العمل.. في ظل قانون «أرباب العمل»
في ظل العجز والترهل الذي وصل إليه القطاع العام تم التوجه إلى القطاع الخاص والعناية به، وعلى ضوء ذلك تم إحداث قانون العمل الجديد الذي حمل في مضامينه مواد تحدد العلاقة بين صاحب العمل والعامل مع «مراعاة الجانب الإنساني والاجتماعي والبعدين القانوني والاقتصادي». وينص هذا القانون على خصائص جديدة تتعلق بالتعويضات والإجازات والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، كما يوجب على شركات القطاع الخاص تنظيم عقود عمل حقيقية للعاملين وإنهاء الممارسات التي سادت خلال الأعوام الماضية مثل توقيع العامل على عقود مؤقتة يتم تمديدها، أو توقيع استقالات مسبقة.
ورغم التحفظات الكثيرة التي سبق لـ«قاسيون» أن أثارتها حول قانون العمل الجديد هذا، فإن تناول القانون اليوم يأتي من زاوية الإهمال الذي تعرض له حين التطبيق، فحتى بنود القانون التي لا تعكس كامل حقوق العمال لم تجد طريقها إلى التنفيذ، فهل تقوم المؤسسات والوزارات التي ساهمت في إحداث هذا القانون بدورها في مراقبة تطبيقه رغم الجدل حوله؟
اذا تناولنا الجانب الذي يتعلق بالعلاقة الانسانية بين صاحب العمل والعامل نجد أن هذه العلاقة لم تصبح نزيهة تقوم على أساس الاحترام المتبادل بين رب العمل والعامل، إذ كثيراً ما نرى ونسمع بإهانات وشتائم يوجهها بعض أرباب العمل للعامل، إضافة الى مايتعرض له العمال صغيرو السن، أي الأحداث الذين دفعتهم ظروف الحياة إلى العمل، من الصفعات واللكمات من أرباب العمل، ناهيك عن نظرة التعالي والفوقية التي ينظر بعض أرباب العمل إلى العمال وكأنهم قد ولدتهم أمهاتهم عبيداً لا أحراراً! وهو ما جعل لدى بعض العمال الذين يعانون من هذه المعاملة السيئة ردة فعل عدائية اتجاه رب العمل.
ولنأخذ جانباً آخر مما ينص عليه القانون، وهو جانب الإجازات السنوية، فقد نصت المادة 47 من القانون الجديد على أن مدة الإجازة السنوية 21 يوماً بأجر كامل لمن أمضى في الخدمة سنة كاملة، تزاد الى ثلاثين يوماً متى أمضى العامل في الخدمة عشر سنوات لدى صاحب عمل أو أكثر كما تكون الإجازة مدة ثلاثين يوماً في السنة لمن تجاوز سن الخمسين ولا يدخل في حساب الإجازة أيام العطلات والأعياد والمناسبات الرسمية والراحة الأسبوعية، والسؤال في هذا الصدد هل يطبق هذا النظام للإجازات في القطاع الخاص كما ينبغي؟ أم ان هناك خللاً في التطبيق على الرغم من وجود أناس قد مضى لهم في خدمة القطاع الخاص حوالي الخمس سنوات ولم يحصلوا على 21 يوم إجازة؟ وهو ما ولد عندهم الرغبة في ترك العمل.
أما ما يخص جانب العقود المؤقتة وتوقيع أستقالات مسبقة فما زال الأمر حاصلاً في أغلب مجالات القطاع الخاص وكما يقال (صاحب الحاجة أرعن)، فالعامل الذي يجد عملا في القطاع الخاص مستعد أن يوقع على استقالة مسبقة أو براءة ذمة حتى يحصل على العمل هذا إذا علم أنه يوقع على استقالة مسبقة قبل البدء بعمله، فكيف إذا لم يعلم؟!
أما بخصوص الراتب الذي يتقاضاه العامل، فهو شيء وما يسجل في التامينات الاجتماعية شيء آخر، وذلك يصب في مصلحة صاحب العمل من جهة ويخفض مستحقات العامل من جهة أخرى، هذا إذا تم تسجيل العامل في التأمينات الاجتماعية أصلاً، إذ غالباً مايتم تهريب العامل خارج المنشأة التي يعمل بها إذا شعر صاحب العمل أن موظف التامينات قد حضر لزيارة المنشأة، أما إذا علم موظف التأمينات أو شك بوجود عمال غير مسجلين بالتأمينات فذاك أمر يمكن معالجته من صاحب العمل ببعض مئات من الليرات التي تدس في جيب الموظف، فهي كفيلة بأن تحسم الموقف لمصلحة صاحب العمل حتى إشعار آخر.
أما عن مزاجية بعض أرباب العمل في تسريح العامل تعسفياً فذاك من المواضيع الهامة، لأن صاحب العمل يستطيع متى شاء تسريح العامل وبأية ذريعة كانت، فمصلحة رب العمل فوق كل مصلحة وإذا اقتضت مصلحته تسريح عامل صارله في الخدمة سنين طويلة فإنه لايتردد في تسريحه وخاصة إذا أبدله بعامل يمكن أن يتقاضى نصف الراتب الذي كان يتقضاه العامل القديم.
إننا نوجه نداءنا الى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وإلى كل من يهمه الامر بالاهتمام بكل ماطرح من مواضيع ومعالجة الفجوات التي كانت تحصل ومازالت، وطبعاً ما تزال التحفظات الكثيرة على مواد عديدة في قانون العمل الجديد قائمةً، ولن تزول إلاّ بزوال أسبابها.