بين التصريحات والواقع... جوع العمال مستمر

بين التصريحات والواقع... جوع العمال مستمر

ترتفع وتيرة التصريحات التي يطلقها المسؤولون الحكوميون والنقابيون عبر وسائل الإعلام المختلفة في الفترة الأخيرة، متحدثين عن «تحسين» الوضع المعيشي لعموم الفقراء ومنهم العمال، ولم يعودوا يذكرون في تصريحاتهم جملة «إنْ توفرت الموارد».

ويطرحون أشكالاً من الاقتراحات، منها خفض الأسعار وتعديل التعويضات المختلفة للعمال ومتممات الأجور، وتعديل قانون الحوافز الإنتاجية الذي أوقف العمل به لإعادة دراسة بعض بنوده حتى تتحقق «العدالة» بين المستحقّين للحوافز كما جرى التصريح بذلك، ولكن جميعها تبقى بإطار القول لا الفعل، لأن القاعدة الأساسية التي يمكن أن تغيّر واقع العمال من حال إلى حال هي في حالة الشلل أو التعطل، أي للمعامل، سواء في القطاع العام أو الخاص، فكلاهما تتدهور أوضاعهما. ومن يتابع تصريحات الصناعيين من أصحاب المعامل وأعضاء غرف الصناعة يجدها صاخبة ومحتجة على سلوك الحكومة اليومي المدمر للصناعة، حيث يجعلها في حالة شلل تام مما جعل الصناعيين يعقدون مؤتمراً حضره قرابة 300 صناعي لنقاش أوضاع صناعتهم. وهذا المؤتمر هو بمثابة رسالة قوية يرسلها الصناعيون للحكومة ليقولوا فيها: كفى تدميراً للصناعة! على الرغم من أن الحكومة غارقة في وعودها للصناعيين ولكن ذلك بمثابة وعود لا أكثر و«المي تكذّب الغطّاس».
هذا هو الواقع الكارثي الذي تشهده الصناعة والزراعة أيضاً -وهما ركيزة أي تطور محتمل في الاقتصاد- وكذلك يشهده مستوى معيشة الفقراء عموماً والطبقة العاملة خصوصاً. ويأتي تصريح من القيادة النقابية ليزيد الوهم وهماً حول تطور محتمل في مستوى معيشة العمال، وهذا التصريح يعبّر عن وثوقيّةٍ عالية بتحقق ما هو مصرّح به حيث يقول التصريح: «المرحلة القادمة ستشهد تكثيفاً لتحسين معيشة الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة والهشة».
إن ذاك الكلام المعسول أصبح ثقيلاً على أسماع العمال ولا يستند إلى الواقع بشيء لكثرة ترديده في كل مناسبة وغير مناسبة، وخاصةً في المؤتمرات والاجتماعات العامة التي تُعقد، ويحضرها «أصحاب» التصريحات أنفسهم.
العمال يطرحون في مجالسهم سؤالاً: لماذا تصدق الحكومة في وعودها والتزاماتها تجاه أصحاب الأموال وأصحاب النعم وتغدق عليهم ليزدادوا نعماً وثروة، ولا تصدق بوعودها معنا نحن العمال؟ أي عندما نحشرهم في الزاوية بمطالبنا المشروعة يتحدثون عن تحسين معيشتنا محاولين إقناعنا بصدق نواياهم -مجرد نوايا فقط- من أجل زيادة أجورنا، أو تعديل حوافزنا الإنتاجية، وغيرها من القضايا المرتبطة مباشرة بخروج وضعنا المعيشي من عنق الزجاجة.
الحكومة تعمل كل ما يجعل الناهبين المغتنين يغتنون أكثر والمفقرين يزدادون فقراً، ابتداءً من رفع الدعم عن كل شيء، وصولاً لوضع ضريبة على ما لا يخطر بالبال.
العمال في مجالسهم يتساءلون أيضاً عن سبب فقرهم والآن عن سبب جوعهم، ومجرد طرحهم لهذا السؤال يعني اقترابهم من وعي الحقيقة المرّة التي أوصلتهم إليها آلة النهب والاستغلال، وعي مصالحهم ومصدر شقائهم، وبالتالي لا بدّ من ابتداع أدواتهم التي ستجعلهم قادرين على رسم معالم طريق تحصيل حقوقهم المنهوبة، أي إنهم سيكتشفون مِن خارجهم ومِن تجربتهم قوانينَ الصراع مع من يستغلّهم ومن يوصلهم إلى حافّة الجوع، ومَن يحاول أنْ يجعل فقرهم وجوعهم أبدياً، وهذا لن يطول، لأنّ درجة الضغط على معيشتهم عالية، ودرجة النهب والمنع لحقوقهم أصبحت مركزَّة بشكلٍ عالٍ، وأصبح يقرّ بها القاصي والداني، ولم تعد تفيد كل الكلمات المعسولة عن تحسين أوضاعهم، التي تقال لهم دون خطوات ملموسة ومحسوسة يقتنع بها العمال، وإلّا فإن قانون الصراع دفاعاً عن المصالح سيكون حاضراً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1175
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:22