الخصخصة على الطريقة السورية
هناك تصريحات يومية نسمعها منذ العام 2001 وحتى الآن، يطلقها رئيس الوزراء ونائبه الاقتصادي ووزير الصناعة ووزير الاقتصاد وكامل الطاقم الاقتصادي الحكومي، تؤكد جميعها على إصلاح القطاع العام الصناعي.
هذا «الإصلاح» بدأ من خلال تبني «الإدارة بالأهداف» التي فشلت فشلاً ذريعاً، ثم شكلت لجنة ال/35/ وفشلت، ثم كان هناك برنامج آخر وصفه فريق خبراء وطنيين وسُلّم لرئيس مجلس الوزراء في 27/5/2003 وفشل.. وفي عام 2004 وضعت الحكومة أساساً للإصلاح وفشل، وبين عامي 2005 و2006 وضعت نظريات حددت طرق الإصلاح المنشود، وقُسمت الشركات وصُنفت وفشلت أيضاً وأيضاًً.
عام 2006 وضعت وزارة الصناعة إستراتيجية جديدة لإصلاح القطاع العام الصناعي. وشكلت لجنة لهذه الغاية من الوزارة وغرفتي الصناعة والتجارة واتحاد العمال، وبعد سلسلة من الاجتماعات تم الاتفاق على المشروع لإقراره ولكنه لم يُقر، ولم يظهر إلى النور.
ثم جاءت الحركة النقابية وقدمت رؤيتها لإصلاح القطاع العام، بيد أن أحداً لم يأخذ بها.
وهكذا، تمر السنوات وتتوالى الاقتراحات المترافقة دون جدوى، وتترافق هذه اللا جدوى مع تصريحات خجولة تدعو إلى الخصخصة، تتزامن مع تصريحات أخرى تؤكد على دور القطاع العام وأهميته..
والحقيقة أن برنامج وزارة الصناعة واستراتيجيتها للإصلاح لا تختلف كثيراً عن رؤية الحركة النقابية، إلا في نقطة أساسية تتلخص في إيمان الوزارة بضرورة التخلي عن الشركات الخاسرة والمتوقفة بيعاً أو تنازلاً أو خصخصةً.
والوقائع تقول: إن التنازل تبعه تنازل آخر لأن الشركات المتعثرة ازداد تعثرها ووصلت إلى الخسارة، والشركات الرابحة هناك من يعمل لإيصالها إلى التعثر، وهذا ما يحصل حتى الآن، ولعل هذا ما يفسر أسباب فشل مشاريع إصلاح القطاع العام جميعها والتلكؤ في تنفيذها!!
إذاً هناك قرار لا رجوع عنه يسعى لطرح شركات ومؤسسات هامة للاستثمار، معظمها رابح كالمرافئ والأسمنت والورق وغيرها، وبيع أراضي الشركات المتوقفة عن العمل، وخصخصة الشركات الأخرى جميعها من خلال طرحها للاستثمار.
غياب الشفافية
السؤال المطروح: لماذا لا يتخذ الفريق الاقتصادي في الحكومة هذا القرار علناً بدلاً من المناورة والفرض التدريجي للسياسات الليبرالية؟ هل يسعى هذا الفريق لجعل رغبته في الاستثمار والخصخصة قدراً لا راد له؟؟ إن الجواب على هذا السؤال يبقى برسم أصحاب القرار السياسي..
بعيداً عن هذا السجال المستمر منذ ثماني سنوات يجب القول بوضوح وصراحة: إن أخطر أنواع الخصخصة تتم الآن في سورية بشكل بات يحتاج إلى تفسير، وهي استمرار لخصخصة بطيئة لهذا القطاع المنهوب منذ إنشائه..
لقد نشأ القطاع العام وتوسع خلال العقود الماضية بفعل عاملين رئيسيين اثنين: أولهما تمثل في الاستجابة لظروف التطور الموضوعية بعد الاستقلال، في ظل وجود ممتلكات للمستعمرين القدامى، وفي ظل رأسمالية محلية ضعيفة غير قادرة على تحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي لبلد يعاني من التخلف والتبعية..
وثانيهما الحاجة الماسة لخلق فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة..
وتطور القطاع العام في السبعينات، وأنجز مهمات اقتصادية هامة في مقدمتها تحديد طريق التطور الاقتصادي والاجتماعي، وتصفية العلاقات الإقطاعية، وإنشاء وتطوير القاعدة الصناعية. وقد ساهم القطاع العام مساهمة كبيرة في توفير فرص عمل لمئات الألوف من العمال والمختصين والمهندسين، مما قلل من حجم ظاهرة البطالة، ولكن دوره في هذا المجال كان قد تحقق في الغالب على حساب فعاليته وربحيته، وذلك بسبب سوء الإدارة والفساد وضعف الديناميكية وانعدام الرؤية الاستراتيجية، ويأتي اليوم من يدعي زوراً أن سياسة التشغيل الاجتماعية التي وضعتها الدولة والتزم بها القطاع العام، هي السبب في وصوله إلى ما وصل إليه، في محاولة لذر الرماد في العيون.
ورغم أن القوى السياسية الوطنية والحركة النقابية ظلت تؤكد وتطالب بحماية القطاع العام من المزاحمة الرأسمالية الداخلية ومن المزاحمة الخارجية، وتطوير وتحديث أساليب الإدارة وإجراء إصلاح إداري ووضع الرجل الكفء والمناسب في مكانه الصحيح، إلا أن خطة الخصخصة المستترة ظلت قائمة، ولم ينفذ شيء من هذه المطالب والتأكيدات.
خصخصة غير معلنة
لقد عينت إدارات في جميع شركات ومؤسسات القطاع العام بترشيح من هذه الجهة أو تلك، دون النظر إلى الكفاءة والنزاهة والخبرة والأهلية، واعتبر معظم المدراء أن هذه المؤسسة ملك لهم، وبذلك استمروا على رأس الإدارات سنوات طويلة دون محاسبة أو مساءلة رغم وجود أجهزة رقابية عديدة ومنها:
- المؤسسة الصناعية النوعية.
- الجهاز المركزي للرقابة المالية.
- الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.
- هيئة تخطيط الدولة.
وجهات أخرى عديدة تمارس دوراً رقابياً وتتعاطى المعلومات، وتحاول التأثير على سير العملية الإدارية من خلال التقارير الرقابية التي تعدها أو من خلال المعلومات التي ترفعها إلى الجهات الوصائية العليا، ولكن ارتبطت هذه التقارير والمعلومات بمقدرة المدير على تفهم ذلك، ومدى ما يتمتع به من دعم.
بعض المدراء استمروا في مواقعهم طوال 30 سنة، ومارسوا شتى أنواع الفساد بحق شركات القطاع العام في العقود والمناقصات وفي استيراد المواد الأولية، وفي تصريف الإنتاج وتحديث التكنولوجيا، وبددوا ثروات كبيرة من خلال النهب المنظم دون مساءلة أو محاسبة من أية جهة كانت، وتم إيصال الكثير من شركات القطاع العام إلى الخسارة، وبعضها إلى الانهيار الكامل.. وهكذا تمت الخصخصة المستترة قبل زمن طويل من التجرؤ بإعلانها على الملأ!!