عرض العناصر حسب علامة : افتتاحية قاسيون

جولة جديدة - إعاقات جديدة - تقدم جديد

مع كل إعلان عن جولة جديدة من مفاوضات جنيف الخاصة بحل الأزمة السورية، «ينتفض» عش الدبابير في مختلف المواقع، في الداخل والخارج، وعلى جميع الجبهات العسكرية، والإعلامية، والدبلوماسية، ويبتدع أدوات جديدة في الإعاقة، بعد أن تكون قوى الحل قد أزالت العوائق السابقة، أو على الأقل أضعفت تأثيرها.

التصعيد ضد «مناطق وقف التصعيد»

جاء المقترح الروسي بخصوص مناطق تخفيف التوتر على الأراضي السورية، الذي تبناه اجتماع أستانا الأخير، مبادرة جديدة في سلسلة المبادرات الإبداعية لحل الأزمة السورية، فهو من جهة يؤرض المشروع التركي - الأمريكي القائم على إقامة مناطق آمنة بالطريقة التقليدية، التي كانت عادة أداة تثبت نفوذ القوى الدولية المهيمنة على أراضي الدول الأخرى، ومن جهة أخرى يساعد اتفاق أستانا على تثبيت الهدنة، وتوسيع الرقعة التي تشملها، وإيقاف الأعمال القتالية على الأراضي التي حددها الخبراء العسكريون في المناطق الأربع، وإحداث الفرز المطلوب بين المسلحين على أساس الموقف الفعلي من الحل السياسي، وإمكانية توحيد بنادق السوريين ضد الإرهاب، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتنقل الأفراد. 

 

 

تأزيم جديد.. خسارة جديدة!

تحاول غرفة عمليات قوى الحرب يائسة، وعلى أكثر من صعيد، وفي أكثر من ميدان استعادة مواقعها، من خلال الاستعراض العسكري، بعد أن أصبح الاستفراد الامريكي بالقرار الدولي في ذمة الماضي، بفعل ميزان القوى الدولي الجديد، وزخم تقدم الدور الروسي في جميع الملفات الدولية، وموجبات هذا التقدم، على الساحة الدولية، ومنها ما يتعلق بالأزمة السورية، كأحد خطوط التماس الأساسية في الصراع حول آفاق تطور الوضع العالمي.

 

 

بين العسكري والسياسي

بات تعقيد الوضع الميداني والسياسي، سمة ملازمة لكل تقدم في مسار الحل السياسي، وبمراجعة بسيطة يتبين، بأنه أمام كل جولة من مفاوضات جنيف، كان يجري تصعيد الوضع ميدانياً، وإعلامياً بهدف خلط الأوراق، ومنع تقدم العملية السياسية، أو من أجل تحسين الموقع التفاوضي، بعد أن فرض الأمرالواقع على الجميع، الانخراط في عملية جنيف، وعلى الرغم من أن الكل بات يقر، ويعترف، بأنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية، إلا أن السلاح لم يخفت صوته كما يجب، لابل يجري استخدامه على قدم وساق، والسؤال الآن، ما هو خيار قوى الحل السياسي، والراعي الروسي تحديداً، في حال استمرار السلاح  بالهيمنة على المشهد، لاسيما، بعد أن أكد المبعوث الدولي، ستافان ديمستورا بأن الجولة القادمة من مفاوضات جنيف، ستكون خلال شهر أيار القادم، وهي الجولة التي من المفروض أن تبحث الجوانب العملية والإجرائية، لذلك من المتوقع أن يفقد دعاة الحرب صوابهم، ويستخدمون ضدها من جديد ورقة التصعيد العسكري؟   

 

 

لن يصلح الـ«توماهوك» ما أفسده الدهر!

تتعدد أهداف قوى الحرب من التصعيد الأمريكي الأخير، في الملف السوري، وقد كان واضحاً من البروباغندا التي رافقت جريمة استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون، أن قوى الحرب تبحث عن ذريعة للعودة إلى الميدان السوري بشكل مباشر، سواء كان من خلال تكرار التجربة العراقية وسيناريو البحث عن أسلحة الدمار الشامل، أو من خلال حماقة العدوان المباشر، بعد أن عجزت عن شرعنة التدخل من خلال مجلس الأمن.   

 

 

جنيف خطوة الى الوراء.. خطوتان إلى الأمام

إن جرداً اولياً، لنتائج جولة جنيف الراهنة، ورغم حالة الجمود والمراوحة في المكان، التي هيمنت على المشهد في الأيام الأولى، يؤكد على تقدم العملية خطوات أخرى إلى الأمام؛ وهو ما تجلى من خلال مناقشة كل السلال، وبمشاركة كل الأطراف، وإقرار بحث القضايا خلال الفترة الممتدة بين الجولات الرسمية، لتعميق البحث حول كل سلة من السلال الاربع، وبدء بحث القضايا الاشكالية، والشائكة بشكل ملموس، وكسر الحواجز؛ مما يعني الانتهاء نهائياً من الشروط المسبقة، والجدل في الأولويات، وهي التي طالما كانت عائقاً أمام تقدم العملية التفاوضية، بالإضافة إلى استعداد الجميع للعودة إلى جنيف لعقد جولة أخرى؛ أي أنه جرى العمل بجدول الأعمال المقر في الجولة السابقة من حيث الجوهر، واستناداً إلى القرار 2254 كما أكد المبعوث الدولي في مؤتمره الصحفي الختامي،  رغم كل محاولات الإعاقة، مما يؤكد مرة أخرى، بأنه بالإمكان إزاحة العقبات إذا توفرت النوايا والإرادة؛ وهنا يسجل للراعي الروسي مرة اخرى، متابعته المباشرة لعملية التفاوض،  ودوره الأهم في دفع العملية إلى الأمام، فليس سراً بأن المفاوضات حققت ما حققت، بعد وصول الفريق الدبلوماسي الروسي إلى جنيف. 

 

 

كيف نرد على الارهاب؟

يعتبر الإرهاب كبنى تنظيمية، وكخيار، انعكاساً لانحطاط الموقف السياسي، ويهدف عموماً إلى خلط الأوراق، وإشاعة الفوضى، لتأمين الظروف المناسبة حتى يتمكن رعاته، وصنّاعه، وممولوه من التحكم بالمسارات، وترتيب الأوضاع بما يعكس مصالحهم، وليس سراً أن قوى الفاشية الجديدة، وأذرعها الإرهابية، وجدت في ظروف الأزمة السورية - وبعد سيادة مفهومي الحسم والإسقاط على المشهد- البيئة المناسبة ليزداد دورها، ويتضاعف تأثيرها، وعليه من الطبيعي أن تكون القوى الإرهابية أول المتضررين من تقدم الخيار السياسي، وأن تستخدم ما تبقى من قوى لديها لعرقلته، ومنعه. فالإرهاب ليس فعلاً إجراميا فقطً، بل له ايضاً وظيفة سياسية؛ و إن كان السلوك الإجرامي، يعكس حالة إفلاس سياسي وأخلاقي وتأكيد جديد على محدودية الخيارات، وانسداد الأفق أمامها.

 

معيار الوطنية السورية

يعتبر قرار مجلس الأمن  2254 الإطار التنفيذي الذي يكثف بشكل ملموس مجمل القرارات الدولية الخاصة بالأزمة السورية، منذ بيان جنيف الأول وحتى الآن، وهو المرجع الذي يحدد طرائق وآليات وإجراءات حل الأزمة بخطوطها العامة، الأمر الذي يفترض بالسوريين التوافق على تفاصيله على طاولة التفاوض، ومن هنا فإن هذا القرار، يتناقض بمنطقه ومحتواه وروحه، مع أية تفسيرات من طرف واحد، وأية شروط مسبقة، وأي اجتزاء، وأي افتعال لتلكؤ أو عرقلة، أو هروب إلى الأمام.

 

 

نجاح جولة جنيف

تتعدد القراءات والمقاربات المتعلقة بتقييم الجولة الرابعة من جنيف3، وما أنجزته، على طريق الحل السياسي، وفي هذا الإطار يمكن القول:  بلا شك، كان بالإمكان الوصول إلى نتائج أفضل مما تحقق، ولكن، ما تحقق لم يكن قليلاً أيضاً، رغم الاستعراض الإعلامي الذي حاول أن يغطي على تراجع العديد من القوى عن مواقفها السابقة، وبإجراء جرد أولي لنتائج هذه الجولة من جنيف، يمكن تثبيت عدة حقائق:

 

 

هجوم معاكس!

أخذ الهجوم على الحل السياسي أشكالاً مختلفة، ومر بمستويات متعددة، فمن رفضه، والهجوم السافر عليه، ثم التشكيك بإمكانية تحقيقه، إلى وضع شروط مسبقة عليه ومحاولة التحكم بنتائجه، إلى القبول به قولاً، ومحاربته فعلاً، إلى محاولة سرقة رايته، واحتكار تمثيله، والالتفاف عليه، ومحاولة وأده في المهد، كل هذا، وكما يبدو نسق متكامل، يختزل موقفاً رافضاً للحل، بغاياته، وأدواته، وجوهره، وروحه.