قنبلة الكريبتو الموقوتة
التنبؤات الكبيرة بخصوص الكوارث الاجتماعية والسياسية التي تلوح في الأفق هي أمر مشبوه، فمعظم الأشياء المثيرة في التاريخ لم تحدث بشكل متوقع. لكن في أمريكا عام ٢٠٢٢، لدينا حرب ثقافية شرسة ومتصاعدة، جنباً إلى جنب مع فقاعة أسعار أصول هائلة تغذيها سنتان من أموال التحفيز، وكلّها تلقي بثقلها على اقتصاد حقيقي هش بشكل لا يُصدق. إن كنتم تعتقدون أنّنا مررنا بالأسوأ، فعليكم الانتظار حتّى تتفجر فقاعة الكريبتو.
دعونا نفكّر بالأمر للحظة: الأساس في كلّ ما يحدث هي السياسات العدمية للرأسمالية المتأخرة التي تغذيها الحروب، والتي تهرب بشكل دائم من العقلانية مدفوعة بنصف قرن من اللامساواة المتزايدة والإيمان المتداعي بفعالية المؤسسات العامة. الحلم الأمريكي مات: لم يعد الأطفال يؤدون أفضل من أهلهم، وانتهى حلم الأسرة التي يمكن أن يعيلها دخلٌ واحد. حلّ مكان ذلك اقتصاد الوظائف المؤقتة، والنقابات الميتة، والطلاب المسحوقين بالديون، والهشاشة المعممة.
اختار الأغنياء بشكل لا يمكن تصوره أن يذكوا نار الحرب الثقافية بدلاً من إعادة توزيع الثروة. ومن المفارقات، أنّ المؤسسات التي كان من شأنها أن تمنع سياسات الحرب الثقافية هي ذاتها التي تتلاشى. أدّت التغييرات التكنولوجية وتفتيت وسائل الإعلام السائدة إلى تكثيف انقسامنا إلى معسكرات سياسية متحاربة، وقبائل تفصل بينها الهوية، وتزيد في التطرف الموجود في السياسة الأمريكية.
إذاً هذه التربة الأمريكية التي تنبت الأزمات. في ربيع عام ٢٠٢٠ كان الوباء، وانهار الاقتصاد لفترة وجيزة، وسادت حالة من الذعر، وبعد ذلك كان هناك الكثير من أموال التحفيز الحكومية التي نجحت في درء خطر كساد كبير آخر. كان ذلك جيداً، لكن من تأثيراته أنّه ترك في أمريكا أموالاً أكثر بكثير ممّا كانت عليه الحال قبل الوباء. وجدت هذه الأموال طريقها إلى جميع أنواع الأصول: الأسهم والعقارات، اختر ما شئت.
لدينا فقاعة هائلة الحجم، من نوع الفقاعات التي تدفع الناس للبحث عن الخلاص في أيّ مكان. ارتفعت أسهم وعادت للانخفاض، وتحوّلت مزحات، مثل: GameStop إلى تماثيل صلبة، وبدأت المخططات والمؤشرات بالتأرجح كإيضاحات صارخة لحقيقة أنّه من المستحيل أن تحلّ مخططات «الضخ والتفريغ» محلّ شبكة أمان اجتماعي.
والأهمّ من ذلك، هو ظهور العملات الرقميّة المشفرة: الكريبتو. تساوي الكريبتو اليوم قيمتها تريليونات الدولارات. لا تستند هذه القيمة إلى أيّة منفعة أساسية مرتبطة بها أو تقدمها الكريبتو، بل إلى فكرة أنّ هناك على الدوام شخصاً ما سيأتي ويدفع لك أكثر ممّا تنفقه على عملتك المشفرة. سينتهي هذا بشكل سيئ.
مضاربة وليست عملة
يُطلق عليها اسم «العملات» المشفرة، لكنّها وضوحاً ليست عملات. تتقلّب قيمتها كثيراً لدرجة تجعلها غير صالحة للتبادل. إذاً ما هي؟ إنّها مقتنيات، أشياء مضاربة نقيّة ذات قيمة أساسية صفرية. حتّى ضمن مفهوم الأمْولة= قيمتها أدنى من غيرها. إذا اشتريت سهماً، فأنت تمتلك جزءاً من نشاط تجاري. إذا اشتريت منزلاً، حتّى لو انخفض السعر، فلا يزال لديك منزل حتّى لو انخفض سعره. لكن إن اشتريت بيتكوين، فأنت لا تملك شيئاً سوى جزء من رمز حاسوبي لا يمكنك استخدامه في أيّ شيء على الإطلاق، باستثناء تحفيز شخصٍ آخر ليدفع لك مقابله.
وفي فترات الجنون، كالتي نعيشها اليوم، يميل سعر هذه الأصول الخيالية إلى الارتفاع، لأنّ الجماعة تتشارك شعوراً بأنّ الأسعار سترتفع. عندما يتغيّر هذا الشعور، سواء بسبب الخوف أو وقوع حدث ما يتسبب بحاجة حاملي العملات المشفرة لصرف النقود، سينخفض السعر. أثبتت هذه الديناميكية الأساسية أكثر من مليار مرة في التاريخ المالي، وكان ذلك يحدث لأصول لها قيمة أساسية أعلى بكثير من التي لدى الكريبتو.
الكريبتو، مثلها في ذلك مثل الأسهم السحرية، هي بديل تافه للحلم الأمريكي. إنّها البديل لنظام ضرائب على الثروات الكبيرة، ولمؤسسات الرعاية الصحية العامة، وبناء شبكة أمان اجتماعي، وإصلاح مسألة تمويل الحملات الانتخابية. إنّها تشجيع القلّة من أصحاب الثروات الفاحشة ومكافأتهم.
بدل الاشتراكية، هناك عملات مشفرة. يشتري الناس العملات المشفرة لأنّهم يعتقدون بأنّها الطريقة للثراء السريع. الكريبتو هي تذكرة يا نصيب حديثة. لكن في حين أنّ تذاكر اليانصيب لا تكلفك سوى القليل في كلّ مرّة، فالعملات المشفرة ستتضخم وتصطدم بالحضيض بطريقة أكثر تدميراً. ربما تكون المفارقة الأكثر مرارة هي أنّه في الوقت الذي ينكبّ الناس العاديون على العملات المشفرة ظناً بأنّها أرض الأحلام، والفرص المثالية للصغار ليكسبوا المال، فالواقع، إنّها سلسلة إجرامية من المستثمرين الأغنياء، مثلها في ذلك مثل بقية الأشياء في الولايات المتحدة.
الكريبتو وقود للفاشيّة
الكريبتو مجموعة من الرموز الماليّة، وانهيار الكريبتو حتمي، وإليكم ما سيحدث عندما يتحطم مئات آلاف المستثمرين الشباب بسبب انهيار الكريبتو. سيصبحون متطرفين. لن يتمّ اختبار الأمر بوصفه مجرّد انخفاض في السعر، لأنّ الكريبتو يمثّل أكثر بكثير من مجرّد استثمار لأشدّ أتباعه حماسة- فهي تمثّل طريقة للخروج من الفخّ الأمريكي. إنّه يمثّل فرصة، وإمكانية للانتقال الاقتصادي، وتحقيق فكرة أنّه بإمكانك كشخص منتظم يعمل بجد أن تنتقل لأعلى السلم. هؤلاء الذين سيصبحون محبطين، من المرجّح أن يجدوا في الفاشيّة عزاءهم.
يمكن لمن يحبّ تسلية نفسه بالتخيّل أن يرى بأنّ انفجار مثل هذه الفقاعة قد يهدد الأسس التي تقوم عليها الولايات المتحدة نفسها. الذين يشترون العملات المشفرة هم حشد من الذين خابت آمالهم من قبل، والذين خذلتهم المؤسسات الأمريكية، وانغمسوا في الحروب الثقافية بحيث أصبحوا مصدر إدامتها. عندما يخسر هؤلاء ما بقي لديهم، لن يكونوا في مزاج يسمح لهم بالانضمام إلى الطبقة العاملة المنظمة في الغالب، بل ناحية اليمين الذي يوهمهم بأنّه قادر على تفريغ غضبهم وكراهيتهم للنخب الأمريكية.
لا يمكن لأحد أن يتنبأ بتفاصيل السقوط، لكن يمكن لمن يتعلّم من تاريخ الفقاعات الرأسمالية المتكررة أن يعلم أنّ الكريبتو فقاعة كبيرة. وكما تفعل الرأسمالية في الفقاعات: تقضي على الموارد المالية لأطنان من الأشخاص الصغار الذين لم يكن بإمكانهم تحمّل هلاكهم دون محاولة، وتترك الأثرياء دون مسّ، وكلّ ذلك لأنّهم كانوا قادرين على إقناع الناس العاديين بأنّ هذه المرّة مختلفة.
الوهم القائل بأنّ الخلاص من الرأسمالية ممكن بالهرب ناحية رأسمالية جديدة أكثر ذكاء، هو أمر مغرٍ بشكل لا يصدّق، وخاطئ على الدوام. ولا يبدو أنّ لدينا سوى الأمل بألّا يُدمر الأمريكيين بشكل كلي.
بتصرّف عن: The Ticking Bomb of Crypto Fascism
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1058