حكاية فادي مع النمو الاقتصادي مسرحية هزلية (واقعية) في ثلاثة مشاهد
خلفية:
يعيش فادي مع أفراد أسرته في منزل متواضع في أحد أحياء أحزمة السكن العشوائي التي تطوق دمشق. وهو الابن الأكبر لوالده الموظف.
يحتاج فادي إلى نحو ساعة ونصف للوصول إلى جامعته سيراً على الأقدام، أو إلى ساعة ونصف فقط للوصول إليها باستخدام المواصلات العامة.
وفادي هذا طالب مجتهد. تخرج من كلية الاقتصاد بدرجة جيد جداً، ولأنه لم يجد عملاً يساعد به والده على تكاليف المعيشة المرهقة والمتصاعدة فقد قرر أن (ينكب) من جديد على دراسة الماجستير علها تساعده على الحصول على فرصة عمل مناسبة.
يبدأ فادي بالتحضير لبحث الماجستير بالخطوة الأولى المعتادة.... جمع البيانات والإحصاءات المتعلقة بموضوع البحث.... أول الإحصاءات المطلوبة كان معدل النمو الاقتصادي في عام 2004. يذهب فادي إلى المكتب المركزي للإحصاء للاستعلام عن هذا الرقم.
مشهد 1:
فادي في مكتبة المكتب المركزي للإحصاء يتصفح المجموعة الإحصائية السورية 2005.
غير معقول... يتمتم بصوت خافت... معدل النمو الاقتصادي في عام 2003 كان 1.11% وارتفع في عام 2004 إلى 2% فقط... النمو الاقتصادي أقل من النمو السكاني الذي يتجاوز 2.5%... لا أستطيع أن أصدق.
حكومتنا لا تكذب... يهمس لنفسه ملتفتاً حوله بحذر شديد وبعينين نصف مغمضتين ليتأكد أن أحداً لم يقرأ عينيه في تلك اللحظة.
مشهد 2:
فادي يريد أن يتأكد أكثر.. يطلب المجموعة الإحصائية السورية 2006.
ربما كان هناك خطأ مطبعي في المجموعة 2005... يقول لأمينة المكتبة.
يتصفح المجموعة بسرعة.. يفتح عينيه مذهولاً.. معدل النمو الاقتصادي في عام 2003 لا يزال 1.11% لكن معدل النمو الاقتصادي في عام 2004 قفز إلى 8.6%!!
كيف ارتفع معدل النمو الاقتصادي في سنة واحدة عادية غير استثنائية إلى 8.6%؟
ما الأعجوبة التي حققناها فنقلتنا هذه النقلة الخرافية؟؟
هل تمكنّا أخيراً من توطين التقانة؟
هل قطعنا أشواطاً ضوئية في اقتصاد المعرفة؟
هل استرجعنا فاقد الفساد؟
كيف حلّق النمو الاقتصادي إلى هذا الارتفاع؟
فادي لا يستطيع أن يصدق هذا الرقم.. هناك مبالغة شديدة اللهجة.. يفكر.
حكومتنا لا يمكن أن تكذب.. يقول في سره مغمضاً عينيه بشكل تام هذه المرة.
مشهد 3 :
فادي في البيت يتأمل ويفكر..
إذا كان النمو الاقتصادي قد تراجع في السنوات الأخيرة ليصل إلى 2% فقط في عام 2004 فهذا كلام منطقي ومفهوم ولا يتناقض مع واقعنا، فكل شيء من حولنا يتراجع.. الخدمات العامة، التعليم، الرعاية الصحية، المواصلات، البيئة، القيم، الأخلاق، الفن، الرياضة، القوة الشرائية لراتب والدي، حتى سندويشة الفلافل أبعادها في تناقص مستمر.. كل شيء يتراجع باستثناء البطالة والفقر وأزمة السكن والأسعار وأرصدة بعض الطفيليين في البنوك الأجنبية، فهذه جميعها تتضخم مع الزمن.
ولكن، ماذا لو كان النمو الاقتصادي 8.6% فعلاً في عام 2004 كما تدّعي المجموعة الإحصائية السورية 2006؟
إذا كان ذلك صحيحاً فهذا يعني أن هناك من (يشفط) كل الثروات المحققة في اقتصادنا الوطني، وأن هذه الثروات تنتهي إلى جيوب فئة صغيرة من مجتمعنا، وإلا فما تفسير أنني لم ألحظ حصول مثل هذا النمو وكذلك أخي وجاري وزميلي في الجامعة والموظف والفلاح والمدرس والعامل وصاحب البسطة؟
لماذا لم ينعكس هذا النمو الصاروخي على مستوى معيشتنا؟
لماذا تتناقص القوة الشرائية لراتب والدي؟
لماذا تستفحل مشكلة البطالة وتتسع دائرة الفقر وتتفاقم أزمة المواصلات؟
يفكر فادي.. أن يكون النمو الاقتصادي أقل من النمو السكاني فهذه مشكلة كبيرة.. وأن يصل النمو الاقتصادي إلى حوالي 9% ولا نلمس نتائجه على معيشتنا وحياتنا لأن الفساد يلتهم حصتنا فهذه مصيبة.. أما أن يتدهور النمو الاقتصادي إلى معدلات أقل من النمو السكاني ويستمر الفساد في مقاسمتنا حتى على الفتات فهذه كارثة.
أنا محتار جداً، أي الرقمين أصدق؟ 2% أم 8.6%؟ ترى أين الحقيقة؟
يغمض فادي عينيه ويفكر.. الحقيقة كالشمس لها وجه واحد.
يفتح فادي عينيه ويقرر ألا يحتار.. لن أصدق بعد الآن سوى حقيقة واحدة هي تلك التي أعيشها.