ضخامة التصريحات لا تستر هشاشة الاقتصاد

بدأت تظهر في الآونة الأخيرة سلسلة من الخطابات الإعلامية المسموعة والمكتوبة التي تروج بأن الاقتصاد السوري اقتصاد متين وعصي على الأزمات وبأنه اقتصاد جاذب للاستثمارات وتتوفر فيه مقومات المناخ الاستثماري الأمثل، كما أنه اقتصاد واعد..

إن تلك التصريحات لم تتناول ولم تتعامل مع المعلومات والحقائق الاقتصادية بشفافية وصدق، وعتمت على معلومات هامة أخرى ولم تقدم للقارئ والسامع سوى معلومات مشوهة ومنتقصة عما يعانيه الاقتصاد السوري من ترد، وبالتالي نجد أنفسنا مضطرين لتقديم جزء من تلك المعلومات ومن المصادر نفسها التي تتحدث أو تكتب منها الشخصيات الاقتصادية والإعلامية التي تروج لصحة ونقاء الاقتصاد السوري ونبدأ بتقرير لخبراء صندوق النقد الدولي متعلق بالوضع الاقتصادي السوري حيث توقع فيه أن تكون نهاية إنتاج النفط قريبة جداً، وحدد التقرير عام 2010 عام لنضوب الموارد المالية والإيرادات المتحصلة من بيع النفط لتصبح قيمتها مساوية للصفر.

وطبقا للتقرير المقدم من الصندوق للحكومة السورية فإن سورية ستواجه على المدى المتوسط تحديا كبيرا في أوضاع المالية العامة، وميزان المدفوعات، بسبب انخفاض إنتاج النفط وتناقص الاحتياطيات النفطية، وما لم يتم العثور على احتياطيات جديدة يرجح التقرير أن تصبح سوريا مستوردا صافيا للنفط في غضون سنوات قلائل وأن تستنفذ احتياطياتها النفطية في أواخر عشرينيات القرن الحالي، ومن شأن ذلك أن يخفض الإيرادات النفطية الحكومية إلى 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2010، ويخفض عائدات القطع الأجنبي الصافية المتأتية من النفط في ذلك العام إلى الصفر.

وذكر التقرير أن موازنة الدولة بدأت تتأثر بانخفاض عائدات النفط، فقد زاد عجز الموازنة من 2.75% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام 2003 إلى 5% في عام 2004 بسبب انخفاض الإيرادات النفطية. وبالنسبة لمستويات الإنتاج النفطي توقع التقرير انخفاض مستويات الإنتاج لتصل إلى 394 ألف برميل باليوم في عام 2006 بعدما كانت 414 ألف برميل باليوم في عام 2005.

الأمر الذي يخفض حجم صادرات سوريا النفطية من 211 ألف برميل يوميا في العام المنصرم إلى 183 ألف برميل في العام الحالي، وهذا ما سنعكس سلباً على معدلات النمو الاقتصادي وعلى الوضع المالي للدولة بشكل عام. وفي الوقت نفسه كشفت دراسة اقتصادية أعدها الاقتصادي منذر خدام عن "تراجع شديد في أداء الاقتصاد السوري خلال عامي 1997 – 2004"، وبينت الدراسة المعدة خصيصاً لمشروع سورية 2025 الاستشرافي والمعنونة بـ"الاستثمار والمناخ الاستثماري في سورية"، عن تراجع شديد في مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي من 20.7% بين عامي 1990-1996 إلى -27% بين عامي 1997-2004، وعن تراجع مساهمة الزراعة من 8% إلى 4.5% ، وقطاع الماء والكهرباء من 11% إلى -7.5%، وقطاع البناء والتشييد من 9.4% إلى 1.4% خلال الفترة نفسها.

وأوضحت الدراسة أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها السلطات السورية خلال التسعينات من القرن الماضي قد ساهمت في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية في سورية، ودفعت عجلة الاقتصاد للدوران من جديد، إلا أن ثمن ذلك كان باهظاً لجهة انتعاش الأسواق السوداء، وتفشي ظاهرة الفساد، وتتابع الدراسة إن التركة التي ورثها العهد الجديد بعد عام 2000 كانت ثقيلة جداً على الصعيد الاقتصادي وأصبح من المستحيل استمرار النهج الاقتصادي السابق، لذلك وجدت السلطة السورية نفسها –حسب الدراسة- محكومة بتبني نهج اقتصادي جديد، ومن العوامل التي ساعدت على التخلي عن النهج القديم وتبني النهج الإصلاحي المنفتح على السوق أن الكثيرين من موظفي الجهاز البيروقراطي الاقتصادي والإداري قد حققوا تراكمات رأسمالية خاصة عبر آليات النهب والرشوة ولهم مصلحة في إدارة استثمارها وفق آليات السوق والقوانين الاقتصادية المعروفة، وبالتالي لم تعد مصلحتهم مقتصرة على تنمية القطاع العام الذي شكل لسنوات كثيرة مصدر ثروتهم بل والقطاع الخاص الذي هو شريك فاعل فيه بأشكال مختلفة.