د. قدري جميل: الفساد قضية اقتصادية لكن حلها سياسي بالدرجة الأولى! هناك ثنائية وهمية: إما قطاع عام فاسد أو ليبرالية فوضوية

أجرت الصحفية راما نجمة لقاء مع د. قدري جميل لمجلة المجتمع الاقتصادي  وسألته عن جملة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وإليكم النص الكامل للحوار:

هو القائل بأن «مشكلة الماركسيين إلى اليوم أن بعضهم وهم الجامدون يعتبرون أن كل الماركسية ثابت بينما العدميون يعتبرون كل الماركسية متغيرة» الدكتور قدري جميل الماركسي العنيد، يحاول ألايكون ثابتاً ولا متغيراً، يتكلم من منطلق النسبي والمطلق، لكن ذلك لا يمنعه من التعصب لأدوات التحليل الاقتصادي الماركسي ونهجه، وبالتالي نتائجه، يقوده الثابت المطلق إلى رفض هيمنة قوى السوق و«تكفيرهم» ويقوده النسبي المتغير إلى المطالبة بشكل جديد للنظام الاقتصادي السوري...

هل يذهب عكس التيار... ليس كثيراً فهو من القائلين باقتصاد السوق الاجتماعي أيضاً، لكن تطابق المصطلحات لا يعني نفس المعاني بالضرورة، فهو ضد الفريق الاقتصادي الذي يستخدم نفس الاصطلاح، مثلما هو ضد الخطة الخمسية العاشرة بأوراقها الألف جملة وتفصيلاً ... ويبقى معه هو بالذات استحالة الفصل بين السياسة والاقتصاد والاجتماع.

■ نجد اليوم الجميع «خبراء اقتصاديون وأحزاب سياسية» وباختلاف ايديولوجياتهم ومشاربهم متفقون على أن خيار سورية الاقتصادي هو «اقتصاد السوق الاجتماعي» والجميع يستخدم نفس المصطلح.. ماسر هذا الاتفاق؟ أو بالأحرى هل يتكلمون جميعهم عن نفس الشيء؟

ربما أستطيع القول أن الكل يظهر أنه متفق، لا أكثر، أما في الحقيقة فلا يوجد محتوى فعلي لمصطلح ومفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، هذا المصطلح يمكن اعتباره حتى هذه اللحظة وعاء فارغ، كل قوة اجتماعية تسعى لتعبئته بمفاهيمها ومواقفها وحسب رؤيتها وحسب مصالحها الاجتماعية، فقوى السوق الكبرى تريد من مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي أن يكون درجة في التحول نحو اقتصاد السوق الحر كما يصرحون هم علناً، وقوى الشغيلة أو ذوي الأجر المحدود، تراه تقليم أظافر لاقتصاد السوق الحر،وهو أقل الشرين .

بمعنى أن اقتصاد السوق الاجتماعي يقطع الطريق أمام اقتصاد السوق الحر بمعناه الفوضوي، فإذا كان لابد من اقتصاد السوق فليكن محدوداً ومضبوطاً، لذلك يجري صراع شديد حول مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ولم يحسم حتى هذه اللحظة.

■ إذاً لننتقل للجانب الرسمي بالنسبة للدولة التي أقرت هذا النظام كنهج اقتصادي لسورية، وثبتته بشكل نهائي في مؤتمر البعث السنة الماضية، ما الذي يعني "اقتصاد السوق الاجتماعي" بصيغته الحكومية؟

أعتقد أنها حاولت التوفيق بين كل المواقف والآراء، وهذا التوفيق بنهاية المطاف هو مؤقت، لأنه في النهاية، ستكون الغلبة لأحد المواقف، إما باتجاه الناس ومصالحهم وإما باتجاه قوى السوق الكبرى ومصالحها، هذا الصراع في سورية لم يحسم بشكله النهائي بعد.

■ ألا تعتقد أن الخطة الخمسية العاشرة التي أقرّت مؤخراً ستحسم هذا الصراع، خاصة أنها تقدم نفسها كخطة تخوض وتنظم المرحلة الانتقالية التي ستحول النظام الاقتصادي في سورية إلى نظام اقتصاد السوق الاجتماعي؟

هذه الخطة لن تؤدي لأي اقتصاد من أي نوع، لأن كل أهدافها افتراضية، والأهداف الافتراضية تعني أنها مبنية من تقديرات افتراضية أيضاً وليست حقيقية، وبالتالي يمكن أن نقول أنه لا يوجد خطة أصلاً، مثلاً، الخطة تضع هدف 7% نمو، ولن أقول أن هذا النمو لم تبرره، بل لم تجد موارده التي بقيت افتراضية، وإذا أردنا أن نتكلم عن الموارد التي أمنتها الخطة حتى هذه اللحظة فهي لاتؤدي إلا إلى 3% نمو، وفي الواقع إذا استمر ماهو قائم بشكل عفوي ودون خطة فسنحصل على 3% نمو، لذلك أرى أن الخطة لاتعبر عن موقف تخطيطي للوصول إلى هدف ضمن اجندة زمنية محددة، هنا لاهدف موجود فعلياً يمكن تحقيقه، ولا أجندة زمنية لحل القضايا الاجتماعية موجودة فعلياً في هذه الخطة.

■ لكن الخطة تضع القضايا الاجتماعية على أجندتها، بمعنى أنها تعد بحلول لمشكلة البطالة مثلاً، بل أن الخطة وصفت وتحت قبة مجلس الشعب أنها خطة تنموية اجتماعية ترتبط بالحياة اليومية للمواطن...

هناك قضيتان اجتماعيتان أساسيتان: البطالة والفقر، لنبحث ماهي أهداف الخطة الحقيقية في التعامل مع هاتين المشكلتين الكبيرتين، في مشكلة البطالة الخطة تقترح تخفيض معدل البطالة إلى 6% مع أن هذا التخفيض يتطلب موارد غير موجودة في الخطة نفسها، هذا الرقم غير مبرر وليس مدعوماً بموارد تحققه، أما في مشكلة الفقر، ففي الخطة التباس بموضوع الفقر، لأن المؤشر الذي اعتمدت عليه الخطة هو خط الفقر المدقع او الأدنى (الدولار) الذي يعيش تحته 11% من السكان وخط الفقر الأعلى الذي يعيش تحته 30% من السكان.

المؤشر هذا بحتاج إلى نقاش لأنه يحاول ان يقارب المعايير العالمية للفقر فقط، الدولار بالنسبة لبنغلادش هو خط فقر مدقع لكن في سورية وبالنسبة لتطورها التاريخي والحضاري ومستوى تطور القوى المنتجة فيها هو أكثر من ذلك، بحساب آخر يعتمد مؤشرات مؤتمر الابداع والاعتماد على الذات عام 1983 (هذه المؤشرات تعتمد ما يسمى بسلة الاستهلاك) يكون الخط الادنى لمعيشة أسرة سورية متوسطة الحجم (5,6 فرد) هو 18 ألف ليرة وهو رقم متفق عليه بين الاخصائيين، وبهذا يكون 70% من الشعب تحت خط الفقر، أرقام الخطة إسمها لعبة الفواخيري أي يضعون أذن الجرة في المكان الذي يناسبهم.

■ من هذه الزاوية وضمن الارتفاع الأخير بالأسعار، هل يعني هذا أن نسبة الفقر التي نتكلم عنها ارتفعت وأن خط الفقر  تغير أيضاً، كيف يمكن معرفة هذه التغيرات الآنية وبناء الخطط عليها؟

كل دول العالم لديها ما يعرف بسلة استهلاك وعلى أساسها تقاس الأسعار وتطورها، في فرنسا هناك سلة استهلاك حسب الوزن النوعي لكل مادة وبالتالي تغير سعر أي سلعة ينعكس على السلة ككل، فحتى في النظام الذي يتبع اقتصاد السوق، يعتبر ارتفاع الأسعار وسلة الأسعار بارومتر ضرورياً لمعرفة القدرة الشرائية للسوق كي لا تتوقف عملية الانتاج، لأنه عندما تنخفض القدرة الشرائية ينخفض الطلب على الإنتاج، من الممكن لرأسمالي فرد أن يسعى لرفع الأسعار لكن بالنسبة للكل أي للنظام الرأسمالي فهو يسعى أن لا تنخفض القدرة الشرائية للفرد، لذلك الدولة يكون دورها هناك كشرطي سير لأصحاب العمل، تنبههم عند رفع الأسعار انهم ينشرون الغصن الذي يجلسون عليه جميعاً.

لذا عندما ترتفع الأسعار يتم رفع الأجور كي لا تنكسر الحلقة الانتاجية، لدينا لا يوجد مؤشر استهلاك. والسؤال لماذا؟

كي لا يصبح هناك طريقة لقياس انخفاض الأجور وتعويضها، موضوعياً عدم وجود مؤشر يؤدي إلى عدم القدرة على قياس الانخفاض الحقيقي للأجر مقابل انخفاض الأسعار، وبالتالي عدم القدرة على تقدير تعويضه.

■ قال رئيس مجلس الوزراء أنه خلال خمس السنوات القادمة سترفع الأجور 100% هل سيملأ هذا الفجوة بين الأسعار والأجور؟

هذا الكلام برأيي لا معنى له، لأنه في سورية لدينا أجران: الأجر الفعلي والأجر الأسمي ،هذا الأخير من الممكن أن يرتفع 100% ولكن الأجر الفعلي يمكن أن ينخفض... ففي سورية لدينا 10% تضخم سنوي تقريباً، وكلاسيكياً إذا تركنا الأمور كما هي لدينا 50% تضخم في خمس السنين القادمة، بالتالي رفع الأجور إسمياً 100% يعني رفعها فعلياً 50% فقط.

الوضع يتطلب اليوم رفع الأجور 200% وهذا يعني تصفير العلاقة بين الحد الأدنى لمستوى المعيشة والحد الأدنى للأجور.

■ لكن رفع الأجور تقليدياً يؤدي إلى رفع الأسعار كما أن رفع الأجور الفجائي قد يحدث تشويه في العلاقات الاقتصادية، والدولة لا تملك عملياً موارد لرفع الأجور فمن أين ستأتي بهذه الكتلة النقدية الضخمة لترفع الأجور؟

هذه النظرية الخاطئة التي تقول أن الدولة تؤمن موارد رفع الأجور من خلال رفع الأسعار، أي من موارد تضخمية وبالتالي رفع الأجر يحدث مع رفع السعر، وبالتالي فإن الخاسر يكون عملياً صاحب الأجر، والرابح من رفع الأجور في هذه الحالة يكون صاحب السعر.

في الحقيقة إذا أردنا رفع الأجر من مصدر حقيقي، فيجب أن يكون على حساب الربح، هناك خلل بنيوي في العلاقة بين الربح والأجر في سورية/ فحجم الأجور 17% من الدخل الوطني وحجم الأرباح 83% من الدخل الوطني، وهذه معادلة سيئة بكل المقاييس ففي بلد الرأسمالية الأول امريكا الدخل الوطني يتوزع 60% اجور و40%، أنا هنا لا أطرح شيئاً اشتراكياً، بل شيئاً رأسمالياً عقلانياً، لذلك رفع الأجور يجب أن يجري بشكل حقيقي وعلى حساب الأرباح تحديداً، مع ملاحظة أن جزءاً كبيراً من الأرباح يذهب فاقداً باتجاه الفساد، الذي يشكل 30% من الدخل الوطني، فإذا ألغينا الفساد فهذا يعني أن جزءاً من الأرباح سيعاد توزيعه بين الأجر وبين التراكم لإعادة الإنتاج بالمراحل التالية، حجم االفساد كبير لدرجة أن التطور كله بكل إحداثياته الاقتصادية والاجتماعية لم يعد ممكناً دون إعادة مخرجات الفساد إلى الدورة الاقتصادية، وهذا واقع يجب الاعتراف به، مشكلة الخطة الخمسية العاشرة أنها تجاهلت الفساد.

علماً أن مخرجات الفساد السنوية تُقدر بـ 300 مليار ليرة أي 30% من الدخل الوطني، وبالتالي لم يعد من الممكن أن يتأمن أي مدخلات للعملية الإنتاجية، ولم تقدم الخطة سوى 100 مليار ليرة للصناعة التحويلية التي هي حامل النمو الأساسي، ببساطة الخطة تتكلم عن كل شيء ما عدا مخرجات الفساد، وبالتالي فهذا يزيد من افتراضية الخطة ومن أهدافها التي تبقى سراباً...

■ حسب الخطة فإن الموارد التي تخصصها الحكومة هي أقل بكثير من الموارد المنتظرة من القطاع الخاص وتحديداً من الاستثمارات التي تتوقع الخطة اجتذابها، أي أن عبء تنفيذ الخطة فعلياً وتنفيذ نسبة النمو هي رهن للسوق وحركته؟ أليس هذا من خواص النظام الذي نريد الأنتقال إليه؟

كيف سينفذ القطاع الخاص ماهو مطلوب منه وماهو مفترض منه، لنعود إلى كل إحداثيات الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لن نجد شيئاً يمكن أن ينبئ أن القطاع الخاص سيضع موارده في قطاعات انتاجية، الوضع السياسي مازال غير مستقر بالمنطقة وبالتالي اطمئنان القطاع الخاص لتوظيف رساميله في قطاعات تعمل باستقرار قليل، الظرف الاجتماعي ليس جذاباً بالنسبة للقطاع الخاص، بمعنى أن الأجور منخفضة والتي هي دليل إنتاجية منخفضة، الخطأ الشائع الذي يجري الدعاية له أن الأجور المنخفضة تجلب استثمارات كبيرة، وهذا غير صحيح لأن صاحب الاستثمار يذهب للأماكن التي فيها أجور مرتفعة لأكثر من سبب، فالأجور المرتفعة تعني طلباً عالياً على السلع المنتجة وتعني استقراراً اجتماعياً أي لا يوجد إنقطاع بالعملية الانتاجية، وتعني استقراراً سياسياً، كما أن الأجور العالية تغربل الكفاءات وتؤمن القدرة على المحاسبة وبالتالي ترفع إنتاجية العمل التي بدورها تجذب الرساميل. وبالتالي فـ 90% من الاستثمارات في العالم تذهب إلى حيث الأجور مرتفعة 10% تذهب إلى حيث هناك أجور منخفضة وهذه 10% لا تكفي من شر الجوع بالنسبة للعالم الثالث الذي تأتيه هذه الاستثمارات.

اليوم جاء الرأسمال الخليجي، ليشتري أراضي وعقارات، هذا الرأسمال الذي أتى مؤخراً هو مال بطبيعته الجينية ريعي، لأنه نتاج أموال نفط، غير متعلم على العمل الانتاجي، ليس لديه هكذا تقاليد، وليس لديه القدرة على إدارة عمل إنتاجي، وبالتالي ومع وجود فائض نقدي كبير نتيجة ارتفاع سعر النفط، فمن المتوقع أن تأتي أموال نفطية لكنها تأتي لقطاعات غير إنتاجية بل ريعية بالدرجة الأولى والقطاعات الريعية المتوفرة في سورية هي الأراضي والعقارات وهذا ما حدث وترك بعض قصيري النظر يفرحون بتدفق الرساميل، لكنها مشكلة كبيرة ستظهر لاحقاً، فالكتلة النقدية الموجودة الآن في السوق أكبر من الكتلة السلعية وهي ستتحول لعامل ضاغط على الليرة السورية ستظهر آثارها التضخمية لاحقاً وظهرت الآن بأسعار العقارات التي التهبتاً التهاب لم يشهد له تاريخ سورية مثيلاً.

■ تكلمت عن الفساد، هل ترى أن الدولة تمتلك أدوات لوقف هذا الفساد؟! فالمسألة ليست اقتصادية بحتة؟

الفساد قضية اقتصادية لكن حلها ليس اقتصادياً، حلها هو حل سياسي، فالمجتمع متضرر من الفساد وأكثرية المجتمع تعيش ذلك لكنها لا تستطيع حل هذا الموضوع لأن القرار السياسي هو الذي يحله... أنا أعتقد أنه حتى اليوم الأمراض الاقتصادية الاجتماعية التي نعاني منها هي أمراض وظيفية استمرارها سيجعلها مزمنة وعضوية وبحال لم يجرِ اقلاع الاصلاح الحقيقي الشامل والجذري خلال سنة أو اثنتين على أبعد تقدير لا يعود من الممكن أن يحدث اصلاح بعد ذلك لسببين أو لنتيجتين فإما أن قوى الفساد ستمنع الاصلاح حينها أو لم يعد يفيد الاصلاح.

■ إذا كانت هناك كل هذه النقاط تسجل على الخطة العاشرة، فكيف مرت في مجلس الشعب وتمت الموافقة عليها دون أي تعديل؟

أنا لا أحسد أعضاء مجلس الشعب فقد وضعت أمامهم أرقام كثيرة دون بدائل وضمن فترة زمنية قصيرة، وبالتالي لم يجرِ نقاش معمق في مجلس الشعب للخطة، رغم ظهور بعض الاصوات، لأنه في المجتمع بالأصل لم يجرِ نقاش معمق فيها... حاول واضعو الخطة أن يوحوا بأنه شارك في نقاشها كذا ألف شخص، لكن الذين ناقشوها فعلوا ذلك داخل غرف مغلقة ولم ينشر ذلك على نطاق واسع، ومع الأسف النقاش الانتقادي للخطة يجري الآن بعد إقراراها ولم يجر فعلياً قبل إقرارها لأنها لم توضع على الطاولة أمام المجتمع.

■ كنت أحد المشاركين في تلك النقاشات في الغرف المغلقة، إلى أين أدى النقاش؟

أثر قليلاً وخصوصاً في وضع النمو كهدف، فهي الخطة الأولى بالمقارنة مع ما سبقها كخطط تضع النمو كهدف، بغض النظر ان الرقم صحيح أم خاطئ وبغض النظر مؤسس له أم لا ... لكن قبل ذلك لم يكن النمو هدفاً بل يوضع بشكل تقديري أما أن يوضع كرقم وكهدف فهي المرة الأولى وأعتبرها خطوة إيجابية أما الباقي فكله خطأ، نسبة النمو ظهر انها خطأ والموارد خطأ وكله خطأ.

■ هل تعتقد أن الوصول لنسبة نمو 7% مستحيل؟

على العكس تماماً، الممكن في سورية هو أكبر بكثير من الرقم الذي وضعته الخطة، إذا قضينا على الفساد يمكن ان يكون الرقم 12%  نمو سنوي.

■ أنت متشائم فيما يخص الخطة الخمسية العاشرة وبنفس الوقت متفائل بإمكانية  القضاء على الفساد؟

يجب القضاء على الفساد لأننا إن لم نقض عليه لدينا ثلاث مشاكل: النمو مستحيل بالمعنى الاقتصادي وحل المشكلتين الاجتماعيتين الكبيرتين (الفقر والبطالة) مستحيل بل على العكس ستتعمق هاتان المشكلتان ويتحول لقنبلة موقوتة لتفجير المجتمع، والفساد كما أثبتت التجربة في الأشهر الأخيرة هو مراكز الاختراق الأساسية للعدو الخارجي لذلك لا حل سوى القضاء على الفساد ولا يجب ان يكون السؤال هل يمكن القضاء على الفساد بل القضية (يجب).

■ لنعود للخطة فالخطة أقرت وهي التي ترسم الطريق الآن سواء أعجبتكم أم لا، وأنت تقول أن هذه الخطة افتراضية وتقول بذات الوقت يجب أن يقلع الاصلاح خلال سنة أو اثنتين وتقول أن الاصلاح لا تحققه الخطة لأنها بعيدة عنه فإذاً إلى أين نحن ذاهبون؟؟؟

الخطة لن تؤدي لشيء، يمكن أن نتعامل معها كأمر واقع لكن مشكلتها أنها لن تقدم شيئاً وبالتالي لا يوجد أمر واقع..هي كآلية بالتعامل مع الاقتصاد الوطني لن تغير شيئاً من الاتجاهات الجارية حتى هذه اللحظة وهذه الاتجاهات تتميز بزيادة تمركز الرساميل والمتأتية عن الأعمال الطفيلية غير الانتاجية، ومن جهة أخرى ازدياد وتمركز الفقر والخطة إن سارت بالشكل التي وضعت عليه لن تستطيع أن تتخطى هذا الموضوع بل سوف تعمق الخلل، المستفيد هم قوى السوق الكبرى التقليدية وحديثة النعمة، والمشكلة أن نفوذهم الاقتصادي في السوق كبير ونفوذهم في أجهزة الدولة كبير والقوى النظيفة التي في الدولة لا تتجرأ على مواجهتهم لأنها غير قادرة على إقامة تلك الفتحة الضرورية على المجتمع كي تستند عليها في مواجهة هؤلاء، لذلك نحتاج لإعادة اصطفاف سياسي اجتماعي واقتصادي.

■ أنت تنفي الخطة الخمسية العاشرة جملة وتفصيلاً، هل تتحدث من واقع خلفيتك الماركسية، وكمقاومة طبيعية للفكر الاشتراكي في الانتقال لاقتصاد السوق؟

اسمحوا لي أن أقول أن هناك لعبة مصطلحات تتم ممارستها، فهل الاشتراكية ليست اقتصاد سوق؟ اقتصاد السوق هو التحكم بالعرض والطلب، وإلى الآن يعرف تاريخ البشرية 4 أنواع من اقتصاد السوق، العفوي أي المنافسة الحرة والاحتكاري أي التحكم بالسعر لصالح الاحتكارات والاشتراكي أي  التحكم بالسعر لصالح المجتمع واقتصاد السوق المشوه في بلداننا أي أعلن النوع الثالث (الاشتراكي) وطبق النوع الثاني لصالح تحقيق ربح "براني" أما أنا فأدعو لاقتصاد سوق خامس تنموي عقلاني منفتح على المجتمع، المشكلة ليست كما يضعها البعض بالثنائية الوهمية التي أعتقدها واهية: إما قطاع عام فاسد أو ليبرالية فوضوية؟ ألا يوجد حل ثالث سوري ينطلق من خصوصيتنا؟ أعتقد نعم موجود ويجب أن نبحث عنه وهو ينطلق من البحث عن دور جديد للدولة، بعيد عن الدور السابق الذي استنفذ نفسه وولد منه فساد، وبعيد عن ذلك اللادور الذي تدعو إليه القوى الليبرالية، لذلك علينا أن نبحث عن خيارنا في الظروف الحالية، الخيار الذي يسمح بإيجاد الأرضية والاقتصاد الضروري بتخديم المواجهة والمقاومة، ليس بالمعنى العسكري فقط، بل بالمعنى الشامل الثقافي الاقتصادي والفكري الاجتماعي .

■ هل المطلوب أن نخترع نمط جديد ... هل هذا عقلاني؟

كل بلد لديه خصوصيته ونحن نحتاج ما هو مناسب لظروفنا، وكل العالم الثالث يشق طريقه في البحث عن شكل من اقتصاد السوق يؤمن العدالة الاجتماعية والنمو وهو ليس الرأسمالية الوحشية وليس الاشتراكية بمعناها السابق... العالم كله يبحث عن نمط جديد والأفكار تنتج من الواقع وليست اختراعاً جديداً ينزل من السماء.