زوبعة الكيمياوي

زوبعة الكيمياوي

أثارت واشنطن من جديد قضية الكيمياوي السوري، بناءً على اتهامٍ مسبق، وهددت بشكل واضح باستخدام القوة العسكرية المباشرة، بشكل منفرد، استناداً إلى مجرد افتراض، ومن خلال استعراض يوحي بإمكانية التحكم بالوضع السوري، وتطوراته على المسارات المتعددة، الميدانية العسكرية منها والسياسية.

زوبعة الكيمياوي الأخيرة لم تكن الأولى كما هو معروف، وربما لن تكون الأخيرة، ولطالما استخدمت واشنطن هذه الذريعة لتبرير التدخل العسكري المباشر، أو ابتزاز الطرف الروسي هنا وهناك ومحاولة الحصول على مكاسب آنية، وإيقاف التراجع المستمر للنفوذ الأمريكي في الميدان السوري، وبالتالي، فإن مصير هذا التهديد لن يكون أحسن من التهديدات السابقة التي جرى ردعها روسياً، وارتدت على أصحابها تراجعاً إضافياً.
وبالوقوف عند توقيت إثارة هذا الملف مجدداً، نجد أنه جاء في ظل انحسار متسارع لقوى الإرهاب، ويسبق لقاءات آستانا، التي من المزمع أن يجري فيها التوقيع على تنفيذ الإجراءات العملية المتعلقة ببعض مناطق خفض التوتر، وأنه يأتي عشية انعقاد جولة جديدة من مفاوضات جنيف، وفي ظل تصدع الحلف الإقليمي لواشنطن: الأزمة الخليجية - تصاعد الخلاف التركي- الأمريكي، والمآزق المتتالية في البنى المعتمدة أمريكياً في المعارضة السورية.
وفي السياق نفسه، فإن رفع منسوب التوتر، واستعراض القوة الذي تمارسه الإدارة الأمريكية مؤخراً، يأتي كمحاولة للتغطية على الانقسام العميق في النخبة الأمريكية، الذي دخل مرحلة جديدة بعد الأزمة الخليجية، حيث خرج من دائرة إتهام الإدارة الجديدة بعلاقتها مع روسيا، إلى خلاف صريح وعلني حول طريقة التعاطي مع القضايا الدولية، كما ظهر من خلال التصريحات المتناقضة لأقطاب الإدارة الأمريكية، والابتزاز الرخيص لطرفي الخلاف.
ومن جهة أخرى، فإن قوى الحرب في الإدارة الأمريكية تسعى من خلال هذا التوتير المتكرر، إلى الإبقاء على مستوى عالٍ من التوتر في العلاقات الروسية الأمريكية، فالتصعيد الراهن يسبق اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي والأمريكي، وفي ظل دعوة وسعي الطرف الروسي إلى تعاون الطرفين في محاربة الإرهاب، وتدشين مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، قائمة على احترام مصالح الدول كلها، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، بعيداً عن الاستفراد الأمريكي بالهيمنة على القرار الدولي، بمعنى آخر فإن قوى الحرب تريد استباق هذا الاحتمال، وتسعى لإجهاضه رغم أنه بات استحقاقاً دولياً، لا يعكس فقط مصالح شعوب العالم وحقها في إشاعة السلم، والحفاظ على سيادة الدول واستقلالها، بل يعبر أيضاً عن رأي التيارات العقلانية في المركز الغربي الرأسمالي عموماً، والأمريكي خصوصاً.
نختصر، ونقول: تستميت قوى الحرب، وتستخدم أدواتها القديمة والجديدة كلها من أجل إعاقة مسار الحل السياسي للأزمة السورية، الذي يتقدم في ظل ثنائي: الحكمة والحزم الروسيان، رغم تلك الإعاقات كلها، ومن جملتها البروباغندا الأخيرة، عن السلاح الكيمياوي، لأن نجاح هذا الحل بمفرداته المعروفة: محاربة الإرهاب، وحق الشعب السوري في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، والعميق... سيكون تجسيداً ملموساً لهزيمة المشروع الأمريكي، وتثبيت لخيار القوى الدولية الصاعدة. وأول الغيث في سلسلة هزائم متتالية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
817