المتعوس.. وخايب الرجا

تعتبر الزيارة بالنسبة للإدارة الامريكية، مناسبة لتثبيت دور الولايات المتحدة المتراجع، من خلال فرض المزيد من الاتاوات على ريع البترودولار، سواء كان بشكل مباشر، أو عبر صفقات السلاح، لترقيع الاقتصاد الأمريكي المهترئ تحت وقع الأزمة، بما يرضي جشع ونهم قوى الحرب في واشنطن، ويساهم في تخفيف حدة الصراع داخل الإدارة الأمريكية، في ظل الصراع التي بات معلناً بين اركان هذه الادارة حول خيارتها اللاحقة، دولياً وداخلياً.

أما بالنسبة للطغمة السعودية، فجاءت الزيارة فرصة لثبيت الدور الإقليمي السعودي التقليدي المتراجع، والمهدد بالإفلاس، عبر رسائل دعائية في عدة اتجاهات إلى المنافسين على هذا الدور، تؤكد بأن السعودية كانت وما زالت المعتمد الأول للنخبة الأمريكية في المنطقة، رغم أنها مثقلة بتبعات سياسات التبعية المطلقة تاريخياً، التي دفعت المملكة من مأزق إلى مأزق، في سورية، واليمن، وحتى في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما وأن الزيارة جاءت بعد مرحلة من الجفاء، التي اكتنفت العلاقة بين الحليفين التقليديين، إثر توقيع الاتفاق النووي مع ايران. 

توافق التيه الأمريكي في السنوات الاخيرة والمتفاقم منذ مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية الامريكية، الذي لم تستطع العربدة بحاملات الطائرات والصواريخ هنا وهناك أن تغطي عليه، توافق مع القلق السعودي على فقدان «الميزة المطلقة» التي طالما تنعمت بها المملكة على مدى عقود في ظل الاستفراد الأمريكي بالقرار العالمي، فالكل يعلم بان الزيارة جاءت بعد تصريحات نارية، واستعلائية للرئيس الامريكي ضد السعودية أثناء الحملة الانتخابية، والتلويح مرات ومرات بوضع السعودية على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، والإشارة المستمرة إلى دورها في أحداث أيلول، وتحول ذلك كله إلى مديح و«طنبرة». 

وكطبيعة أية بينية مأزومة، محكومة بالتراجع ، فإن أية محاولة لإيقاف التراجع تنتج تعقيدات جديدة تثبت الأزمة أكثر فأكثر، لاسيما مع وجود قوى دولية منافسة وصاعدة، فـ«التوكيل الأمريكي» الجديد للسعودية، أدى إلى المزيد من التصدع في المنظومة الإقليمية التابعة لواشنطن، الأمر الذي يمكن تلمسه في الموقف والإشارات الصادرة عن تركيا، خلال وبعد القمة، والخلاف السعودي القطري الذي تفجر بعد يوم واحد من انفضاض القمة، و مضمون ومحتوى كلمة الرئيس المصري في القمة العتيدة، كلها وقائع تؤكد إن قدرة الولايات المتحدة على ضبط حلفائها تتراجع، لا بل أنها مضطرة لتقديم كبش فداء، الأمر الذي يمكن تلمسه في الموقف الأمريكي من الخلاف السعودي القطري، فالدور القطري الذي تم تضخيمه خلال السنوات السابقة ضمن الأدوار الوظيفية للكيانات التابعة، وكان وجه القباحة في تنفيذ الفوضى الخلاقة، سيكون على الأرجح قربان التوكيل الجديد، وهو ما ينبغي أن يكون درساً جديداً لكل من وضع - أو في نيته أن يضع بيضه في السلة الأمريكية.