننا، لأن العامل لدينا أصبح بلا كرامة وبلا عمل.

 أيها الرفاق هناك مواضيع أخرى لم نتناولها بعد، فعندما صدر القرار أن عمال الشركات المتوقفة سيتم نقلهم إلى الشركات والمؤسسات الخدمية، أصبح عمالنا يعاملون معاملة الرقيق، فيذهب المندوبون إلى هنالك ليلاقوا مصير الغنم والقطيع عند الفرز والتقسيم، وهذه إهانة لنا ولعمالنا، فإذا كان توقيف الشركات المتعثرة في سبيل إصلاح الشركات الحدية والخاسرة، فنحن مع توقيف هذه الشركات، ولكن الخوف أن شركاتنا تتجه بتسارع نحو التوقف، فالمازوت بدعمه البسيط تم إلغاؤه بقانون رغم المشكلة المعيشية الكبيرة التي سببها هذا الإلغاء، بينما القطاع العام الذي بنى سورية ليس له حق في قانون للإصلاح... «تصفيق حاد»... نحن صدقنا من قال لنا بأننا شريك في العملية، ولكن من التزم بشراكتنا؟! فنحن لا نمتلك سوى عرقنا وجهدنا، لا نملك القرار، ولا نملك المال، فمن يملك المال هو من يملك الشراكة. وفي الفترة الأخيرة أطلوا علينا بمفهوم التشاركية والتنافسية، التشاركية من أي ناحية؟ إن كانوا يقصدون التشاركية مع القطاع الخاص فأظن أن التشاركية ستكون خاسرة، لأن القطاع العام مقيد، بينما الخاص لديه كامل الحرية ويأخذ ما يريد من القطاع العام (أصول ثابتة، آلات... كامل البنية التحتية) أي أنه يأخذ كامل العوائد ويعطينا بعض الفتات، وإذا كانت التشاركية بالصناعة فأغلب صناعاتنا تحويلية لا تستحق شراكات، لأن الشراكات يجب أن تقام بالصناعات الكبرى. وحتى بالتنافسية لا نستطيع منافسة القطاع الخاص بما نتقيد ونُقيد به من قوانين تعرقل العمل بالقطاع العام، فنحن نصطدم بمائة معوق لحين الوصول لأي هدف.

 لنا مطلب عمالي جماهيري: نريد هيئة أو لجنة خاصة للاستثمار في القطاع العام على غرار هيئة الاستثمار في القطاع الخاص، تكون مسؤولة عن تشغيله ولها الاستقلالية المالية والإدارية، وتكون مسؤولة عن الشركات وملتزمة أمام الدولة، بما يستحق عليها من ضرائب وفوائد مالية. 

العمال يرفضون الصدقة 

مداخلة النقابي أيهم جرادة

(رئيس نقابة عمال الصناعات المعدنية) 

إن التقرير المقدم لأعمال مؤتمرنا قد شخص المشكلة بالتفصيل وبإيجاز، فقد تحولت معظم شركاتنا إلى هياكل عظمية و تحولت آلاتها ومعداتها إلى خردة، وقد جاء قانون الاستقلال المالي رقم 54 متأخراً جداً،  بالوقت الذي لم يبق في هذه الشركات أي رمق، وقد فعلت الإدارات السيئة فعلتها باستنزاف مقدرات هذه الشركات وأموالها، وراكمت عليها الديون والقروض، ولم تعن بتأهيل الكوادر العمالية والفنية والأبحاث، مما جعلها عاجزة ومشلولة تماماً، غير قادرة على المنافسة ومواكبة السلع المتطورة والحديثة المتوفرة في الأسواق المستوردة منها، أو المنتجة محلياً.

نقترح الحلول الناجعة والاقتصادية التي من شأنها استثمار ما هو موجود والبناء عليه، ومعالجة المشكلات الفنية والتسويقية بعملية الاستبدال والتجديد، والاعتناء بعملية التسويق والاعتماد على الأساليب العلمية والمتطورة بهذا الشأن، إذ أصبح التسويق واحداً من المشاكل الأساسية التي تعترض غالبية شركاتنا، ولم تقم وزارة الصناعة بمعالجة هذه المشكلة التي هي أم المشاكل، وليس مشكلة العمالة الفائضة التي أصبحت على لسان كل مسؤول.                                                                                      

نؤكد على حقنا بالمحافظة على مواقع عملنا وشركاتنا وحقوقنا كاملة، وإننا مستعدون للعمل، ولا نريد رواتب دون عمل أيضاً. 

فلاشات: 

• سُمع همس نسائي من داخل القاعة يقول: «لا يحق لأحد أن يحاسبنا على مستوى معيشتنا المتردي الآن، وعما كان عليه سابقاً، فالمقارنة خاسرة من كل الأوجه».

• أحد القادة النقابيين أبدى امتعاضه من اتهام النقابات بالفساد وتعميم ذلك على كل الحركة النقابية، وطالب بكشف مواطن الفساد بدقة بدلاً من التعميم.

• عدد كبير من المؤتمرين غادروا القاعة، ولكل منهم سببه، فالبعض استأذن لمبررات شخصية، والبعض الآخر خرج دون إذن استنكاراً لبعض الردود التي جوبهت بها المداخلات النقابية.

• وزير الصناعة كان أكثر المنسجمين مع ذاته ومع الأسلوب الليبرالي الذي يدير به وزارته!!

• أكد وزير الصناعة أن رئيس الاتحاد العام  وافق على مشروع قانون العمل في اللجنة الاقتصادية، والمفاجأة كانت أن رئيس الاتحاد لم يعلق على الموضوع نفياً أو تأكيداً!!

• أحد المسؤولين قال في أحد ردوده: «ما دخلكم بمشروع قانون يخصُّ العمال في القطاع الخاص، بينما أنتم عمال في القطاع العام وحقوقكم مصانة».

• أعضاء المكتب التنفيذي في الاتحاد العام غادروا القاعة مبكراً بعد إلقاء رئيس الاتحاد وعضو القيادة القطرية كلمتيهما.