الخليج والصين يتعاونان وأمريكا خارج الباب تشاهد
بالنظر إلى تأثير الانسحابات الأمريكية من الشرق الأوسط على العلاقات مع دول الخليج العربي، هناك فرصة أمام دول الخليج لتعزيز علاقاتها ببكين بشكل أكثر حريّة من أيّ وقت مضى. هناك في حقيقة الأمر إشارات فعلية على أنّ الصين قد تتخذ مع دول الخليج، ممثلين بمجلس التعاون الخليجي، خطوات نحو توقيع اتفاقية تجارة حرّة، والتي بدأت المفاوضات لتوقيعها منذ عام ٢٠٠٤، قبل أن تتوقف عام ٢٠١٦.
في كانون الثاني ٢٠٢٢، زار وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي: السعودية والكويت وعُمان والبحرين- ومعهم الأمين العام للمجلس نايف الحجرف- الصين لمناقشة التجارة والاستثمارات معها. هذه الفورة من النشاط الدبلوماسي هي علامة حيوية لإحياء الحوار الذي تمّ تعليقه في عام ٢٠١٦ على إثر المقاطعة الدبلوماسية التي قادتها السعودية والإمارات لقطر. أمّا اليوم وقد استعادت دول الخليج العلاقات فيما بينها إلى حدّ كبير، رغم استمرار وجود خصومة سياسية، يبدو أنّ مجلس التعاون الخليجي حريصٌ على اختيار الصين لتكون الشريك التجاري المستقبلي.
ورغم أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة لم تكن من بين زوّار بكين، فأبوظبي مشتركة إلى حدّ كبير في العملية بأكملها. في ١٣ كانون الثاني الماضي، تحدث وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، مع نظيره الإماراتي للتأكيد على التزام الصين بمساعدتها على أهدافها في التطوير الوطني، مع التأكيد على حتميّة الانتهاء من منطقة التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي GSS-FTA بأسرع وقت ممكن.
يعدّ هذا تطوراً هاماً للغاية- بقدر ما يمكن- للصين، فبالنسبة لكثيرين في دول مجلس التعاون الخليجي، الصين قادرة على تشكيل وزن مضاد للولايات المتحدة. في الواقع، كان أحد الأسباب الرئيسية لقرار الإمارات العربية المتحدة بإنهاء صفقتها مع الولايات المتحدة على طائرات اف-٣٥، هو الضغط الأمريكي من أجل إلغاء اعتماد الإمارات لتكنولوجيا الجيل الخامس الصينية. من الواضح أنّ تجديد هذه العلاقات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي هي إشارة لبداية مستقبل جديد. وكما قال وانغ يي مؤخراً: «الانتهاء بسرعة من GSS-FTA كهدف رئيسي للسياسة الخارجية الصينية في عام ٢٠٢٢».
منطق المصلحة المتبادلة
هذا التقارب بين دول الخليج والصين منطقي. ففي حين أنّ دول الخليج هي مصدر رئيسي لإمدادات الطاقة للصين، فمبادرة الحزام والطريق في بكين تقدّم آلية استثمار بمليارات الدولارات، يمكنها تلبية شهيّة الدول الخليجية المتزايدة لتنويع اقتصاداتها من خلال الابتعاد عن الاعتماد الوحيد على النفط إلى التصنيع. في الواقع، تعدّ رؤية السعودية ٢٠٣٠ تجسيداً رئيساً لما تتجه إليه منطقة دول الخليج من النواحي الاقتصادية المستقبلية. لذلك، في حين أنّ انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط ربّما سمح للمنطقة باتخاذ خطوة ناحية الصين، فليس هناك من يتمكن من إخفاء أنّ الصين ودول الخليج لديها المزيد من إمكانات الوصول إلى درجة مرتفعة من الاعتماد المتبادل، وهو ما يدفع قدماً بسياسات التجارة الحرة.
في عام ٢٠٢٠، على الرغم من الضربة الهائلة التي تعرضت لها التجارة الدولية بسبب وباء كوفيد-١٩، حلّت الصين محلّ الاتحاد الأوروبي بوصفها الشريك التجاري الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي. فمن خلال التجارة المتبادلة بين الطرفين والتي قدّرت قيمتها بـ 161,4 مليار دولار في ٢٠٢٠، ساهمت الصين بدفع مليارات لشراء ٣٧٥ مليون طن من النفط الخام من دول الخليج العربي، بينما قامت بالمقابل بتصدير الآلات والمعدات والسيارات إلى هذه الدول بقيمة 70,8 مليار دولار، لتزيد بنسبة ٥٪ عن العام الذي سبقه.
تشير هذه الزيادة في التجارة إلى تحوّل منسّق نحو إقامة شراكة استراتيجية خليجية صينية دائمة. من هنا وفي حين تهدف مشاريع طرق الحرير الضخمة في الصين إلى بناء جغرافيا تجاريّة جديدة، معظمها من الأرض لتجنّب «خطوط الاتصال البحرية الحساسة SLOCs»، فتعميق الصين لعلاقاتها مع دول الخليج يضمن أمنها الطاقي على أساس دائم أيضاً.
يمكن ضمن هذا السياق أيضاً أن نفهم قيام الصين العام الماضي بسحب ٢٠ مليار دولار من استثماراتها في إفريقيا، مع إمكانية مباشرة لتوجيه هذه الأموال إلى الشرق الأوسط المتعطش للاستثمارات.
تشعر الصين من جانبها بحاجة دول الخليج العربي لاستثماراتها. فكما كتبت صحيفة غلوبال تايمز الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني في تقرير حديث: تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى المسار الأكثر نفعاً للتنمية. ولا يأتي هذا فقط على خلفية تقليص الولايات المتحدة لاعتمادها على النفط والغاز الخليجي، ولكن أيضاً لأنّ تعبيد وتعزيز العلاقات مع الصين خطوة منطقية وعاجلة لدول الخليج. خاصة أنّ المنطقة تلبي ٤٠٪ من احتياجات الصين من الطاقة.
لذلك فالتحرّك نحو اتفاقية تجارة حرة لتكملة وتعزيز الحجم الكبير بالفعل للتجارة الثنائية، والاعتماد المتبادل، أمر منطقي. ضمن هذا السياق، يقابل شهيّة دول الخليج المتزايدة للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع بكين، حقيقة أنّ الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة بالفعل من حيث حصتها العالمية من اتفاقيات التجارة الحرة.
بلا حول ولا قوّة
يمكننا أن نقول باقتناع: بأنّ تراجع الولايات المتحدة وسياسات إداراتها التي بدأت عند «أمريكا أولاً»، والتي أدّت إلى انسحاب الولايات المتحدة من الساحة التجارية الدولية، واستمرّت مع بايدن الذي يركز على إنعاش الاقتصاد الأمريكي المحلي دون الكثير من الاهتمام بالجانب التجاري الدولي، لها يدٌ في ترك الدول في حاجة ماسة للتعاون مع الصين.
بالنظر إلى التقارب المتزايد بين بكين ودول الخليج، لا يبدو أنّ لدى الولايات المتحدة الكثير لتفعله لعرقلة هذا المسار المتنامي نحو اتفاقية تجارة حرة، أو تعريضها للخطر ودفع الخليج للتراجع عنها.
في الوقت الذي كانت فيه واشنطن ومؤسساتها المالية العالمية التي تتحكّم فيها- البنك الدولي وصندوق النقد الدولي- حريصة على إظهار مبادرة الحزام والطريق التي تبلغ قيمتها ترليون دولار، بوصفها فخّ ديون للبلدان المشاركة، لم تؤثّر هذه الحجّة كثيراً في دول الخليج العربي. أحد الأسباب الواقعية لذلك هو: أنّ دول الخليج في وضع مالي أقوى بكثير من الدول التي شاركت في الحزام والطريق في آسيا وإفريقيا، ما يعني أنّها لن تحتاج إلى اقتراض المال من الصين لدعم مشاريعها المحلية، وهي بحاجة إلى شريك تجاري واستثماري فقط.
بينما اعتمدت دول الخليج تاريخياً على الولايات المتحدة للحماية، وبشكل خاص من إيران، فحقيقة أنّ إيران نفسها مندمجة مع بكين تعني أنّ دول الخليج يمكنها الاعتماد بأمان على بكين دون الخوف من انسحاب بكين من شراكتها التجارية معهم، مثلما فعلت الولايات المتحدة. يتزامن هذا مع اتخاذ بكين للقرار بأنّ الوقت حان للعب دور جيوسياسي مباشر في الشرق الأوسط، الأمر الذي يبينه نشاطها السياسي الأخير، وما يعنيه ذلك من تغيير في مسرح الأحداث.
بالتالي، تفاعل الدول الخليجية بشكل صحي مع بكين هو أمر حاسم لحفظ مصالحها، خاصة وأنّ بكين قد تكون هي الثقل الموازن الجديد في المنطقة، سواء من الناحية الجيو- اقتصادية، أو الجيو- سياسية.
بتصرّف عن:
On the China-GCC Free Trade Agreement
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1057