البطالة والسِّياسات الاقتصاديَّة
في ندوة الثلاثاء الاقتصادي، التي أقيمت بتاريخ8/4/2008، قدّم الأستاذ الباحث جلال مراد، محاضرة شرح فيها التفسيرات المختلفة لمفهوم البطالة وأسبابها، وطرق معالجتها من السياسات الاقتصادية المختلفة. ومما جاء في المحاضرة:
«ارتفعت نسبة المتعطلين من 4,8 % عام 1981 إلى 6 % عام 1994 ثم إلى 12,3 % عام 2004 ولكنها عادت وانخفضت إلى 8,1 % عام 2006، وهذا رقم مشكوك به. ومع أنه ليس خطيراً، فيجب ألا يغيب عن البال أن معظم الذين اشتغلوا، أي انسحبوا من دائرة المتعطلين إلى دائرة المشتغلين، قد قبلوا العمل في مهن لا تتناسب مع مؤهلاتهم، وأدنى منها بكثير، وبأجور متدنية لا تتناسب مع كفاءتهم، وهؤلاء مازالوا في «حومة البطالة»، وهم يشكلون 30 % من قوة العمل.
الشرط اللازم لمكافحة البطالة، هو تحقيق مواءمة فعالة، بين الباحثين عن عمل، وفرص العمل، عن طريق نظام معلومات سوق عمل فعال. والشرط الكافي هو تحقيق معدل تنمية عال وسياسات سوق عمل فعالة.
ـ إن الأجور تتآكل بسبب تقليص سرعة زيادة الأجور مقابل تسريع عملية ارتفاع الأسعار، وهذا أحد أهم أسباب انخفاض إنتاجية العامل، وبالتالي انخفاض معدل النمو الاقتصادي للبلد، وانخفاض كفاءة أداء الاقتصاد السوري.
ـ بلغ عدد المسجلين في مكاتب التشغيل خلال الفترة من 2001 وحتى 2007 حوالي 983 ألف متعطل عن العمل، أي نسبة 18,7 % من قوة العمل، وبلغ عدد المعينين ترشيحاً، حوالي 60 ألف مرشح، أي بنسبة 6,1 % من إجمالي المسجلين، وهذا يشير إلى عدم توفير البيئة التمكينية لهذه المكاتب من القيام بدورها المطلوب.
ـ لم تسهم المشاريع الصناعية الجديدة التي ينفذها القطاع الخاص على قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، إلا بتشغيل 36 ألف مشتغل وهو لا يتناسب مع حجم العاطلين عن العمل البالغ 1,5 مليون متعطل.
ـ إن ضخامة حجم القطاع الاقتصادي غير المنظم، البالغ 42 % من المشتغلين، يؤثر بشكل كبير على حجم العمل والبطالة.
ـ إن حوالي 5,3 مليون إنسان، أي 30 % من عدد السكان، يعيشون تحت خط الهشاشة، وهو 2000 ل.س شهرياً للفرد، وكذلك 2,2 مليون إنسان، أي 11 % من السكان، يعيشون تحت خط الفقر الأدنى.
ـ هناك علاقة واضحة بين الفقر والبطالة، حيث أن غالبية العاطلين عن العمل هم حملة الشهادة الابتدائية فما دون، والبطالة تصيب هؤلاء الذين يعيشون تحت خط الفقر، وهم أكثر الناس تأثراً بانخفاض مستوى الأجر الحقيقي.
ـ إن عدد العاملين بأجر بلغ 2,7 مليون مشتغل، أي 55,3 % من إجمالي عدد المشتغلين، منهم نسبة 62 %، يعملون بأجر بأقل من 9000 ل.س، وهذا يعادل 60 % من الحد الأدنى لمستوى المعيشة.
ـ إن وسطي الأجر الشهري للعاملين في القطاع العام، حوالي 6000 ل.س، وفي القطاع الخاص 4000 ل.س. وهذا مؤشر آخر على تدهور القدرة الشرائية، أمام معدلات التضخم وارتفاعات مستوى المعيشة.
ـ إن الارتفاعات المتتالية للأسعار، دون أن يقابلها ارتفاعات مماثلة في الأجور، أدت إلى تآكل 90 % من الأجر المعطى، أي أن الأجر الحالي يعادل 10 % من الأجر الحقيقي للعامل.
سياسات الاقتصاد الكلي والبطالة
ـ بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 4,7 % خلال الفترة من 2000 حتى 2006، بينما بلغ معدل نصيب الفرد 2,2 % خلال الفترة نفسها، والفرق بين المعدلين ومقداره 2,5 %، يعادل معدل نمو السكان. أما الاستثمار فقد نما بمعدل وسطي سنوي مقداره 13,3 %، خلال الفترة نفسها، وكان نصيب القطاع الخاص منه الثلثين، والقطاع العام الثلث فقط، بسبب توجهات الخطة الخمسية العاشرة بإعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في النشاط الاستثماري الإنتاجي.
ـ الإحصاءات الرسمية لمعدل البطالة، تشير إلى هبوطه من 12,3 % في عام 2004 إلى 8,2 % عام 2006، وذلك نتيجة خلق 521 ألف فرصة عمل، وهذا غير منطقي، وأنا أعتبر هذا الانخفاض وهمياً ومخادعاً، بني على أساس تغيير تعريف البطالة، وعدد ساعات العمل المحسوبة، وبحسابي أنا يبلغ معدل البطالة 41 %.
ـ إن السياسات الاقتصادية المتبعة لم تستطع تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المستوى الكلي.
ـ يقدر حجم الأموال المجمدة والمعطلة في المصارف السورية عن الاستثمار والتشغيل، بـ 456 مليار ل.س في عام 2006، يضاف إليها 311 ملياراً، احتياطي الاستيراد لمدة ستة أشهر. فإذا كان وسطي تكلفة خلق فرصة عمل جديدة، يعادل 2 مليون ل.س، فإن الأموال المعطلة في المصارف كافية لخلق 228 ألف فرصة عمل.
ـ لم يتحقق الهدف الاقتصادي للسياسة المالية، بسبب التهرب الضريبي والإعفاءات الضريبية، ولم تتم الاستفادة من الرسوم الجمركية لتحسين الوضع التنافسي للمنتجات الوطنية تجاه المنتجات الأجنبية، خلال فترة الحماية الجمركية للصناعة الوطنية.
ـ وقع الاقتصاد الوطني في مأزق كبير، بعد تحرير التجارة الخارجية، وانخفضت نسبة الموازنة العامة للدولة، إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 30,5 % عام 2000 إلى 29 % عام 2006، وارتفع عجز الموازنة العامة للدولة من 37 مليار ل.س، إلى 59 مليار ل.س في الفترة ذاتها.
ـ بلغت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي 67 % أما مساهمته في الضرائب المباشرة فبلغت 13 % فقط، من أجمالي ضرائب الدخل لعام 2006، بينما ساهم القطاع العام بـ 33 % من الناتج المحلي الإجمالي و87 % من هذه الضرائب.
ـ إن قرار تخفيض معدل الفائدة عام 2003 من 9 % إلى 4,5 %، شجع على المضاربة في سوق العقارات والعملات الأجنبية.
ـ تناقص حجم القوى العاملة في الصناعة التحويلية من 107 آلاف عامل عام 2000، إلى 105 آلاف عامل عام 2006، ما يشير إلى تناقص أهمية القطاع العام في نشاط الصناعة التحويلية، وعدم قدرته على استيعاب مزيد من المشتغلين».
في نهاية الندوة قدّم المحاضر بعض المقترحات، أهمها:
1ـ اعتماد الاستثمار على المدخرات الوطنية وتراكم رأس المال الوطني.
2ـ تعزيز دور الدولة في ضبط آلية السوق، والتحكم في مساراتها من خلال: ضبط الاستهلاك والاستيراد لصالح التنمية. ومتابعة أداء عملية الإصلاح الاقتصادي. وإحياء دور الدولة الإنتاجي والاستثماري.
3ـ تحقيق معدل نمو اقتصادي عال عام النفع.
4ـ اختيار السياسات الاقتصادية الواقعية التي تكفل تحقيق الأهداف في الخطط الخمسية والسنوية.
5ـ كبح جماح سيطرة التجارة على الإنتاج الوطني.
6ـ جعل السياسة التجارية ذات توجه تنموي، يخدم الإنتاج أولاً، ويحقق التوازن بين الربح والمنفعة العامة.
7ـ جعل النشاط التجاري في خدمة الإنتاج الوطني أولاً، ووضع ضوابط تمنع جعل النشاط التجاري أداةً لتدمير المنتج الوطني.
8ـ إخضاع شركات القطاعين العام والخاص للشروط نفسها، التي يتطلبها الصالح الاقتصادي العام.
9ـ تفعيل مبدأ تصنيع بعض المواد الخام المحلية بشكل كامل، وتصديرها منتجاً نهائياً، مثل (القطن ـ ألبسة جاهزة).
10ـ تحسين المستوى المعيشي للسكان، عن طريق جعل الحد الأدنى من الأجور، يرتفع عن مستوى الحد الأدنى للمعيشة.