الانخراط مع سورية أم تطويقها
أمن جديد حقاً في التوجهات والتحركات السياسية الجارية باتجاه سورية؟ أهو خط ثابت لصياغة علاقات سياسية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، أم أن الأمر سحابة صيف وأشكال آنية تبقي على الأهداف نفسها؟ إن هذه وغيرها تساؤلات مشروعة، خاصة وأن كثافة التوجه نحو سورية يأخذ مسارات إقليمية ودولية عدة، وبات واضحاً أن وفوداً عديدة من الكونغرس الأميركي تتوارد إلى دمشق تباعاً بما فيها وفد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس والذي زار سورية في 21/2/2009، هذا بالإضافة إلى أن السناتور الديمقراطي المعروف وهو جون كيري كان في عداد القادمين إلى دمشق.
ولم يكن الأوربيون أقل اهتماماً بالتوجه إلى دمشق وبالتصريحات التي تعتبر أن السلام في المنطقة أمر غير ممكن دون سورية، ناهيك، وهو الأهم، أن الأوربيين قرروا توقيع اتفاق الشراكة مع سورية خلال هذا العام.
وطبيعي أن يلحظ المرء التوجه السعودي نحو دمشق حيث زارها الأمير مقرن بن عبد العزيز ونقل رسالة شفوية للرئيس بشار الأسد الذي يقال إنه سيزور المملكة السعودية خلال الفترة القريبة القادمة.
وهكذا فنحن أمام محاور ثلاثة تتحرك باتجاه سورية، حيث يعلن الأميركيون أن المسألة التي يريدونها هي «الانخراط مع سورية» وسط أحاديث عن قرب عودة العلاقات الدبلوماسية وتعيين سفير جديد للولايات المتحدة في سورية. وإذا توقفنا عند عدد من المؤشرات فإننا يمكن أن نتلمس مناخات ذلك حيث قالت كلينتون «إن الانخراط مع سورية يزيد من إمكانية إحراز تقدم في تغيير السلوك السوري». كما أنه بات معروفاً أن أوباما مهتم بصورة أساسية باستمرار الجبهة الأفغانية ساخنة وأن توجهاته تتمثل في زيادة سخونتها والتمركز العسكري عليها. لكنه وضع توجهات تبريد الساحات الأخرى بما في ذلك الساحة العراقية والعلاقات الإيرانية الأميركية وكذلك الصراع العربي الإسرائيلي.
طبيعي أنه ليس من الحصافة السياسية الرسمية ملاقاة ذلك بصورة سلبية، لكن ما ينبغي لحظه جيداً هو الطابع الآني للتوجهات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بحكم عوامل متعددة أهمها عمق التناقضات الراهنة، تلك التناقضات التي تتعمق مع مجيء الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي تحكمها بصورة أساسية التطلعات والأهداف الصهيونية المعروفة، والتي بات معروفاً أن حدودها الدينا الرفض الكامل لحق العودة والإصرار على القدس عاصمة لإسرائيل بما فيها القدس العربية والحفاظ على المستوطنات. وقد أضيف إلى ذلك هدف خطر جداً وهو «يهودية إسرائيل» والذي بدأت ترجمته في الواقع بأساليب ضد المدن الفلسطينية العربية في «إسرائيل» وذلك لتفكيكها وتهويدها وإرغام العديد من السكان العرب على البحث في وطن آخر.
وليس سراً أن التناقض الأميركي الإيراني أكثر استعصاءً، لكن الذي يلاحظ مختلف التوجهات الأميركية يرى أيضاً أن ما يتضمنه تصريح وزيرة الخارجية الأميركية إنما هو متابعة الهدف تحت الموضوعة المعروفة نفسها وهي «تغيير السلوك السوري» وأصبح معروفاً أن ملموسية ذلك تصل إلى تفكيك علاقات سورية بالمقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية وتفكيك العلاقات السورية الإيرانية. وهذه الفكفكة هي شروط إسرائيلية للانسحاب من الجولان وهو ما بات واضحاً في المحادثات غير المباشرة التي رعتها تركيا.
وإذا أمعنا النظر في التحرك الأميركي باتجاه روسيا والصين والهند والارتقاء بالعلاقات الأميركية الأوربية، فإننا نلامس توجهاً واضحاً لتشكيل أكبر اصطفاف دولي بهدف ممارسة كثيفة للضغط على سورية وعلى إيران. وطبيعي القول إنه إذا أحرزت إدارة أوباما نجاحات في أفغانستان وباكستان فإنها سترفع من مستوى ضغوطها، ولا غرابة إذا وصل الأمر بعد حين إلى أن تقلب إدارة أوباما ظهر المجن وتنهي فترة الدبلوماسية لتستخدم المطرقة العدوانية العسكرية.
إن اليقظة في المرحلة القادمة ضرورية. فما وراء الأكمة أهداف فاشلة، حيث الحقيقة هي تطويق دمشق وحراكها الممانع، وذلك تحت عناوين ملتبسة وجديدة، من أخطرها العنوان المتداول حالياً وهو «الانخراط مع سورية».