في زمن رفع الدعم: كم ربحت المصارف الخاصة في عام واحد؟
منذ إعلان رفع الدعم عن شرائح من الشعب السوري خلال الشهر الماضي، لم تدخر الحكومة مناسبة إلا وأعلنت فيها أن قرار رفع الدعم ناتج عن رغبة منها بسد عجز الموازنة، مشيرة بطرقٍ عدّة إلى الصعوبات التي تواجهها الدولة نتيجة شح الإيرادات. وبالمختصر، لم تعدم الحكومة سبيلاً لتبرير مد يدها إلى جيوب المواطنين، معللة ذلك بانعدام الخيارات أمامها لزيادة إيرادات الدولة، ومتجاهلة - في الوقت ذاته- الأصوات التي تتعالى لتشير إلى مواضع ربح لا تزال حاضرة في البلاد وأجدى بأن تكون مصدراً لزيادة إيرادات الدولة. فيما يلي، تستعرض قاسيون مثالاً واحداً، هو أرباح المصارف الخاصة العاملة في سورية خلال العام الفائت.
صدرت مؤخراً الإفصاحات المالية للمصارف الخاصة العاملة في سورية (عددها 14 مصرفاً) عن أرباحها الأولية المحققة خلال السنة المالية 2021، كاشفة بذلك عن إثبات جديد على أنه كان ولا يزال هنالك أمام من يملك زمام القرار في البلاد العديد من الخيارات لزيادة إيرادات الدولة دون أن اللجوء إلى مد اليد نحو جيوب المواطنين، ذلك بالطبع لو كان هنالك قرار سياسي بتوجيه الجباية نحو كبار الأثرياء المستفيدين من انهيار الليرة.
1.1 ترليون ليرة ربح عام واحد
وفقاً للحسابات الواردة في الإفصاحات المالية، حققت المصارف الخاصة الـ14 المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية أرباحاً بلغت 1.1 ترليون ليرة سورية مرتفعة من 650 مليار ليرة سورية في عام 2020، وبذلك تكون المصارف قد حققت ربحاً ضخماً رغم تراجع هذا الربح في حال نسبه للدولار الأمريكي (بلغ ربح 2020 حوالي 517,515,924 دولار، بينما كان الربح في 2021 حوالي 474,130,048 دولار).
وفي هذا السياق، هنالك ما يجدر التذكير به وهو أنه لا يمكن بالأصل الركون إلى أرقام الربح المعلنة، ذلك أنه بات معلوماً أن لدى المصارف الكثير من الطرق للالتفاف على إعلان رقم الربح الحقيقي، ليس أقلها تضخيم أرقام النفقات التشغيلية بهدف تخفيض رقم الربح الفعلي، ولنا أن نتخيل مقدار ما يتم التلاعب به في ظل غياب آليات الرقابة المالية الفاعلة على أداء هذه المصارف.
لكن حتى لو أردنا الاستناد إلى هذه الأرقام ذاتها، فإنها تكشف لنا جزءاً مما تتغافل عنه الحكومة من مصادر إيرادات مستحقة، ذلك بفعل النظام الضريبي في سورية الذي يضيّع ويهدر مصادر أساسية لإيرادات الدولة، وهو ما سنشرحه تالياً.
نظام ضرائب لمصلحة الكبار
كما أسلفنا، فإن النظام الضريبي في سورية يتيح لكبار الأثرياء ضريبة دخل استثنائية، بما في ذلك ضريبة الدخل على أرباح المصارف الخاصة. حيث لا تتجاوز ضريبة الدخل على الربح التشغيلي نسبة 25%، وهي نسبة تثير الاستهجان إذا ما قارنها بالنسبة ذاتها في دول أخرى: في الجزائر والأردن لا تقل عن 35%، بينما تصل في مصر إلى 45%. وهو ما يعني أن الحكومة في سورية تتخلى سنوياً عن نسبة بين 10 إلى 20% من الضرائب الممكن فرضها على أرباح المصارف الخاصة.
فوق ذلك، أقدم مصرف سورية المركزي على خطوة مجحفة بحق السوريين الذين يجب أن ينتفعوا من المال العام، وذلك حين اعتبر أن أرباح المصارف الناتجة عن تقييم القطع (أرباح فروقات القطع الأجنبي) أرباحاً غير حقيقية! ما يعني أنها معفية من الضرائب الحكومية. وهنا لا نتحدث عن فروقات هامشية، بل فروقات تشكل أكثر من 90% من أرباح المصارف!
ماذا لو جبيت الضرائب كما ينبغي؟
لو كانت الضريبة على أرباح المصارف في سورية (25%) تشمل أرباح فروقات القطع الأجنبي لكانت الحكومة قادرة - في غضون عام واحد فقط- على جباية حوالي 298 مليار ليرة سورية عوضاً عن 48 مليار، ولو كانت لدينا ضريبة مثل مصر (45%) لاستطاعت حكومتنا تحصيل ما يقارب 536 مليار ليرة سورية العام الفائت.
بكلام آخر، فإن الحكومة التي لم تنفك تعلن عن أنها وفّرت حوالي ترليون ليرة سورية جراء رفع الدعم عن شرائح من الشعب السوري مؤخراً كان بإمكانها أن تحصّل أكثر من هذا المبلغ خلال عامين فقط من ضرائب أرباح المصارف لو كان هنالك نظام ضريبي يأخذ مصلحة الناس بعين الاعتبار.
إن إلقاء نظرة على الضرائب التي دفعها كل مصرف من المصارف الخاصة في سورية كفيل بتبيان أن الغالبية الساحقة من هذه المصارف لم تدفع أكثر من 2% من إجمالي أرباحها، كما لم تتجاوز نسبة مجموع الضرائب التي حصلتها الدولة من إجمالي أرباح المصارف الخاصة أكثر من 4% (48 مليار ليرة من أصل 1.1 ترليون!).
أخيراً نترك القارئ أمام سؤال: ماذا يمكن أن نسمي السياسة التي تساعد على مراكمة مليارات الليرات السورية في البنوك دون أن يجري استثمارها جدياً لمصلحة الناس؟ وفوق ذلك، فهي تتراكم دون وجود ضرائب فعلية، ومتروكة لتستفيد من خسائر الليرة السورية المتفاقمة جراء السياسات الحكومية؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1058