د. ديب: دقة الرقم الإحصائي الرسمي لا تتجاوز 20%

بين التبرير الدردري لاستقلالية وصحة الرقم الإحصائي الذي أجرته الدوائر الإحصائية السورية في الماضي القريب من جهة، وإصرار المكتب المركزي للإحصاء الدائم على صحة رقمه الإحصائي من جهة أخرى، تقف حقائق الواقع مفندة هذا الرقم الإحصائي، الذي ثبت أنه كان مضللاً للسوريين أولاً، وربما لصانعي القرار ثانياً..

للوقوف على حقيقة الرقم الإحصائي أجرت جريدة «قاسيون» لقاءً مع د. سنان ديب أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين...

إن الرقم الإحصائي والبيانات الإحصائية يعدان الأساس الذي يعتمد عليه لمعرفة الكثير من السلبيات التي تعاني منها عملية التنمية الجارية، وعلى أساس هذا الرقم توضع الخطط، والتنبؤات، والبرامج اللازمة لعلاج هذه السلبيات، وهذا ما جاء ليؤكده د. سنان الذي أشار إلى أن «الرقم الإحصائي من أهم الأسس التي تعتمد عليها السياسات الحكومية والخطط في مختلف اتجاهات التنمية، لذلك فإن أي قرار صائب ودقيق يحتاج إلى رقم إحصائي دقيق، للأسف الشديد إن السياسات الاقتصادية السابقة أدت إلى شبه زوال للطبقة الوسطى، وإلى تشويه للإيديولوجيات، والآن نحصد النتائج، فالأرقام والبيانات الصحيحة تؤسس -إن وجدت- البيئة لسياسات وخطط ودراسات صحيحة، والانطلاق من الرقم الإحصائي الخاطئ سيؤدي إلى نتائج خاطئة، لذلك يجب إعادة النظر بجميع الأرقام الإحصائية السابقة من أجل الاستناد إليها، وتأمين الانطلاق من الوقائع الصحيحة».. 

الإحصاء ليس مهمة» المركزي« فقط!

وأوضح الباحث الاقتصادي أن الرقم الإحصائي هو أحد أسس المعرفة، والمكتب المركزي بهيكلية الحالية صغير جداً قياساً على التطور الذي حصل في سورية، ولكي تكون الأرقام دقيقة يجب إعطاء المكتب المركزي الاستقلالية، والحصانة، والإمكانات المادية لكي يعمل بشكل حقيقي، فأي رقم يخرج دون تعليق فأنت تساهم بالتضليل، وليس مهمة مكتب الإحصاء فقط، ولذلك نحتاج لاستقلالية القضاء، ولا يجب أن يكون تابعاً لرئيس الحكومة، لذلك يجب أن يأخذ المكتب المركزي للإحصاء دوره الحقيقي في إنتاج ومتابعة الرقم الإحصائي، مع إمكانية تحويله إلى هيئة..

التضليل لاستمرار الحكومة

الحكومة اعتمدت على الأرقام المضللة، ولهذا الاعتماد أهدافه الخفية والمعلنة، وعند هذه النقطة أشار د. سنان ديب إلى أن استمرارية النهج الاقتصادي للحكومة السابقة يعتمد على الأرقام المضخمة التي تضلل بشكل مباشر متخذ القرار، ومن يراقب العمل الحكومي، وكل هذا التضليل من أجل الاستمرار بالنهج الاقتصادي الذي ينفذ فكراً، ورؤية اقتصادية مبرمجة وثابتة، بحيث يستمر هذا النهج، ويوفر الأرقام والمعطيات بما يتناسب مع استمرارية.

وبيّن د. ديب أن من مصلحة الفريق الاقتصادي السابق تبرير الأرقام التي كانت تعتمد منه من أجل تبرئة نفسه من الأخطاء السابقة التي تراكمت، وأدت إلى جزء من الاحتجاجات الشعبية، فمن لا يعرف أن جزءاً كبيراً من هذه الاحتجاجات تعود لأسباب اقتصادية واجتماعية فإنه لا يقرأ الواقع بشكل صحيح، فالقيادة السياسية توصلت إلى أنه كان هناك تضليل كبير في الأرقام التي كانت تعطى في الماضي، وخاصة في أربعة أو خمسة أرقام، وخصوصاً في أرقام البطالة، والفقر، والنمو، والتضخم، والاستثمار، التي تمثل ركائز الاقتصاد الوطني، وإذا أردنا إعطاء الرقم الإحصائي نسبة في صحة الرقم الإحصائي في هذه المؤشرات الخمسة نجد أن دقتها لا تتجاوز 20% في أحسن الأحوال.. 

ما جرى كان مبرمجاً!

كان هناك أصوات مختلفة من اقتصاديين وأكاديميين تسلط الضوء على هذا التضليل والخلل في صناعة الرقم الإحصائي، وقد توقعت هذه الأصوات ما ستصل إليه من وراء هذه الأرقام المضللة، إلا أن السياسات الحكومية كانت تسير دون أية موانع تذكر، حيث أشار د. سنان إلى أن ما جرى كان مبرمجاً، ولا معنى لأية سلطة اقتصادية /8/ سنوات تعتمد على نفس الأرقام دون الإحساس بالخلل الذي يجب تصحيحه، وأكبر تضليل مورس خلال تبرير قرار رفع الدعم عن المازوت، من خلال تضخيم رقم الدعم في الموازنة العامة، وتضخم آثار  وانعكاسات هذا العجز على الاقتصاد السوري، والأهم من كل ذلك، هو إعطاء /5 -6/ أرقام مختلفة للدعم، علماً أن دعم المازوت كان يمول من المركزي، وليس من الموازنة، وهذا القرار أدى لتدمير الاقتصاد السوري، وتراجعت نسبة مساهمة الزراعة في الاقتصاد وفي العمالة أيضاً، وأثر ذلك على الصناعة الوطنية العامة والخاصة، وما تراجع السلطة عن هذا القرار إلا عتراف منها على ما انعكس هذا القرار سلباً على مجمل الحياة الاقتصادية في سورية. 

المركزي للإحصاء أحد المضللين

يسعى دائماً المكتب المركزي لصبغ أرقامه بهالة من الصدقية لم تتوفر لأرقام المكاتب الإحصائية في الاتحاد الأوروبي، وهذا الحرص دليل قاطع على رغبة المركزي في تحميل سواه مسؤولية الرقم الإحصائي، لأنه هو مصب للرقم القادم من المؤسسات الرسمية، ولكن د. سنان اعتبر أن المكتب المركزي للإحصاء هو المسؤول عن الرقم بالمطلق، وحتى يلقي عن نفسه المسؤولية كان يجب أن يعطي ملاحظات على الأرقام، وعندما لا يقدم ملاحظاته فهو شريك في صناعة الرقم الخاطئ، فهل هذه الموافقة دون ملاحظات هي نتاج ضغط على المركز؟! وأحياناً يكون هناك ضغط نفسي، وبذلك يكون المكتب المركزي للإحصاء في هذه الحالة أحد المضللين...

وأضاف أن هناك عدم ثقة بالرقم الإحصائي الرسمي، لأن الفجوة كبيرة بين الأرقام والواقع، وانعكاسات الواقع هي التي تدل هذا الرقم صحيح أو غير صحيح، فرقم البطالة يجب أن ينطلق من تعريف خاص بسورية لهذه البطالة، ففي الدول الأوروبية صناديق داعمة للعاطلين عن العمل بينما تغيب هذه الصناديق لدينا، كان هناك محاولة لعدم إعطاء رقم دقيق.. 

للتضليل أشكال مختلفة

إعطاء الأرقام المضخمة أو المنخفضة حسب الحاجة أو الرغبة الحكومية قد يكون أحد أشكال التضليل المفضوح، إلا أن هناك أشكالاً أخرى من التضليل، والتي تتجسد – حسبما ذكر د. سنان-  بإعطاء رقم منفرد كرقم النمو المجرد دون ذكر انعكاساته على المجتمع، وعلى العدالة الاجتماعية، الأهم من كل هذا لا يجري تحليل لبنية هذا النمو، ونسبة العدالة التي حققها، وما هي الطبقات التي سيكرسها، كما يجب ربط النمو الاقتصادي بالسكان، وهذا شكل من أشكال التضليل الإحصائي... معتبراً في الوقت عينه أن حداثة الرقم الإحصائي لا تعفي من الخطأ، الخطأ الحاصل مقصود، ففي أول فترة كانت تصدر أرقام الإحصائية، وبعدها اصبح هناك تلكؤ، والسبب في ذلك هو نسب الخطأ التي لم يعد من الممكن تلافيها.