اقتصاد السُّوق الاجتماعي واختلافه عن النظام الرأسمالي الدردري !
هناك خلط شائع تنظيرياً وعملياً، بين اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي أقره المؤتمر العام للحزب في عام 2005، وقرره نظاماً للدولة، وبين النظام الرأسمالي، المختلف جذرياً عن الاجتماعي، وهو الذي يعمل لتحويل سورية إليه السيد عبد الله الدردري، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، زاعماً أنه يعمل وفقاً للنظام الاجتماعي.
أولاً: اقتصاد السوق الاجتماعي:
1ـ هو النظام الاقتصادي الذي تقوم عليه معظم الدول الأوربية ومنها ألمانيا الغربية، وقد تمكنت بموجب السير به من تطوير فعال للاقتصادات الوطنية، وبناء صناعات واستثمارات ضخمة للقطاع الخاص، وتطوير البلدان الأوربية من بلاد مهدمة عمرانياً واقتصادياً وبشرياً ومالياً بشكل شبه كلّي وشامل بعيد الحرب العالمية الثانية إلى دول غنية ميسورة، يعيش مواطنوها برخاء اقتصادي ومعيشي رائع، وأصبحت قادرة على مد فعالية نشاطاتها إلى الدول الأخرى، وقد تنامت تدريجياُ حتى أصبحت الآن كتلة الدول الأوربية تحتل المركز الأول عالميا بديلا عن الولايات المتحدة التي تراجعت للدور الثاني، والآخذ اقتصادها الرأسمالي في التدهور التدريجي منذ سنوات.
2ـ هو نظام يعتمد على أن القطاع الخاص هو القطاع الأساسي للنشاط الاقتصادي في الدولة، وللدولة حق مراقبته وتوجيهه ضمن الخطط الإنمائية والقوانين المرعية، وفرض قيود على النوعية الإنتاجية.
3ـ يُمكن للدولة في حال الضرورة إحداث فعاليات اقتصادية للمشاريع التي تحتاجها الدولة، ولا يتقدم القطاع الخاص لممارسة نشاطه من خلالها.
4ـ يقبل النظام الرأسمالي التدخل في السوق المعيشي بجميع أبعاده ومنها دعم الدولة لأي نوع من المواد.
ثانياً: الاقتصاد الرأسمالي:
1ـ هو النظام الذي تعتمده الولايات المتحدة الأمريكية، وهو نظام تمكّن من الصمود بسبب وحيد هو توفر ثروات وطنية هائلة ومتنوعة، وقدرات استهلاكية ضخمة
2ـ لا يسمح النظام الرأسمالي ببناء أية مشاريع استثمارية أو اقتصادية للدولة.
3ـ لا تتدخل الدولة في توجيه أو مراقبة النشاط الاقتصادي أو الاستهلاكي أو نوعية المنتجات، ولا تهتم بحماية المستهلك، وتترك ذلك كله لأحكام قانون العرض والطلب.
4ـ يرفض النظام الرأسمالي التدخل في السوق المعيشي بجميع أبعاده ومنها دعم الدولة لأي نوع من المواد.
ثالثاً: مقارنة سريعة
1ـ إن نظام السوق الاجتماعي هو النظام الذي أقره المؤتمر العام للحزب بديلاً عن النظام الاشتراكي الذي كان مجرّد عنوان للاقتصاد السوري، والذي لم يأخذ من صفة الاشتراكية إلا اسمها وبعض القيود التي تبني عليها نظامها، والتدخلات غير الواعية لبعض مسؤولي الاقتصاد في السوق السورية.
2. نتائج مُسببّة:
• لما كانت سورية دولة محدودة الثروة الوطنية، وصغيرة الحجم جغرافياً، وهي في ذلك أقرب للدول الأوربية،
• ولما كانت أسواقها المحلية والتصديرية، محدودة نسبياً، وخاصة بالمقارنة مع السوق الأمريكية التي تعتمد الاستهلاك المحلي الواسع بشكل رئيسي.
• ولمّا كانت سورية تتمتع بقدرات وخبرات بشرية حقيقية واسعة – هُجّر مُعظمها بسبب تآمر مؤكد شارك فيه بعض المسؤولين المزروعين في أجهزة الدولة – وهي إضافة للرساميل الوطنية، أساس التنمية الاقتصادية الإنتاجية الجادة.
• ولما كانت طبيعة المواطن العربي عامة والعربي السوري، يعتمد على الدولة بشكل أساسي في حمايته وتشريع قوانينه.
فإن اقتصاد السوق الاجتماعي هو النظام المثالي لسورية : وطناً وشعباً
رابعاً: واقع حال الاقتصاد السوري الحالي:
1ـ هو اقتصاد لا رأسمالي ولا اجتماعي، ولا اشتراكي، وإنما هو مجموعة متضاربة من التوجهات الارتجالية غير المنضبطة بمنهج عام أساسي مدروس ومخطط وفقاً لطبيعة البلاد والشعب، ولكن يُمكن القول إن القرارات الوزارية، وتعاقدات المشاريع، وفكر الاستثمار الشاذ، تنتهج الأسلوب الرأسمالي
2ـ إن هناك حالة لا يُمكن فهمها أو قبولها، وهي أن الإدارة الاقتصادية الحالية، تسير بالبلاد وبشكل ارتجالي غير مُعلن إلى النظام الرأسمالي، وليس الاجتماعي بالتأكيد، وذلك عن طريق قرارات ومشاريع قوانين يُصدرها الفريق الاقتصادي بشكل ارتجالي مُنفعل برغبات وزرائه واتجاههم الرأسمالي وآثار هذه القرارات على الشعب ومعيشته.
3. إن ما يعانيه الاقتصاد السوري من تراجع، وما يعانيه الشعب من معاناة معيشية هي أولى نتائج وآثار التطبيق الرأسمالي الذي يقوم الفريق الاقتصادي الدردري على تحويل البلاد إليه.
4ـ إن الفريق الاقتصادي، لم يكتب كلمة واحدة في منهج السوق الاجتماعي المقرر دستورياً منذ منتصف 2005. وهذا بسبب رغبته الدفينة غير المعلنة في تحويل البلاد إلى النظام الرأسمالي وليس إلى الاجتماعي.
5ـ إن مصالح رموز الفساد، والرأسماليين الجدد الذين خلقهم الفساد، ترفض النظام الاجتماعي، لأنه سيقيدها بضوابط منهجية و قانونية ورقابية تحدُّ من فسادها. وإن النظام الذي تريد فرضه على البلاد بواسطة الفريق الاقتصادي هو النظام الرأسمالي، ذلك لأنه
• يُتيح لها كامل الحرية في الفساد، والانعتاق من مبدأي الرقابة والتوجيه اللذين يفرضهما النظام الاجتماعي.
• اختيار مشاريع الاستثمار الخدماتية وغير الإنتاجية، وهي التي لا تخلق ثروة وطنية، ولا تتطلب تشغيلاً لليد العاملة،
• لا تتعرض لمخاطر الإنتاج الإنمائي نتيجة التعامل مع العمال، ومخاطر التسويق وبناء المصانع وتطويرها.
• سمحت القرارات والتشريعات الدردرية بالتعامل مع الشركات الأجنبية بشكل واسع النطاق، ومردود هذا وطنياً يتجلى في:
* إعادة بيع المشروع لشركة أجنبية هي التي تقوم برأسمالها وكوادرها وعمالتها على التنفيذ عملياً، وبذلك تحقق شركات الفساد التي تستولي على مُعظم المشاريع حالياً بعقود بالتراضي بأسعار مضاعفة عدّة مرات، أرباحها من فرق سعر التعاقد الحكومي مع سعر البيع لشركة أجنبية، وبمعنى آخر فإن شركات الفساد أصبحت شركات وساطة وسمسرة أكثر منها شركات اقتصادية.
* تحويل جميع رأسمال وأرباح المشروع إلى الخارج.
* قتل تطوير الخبرات الوطنية.
* الاستغناء عن العمالة الوطنية بعمالة أجنبية رخيصة (من دول شرق آسيا).
* فتح باب الفساد حتى لمناصب وزارية وغيرها.
خامساً وأخيراً:
صحيح أن منهج اقتصاد السوق الاجتماعي ليس «مقدّساً»، ولكنه النظام الوحيد الذي يُمكن أن يُخرج سورية واقتصادها ومعيشة أهلها من المآزق والتراجعات والنكسات وجُملة المعاناة المؤلمة التي يُعانيها الشعب حالياً، وهي التي يمكن تسميتها بجملة الكوارث التي خلقها الفريق الاقتصادي الدردري خلقاً، بمباشرة تطبيق النظام الرأسمالي في سورية، بزعم أنه يُطبق النظام الاجتماعي. وأن على الجميع التأكيد والمطالبة بتصحيح الأمور والالتزام بقرار المؤتمر العام للحزب، لأنه كان أفضل قرار يخدم الاقتصاد السوري وتنميته ومعيشة أهله، وهذا وحده يتيح الخلاص من النكسات والكوارث المعيشية التي خلقها الدردري خلقاً، بتوجيه كلٍّ من صندوق النقد والبنك الدولي اللذين تُديرهما مباشرة الإدارة الأمريكية الإسرائيلية، لتدمير جميع الدول العربية عن طريق تدمير اقتصادياتها ومعيشة أهلها. ولنتعظ مما يجري حاليا في مصر – وفي بلدان عربية أُخرى- من نتائج السياسة المشابهة لسياسة الدردري الرأسمالية.