د.محمد المعوش

د.محمد المعوش

email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أشكال دفاع الحياة عن نفسها: أزمة «البحث في أزمة الإبداع» مثالاً

تحت عنوان «الحياة تدافع عن نفسها» والذي يصلح كتعبير عن الحركة النقيضة للتدمير الذي تقوم به الرأسمالية للحياة على الكوكب، من المجدي الإضاءة مجدداً على تطور حركة الصراع والأشكال التي تأخذها حالياً، بما يتجاوز الاقتصادي الاجتماعي المباشر. هذه المهمة حاصلة ولا شك، ولكن من المفيد إعادة تأطيرها وتحديدها قليلاً، مما يسمح بإبراز المهام بشكل محدد أيضاً، ومنهجياً يجب الانطلاق من تحديد الأشكال التي تأخذها معادلة تدمير القوى المنتجة اليوم.

قضية الإبداع العلمي كقضية أزمة عقل المرحلة ومستقبلها

في العدد ما قبل السابق (1094) من قاسيون، في مقال تحت عنوان «ثلاثة أدلة على ركود العلم و’الإبداع’ في أمريكا»، وهو مقتطفات من كتاب للـ د. روبيرتا نيس (أزمة الإبداع، إعادة ابتكار العلم لإطلاق الإمكانيات)، تمت الإشارة إلى العديد من القضايا التي يعاني منها العلم اليوم في الغرب بشكل خاص (والعالم عامة) نتيجة ارتهانه إلى مصالح السوق والربح المادي، وهذا ما أضعف توظيف العلم لصالح حل القضايا الاجتماعية والإنسانية والبيئية. وهذه الأزمة شكلت مؤخراً قضية معنونة بـ«أزمة العلم» التي عادة ما يتم الإشارة إليها في المواد ذات الصلة. ولكن سبر قاعدة الأزمة العميقة في عقل المرحلة يكشف أبعادها التاريخية تحت ما تمت عنونته سابقاً بـ«تدمير العقل».

انتقالة العلم التاريخية نحو «مجتمع لذاته»

إن تاريخ التقدم العلمي ونقلاته النوعيّة تترافق، إذ كان محمولاً على الثورات الاجتماعية التي كانت تتطلب وتطرح على العلم، بشكل مباشر أو غير مباشر، المهام الجديدة. ولهذا كان العلم بالضرورة وفي كل مرحلة نوعية من تاريخه منحازاً بالضرورة للتقدم الاجتماعي، ولا نقول العلم «اللاعلمي» بل ما أنتجه العلم على المستوى التكنولوجي والإنساني الذي مكّن عملياً من التحكم بالطبيعة والمجتمع على حد سواء. وهذا الانحياز للجديد ضد القديم واجه بسببه العلماء مصائر تراجيدية غالباً، أو التجاهل في أحيان أخرى (ولو إلى حين). ولكن في هذه المرحلة فإن العلم أمام استحقاق نوعي لم يشهده سابقاً.

انهيار «النشاط الرئيسي» والقتل «الرحيم المجّاني»: عن السؤال الملحّ مجدداً

في المواد السابقة تمت الإشارة إلى التقاء مختلف الأسئلة الفكرية التي طرحت عبر تاريخ البشرية على أبواب ولادة العالم الجديد. وهذه الأسئلة في توليفها مجتمعة هي الانعكاس على مستوى الوعي لوحدة القضايا المادية الاجتماعية- الاقتصادية-السياسية التي ترابطت وتعقدت إلى حد ضرورة حلّها المركزي عبر تغيير النظام الاقتصادي السائد. وهذا التوليف لا يعني تواجد الأسئلة جنباً إلى جنب، بل وحدتها ضمن سؤال قضية وحدة الإنسان- المجتمع والانعتاق من الاغتراب، السؤال التاريخي الأساس للكلاسيكيين الجدليين (وضمنا هيغل) الذي حوله بنيت نظرية التغيير الاجتماعي والحرية. وضغط الوقائع يفرض الإجابة الملحّة.

قانون الجاذبية الكوني واللقاء على أبواب العالم الجديد

إن محاولة الربط بين ميداني الطبيعة والمجتمع لا تعني المماثلة النوعية بينهما حكماً، ولكن القوانين العامة للمادة تفعل فعلها في كليهما حسب خصائص كل منها. وهذا الربط هو في ذات الوقت برهان على مادية العالم وتطوره المستمر، وإعادة اكتشاف القوانين العامة نفسها عبر البحث في صيرورة هذا التطور. وعلى الرغم من سوداوية المشهد، إلا أن هذه المهمة، على قدر ما هي ممتعة، تؤكد أن الغنى الذي تتضمنه الحياة لا ينضب، بل إن تعاظم الألم هو نفسه تعاظم الحركية الداخلية للحياة، أي ما هو كامن فيها من احتمالات في اللحظة التي تظهر فيها أنها تنهار. هكذا تتعمم مقولة أن الأزمة هي فرصة على قدر ما هي خطر. وها هنا قانون وحدة المتناقضات.

صدمة الانتقال بين عقلين

من تداعيات التسارع الكبير ونوعية الانتقال الذي تتضمنه المرحلة الحالية ليس فقط مسألة الوزن النفسي لعقود (لا بل قرون) من نمط الحياة الرأسمالية وما شهدته من تهديم لفكرة الاشتراكية ممكنة التحقيق، الذي يعمل ككابح لتقبل التحول الحاصل في ميزان القوى العالمي التاريخي، بل هناك أيضاً مسألة الجاهزية العقلية والشخصية لناحية الأدوات العقلية وبنية الشخصية وعلاقتهما بالوعي كقائد للنشاط وبالحاجات والدوافع التي هي أيضاً تطورت وتبلورت ضمن الرأسمالية ولبست لبوسها في الوعي، وهو ما يضع الفرد أمام صدمة ضغط الحاجات الممارسية لهذا الانتقال.

الأيديولوجيا في مرحلة التوازن والانتقال

إن التحولات التي تطال الخطاب والعقل المهيمن تجعل من المغري البحث في الأيديولوجيا الخاصة بهذ المرحلة. فالأيديولوجيا بجوانبها المختلفة، بكونها تمثل انعكاساً موضوعيا للعالم (وضمناً للفرد حامل هذا الانعكاس) أو بكونها ممارسة على أرضية هذا الانعكاس (ترتبط بموقع الطبقة في الصراع)، ترتبط بالواقع الموضوعي وتحولاته. ولكن لكل مرحلة تاريخية خصائصها التي تحكم العلاقة بين الأيديولوجيا والواقع (الصراع الطبقي وشروطه الملموسة) وتعطي للأيديولوجيا ملامحها التاريخية. فما هي هذه الملامح اليوم (والتي تحتاج لبحث معمق من أجل تتبّع خط سير العقل- وحكماً الشخصية التاريخية وضمناً الإنسان الجديد- بعيداً عن الحدث بذاته) على ضوء التوازن العالمي الذي يحكم مرحلة الإنتقال التجاوزي للإمبريالية (الرأسمالية بالضرورة)؟

الانزياح العلمي ومؤشرات العالم الجديد

الأسبوع الماضي كان «حدث» تصدر الصين لأول مرة مؤشر NISTEP بأعلى حصة ضمن أعلى نسبة أوراق علمية معاد ذكرها. وعلى الرغم من أن المؤشرات لحساب المساهمة العلمية للدّول يشوبها الكثير من التبسيط الكمّي وتحصر غالباً بالعلوم الطبيعية، ولكن حتى بالاعتماد على أرقام هذه المؤشرات يمكن تبيان الانزياح العلمي الحاصل علمياً من المركز الغربي لصالح الدول التي تمثل قيادة التحول في النظام العالمي.

التنظيم الاجتماعي وكبح الاصطدام البربري

في ظل تسارع وتصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية عالمياً، فإن البحث في قنوات تصريف عدم الرضى العام يحتل موقعاً أساس في مسار التطور العام للأحداث. وتحتل بنية المجتمع وتنظيمها أهمية حاسمة، فالفروقات في التنظيم الاجتماعي التي تتفارق بين الدول ستحدد مسار تصريف “العنف” الاجتماعي، ابتداءً من جهاز الدولة (وضمناً الجيش) وحضوره في حياة المجتمع، وصولاً إلى المنظمات العمالية والأهلية وغيرها. فقوة التنظيم وضعفه هي محددات لتطور عملية الاصطدام الحاصلة اليوم، والتي ستتصاعد مستقبلاً، والتي ستكون معياراً لتطور المجتمع المعني نفسه.

غاز أوروبا ومياه تايوان: نماذج عن العودة المستحيلة إلى الوراء

إن التشابك العالمي على كل المستويات، التحول الذي دفعت نحوه الرأسمالية نفسها بشكل عميق جداً، يجعل من المستحيل العودة إلى الوراء. فالوحدة العالمية على المستوى التحتي الاقتصادي-الإنتاجي، ومعها مختلف أشكال إنتاج وإعادة إنتاج الحياة على الأرض، ربطت المجتمعات على مستوى سلاسل الإنتاج، والتوزيع والاستهلاك، وعمقت بذلك الوحدة العالمية الموضوعية. وهذا الترابط، والتقسيم العالي العالمي للعمل، هو ترابط على مستوى مصادر الثروة الطبيعية. وهذا الترابط لا يمكن الإخلال به والعودة عنه دون الإخلال بانتظام الحياة على الأرض. وما هو ممكن فقط هو تطهير التناقضات في المستوى الحالي من تطور النظام العالمي. فالقوى الإمبريالية المهيمنة اليوم وفي مرحلة تراجع هيمنتها على هذا النظام تحاول أن تتراجع عن النظام الذي قامت بالدفع نحوه قوانين الرأسمالية نفسها. ليست أزمة الغاز الأوروبية- الروسية إلا نموذجاً لها، وهنا نمر على أزمة «تايوان- الصين» المائية.