الثلاثاء الاقتصادي حول «مستقبل الطاقة في سورية».. د.عربش: رفع الدعم عن المشتقات النفطية قرار صائب!!
كان منتظراً من محاضرة «مستقبل الطاقة في سورية» التي قدمها د. زياد عربش في إطار ندوات الثلاثاء الاقتصادي التي تقيمها جمعية العلوم الاقتصادية، أن تتناول بعمق أكثر، ورؤية أوسع وأشمل، قضية الطاقة في سورية وأحوالها ومآلها والعقبات التي تواجهها، لكن اكتفاء المحاضر بتناول الظاهرة من السطح، واقتصار محاضرته على إيراد التفاصيل دون تحليلها، وإيمانه بما يقوم به القيمون على الشؤون الاقتصادية السورية، أفقدها أهم ما كان يمكن أن يمنحها الرصانة والدقة، ونعني: الموضوعية.
د. عربش بدأ محاضرته بالتأكيد على أن قطاع الطاقة ما يزال قطاعاً جوهرياً على المستوى العالمي والتوازنات الكلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية..الخ، فقطاع الطاقة حسب رأيه ما يزال المحرك الأول للكرة الأرضية بمجمل نشاطها.
وأشار د. عربش إلى ما يواجه العالم من أزمات، معيداً إياها إلى منشأ طاقوي، إذ اعتمد الغرب في تحقيق معدلات نموه الكبيرة وتحقيق البحبوحة والطمأنينة على الاستهلاك الجائر لمصادر الطاقة، وهذا الاستنزاف للطاقة ولد أزمة غذاء ولدت بدورها أزمة مال، ولهذه الأزمات، علاقة ب«التنمية الشاملة على مستوى الكرة الأرضية»، فخلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية استهلك العالم من موارد الطاقة ما استهلكته البشرية خلال 500 عام. والمفارقة الكبيرة التي يعيشها العالم اليوم، هي في أن سمة الاقتصاد العالمي المعاصر الأشد وضوحاً أنه اقتصاد رقمي متطور أو معرفي، وهو يساعد على إنتاج الحبوب مثلاً بالمليارات بحيث تكفي البشرية جمعاء لمئات السنين، ولكن رغم ذلك، فإن هذا التطور التكنولوجي في الاقتصاد وهذا النمو الذي تم تحقيقه في تقنيات الإنتاج (في كل المجالات) أدى إلى أزمة في الغذاء والطاقة والمال!.
استخدم د. عربش مصطلح «الليبرالية الفجة» تيمناً بالراحل عصام الزعيم لوصف الجهات التي عمدت إلى استنزاف الموارد الطاقوية لتحقيق معدلات نمو اقتصادي كبيرة بصورة عاجلة، متبرئةً من النظر نحو آثار ذلك الاستنزاف في المستقبل. وأشار د. عربش إلى صعوبة تنبؤ أصحاب القرار السياسي بأسعار النفط وما أدى إليه من تخبط في وضع السياسات، ولكنه تابع بالسؤال عما يمكن فعله إذا ما تيسر لصناع القرار معرفة مستقبل هذه الأسعار، وميّز بين ثلاثة أنواع من التعامل مع الأزمات:
الأول: سلوك النعامة الذي تعبر أمامه الأزمات دون أن يدري، وأعطى مثالاً على ذلك في قمة الكويت التي جاءت بعد أن مني الخليج العربي بخسائر مالية جراء الأزمة فاقت 400 مليار دولار، ورغم ذلك اكتفت البلدان العربية بالدعوة إلى اجتماعات تالية لمناقشة آثار هذه الأزمة وتبعاتها، وهذا ما حصل أيضاً في القمم الدولية (السبع والعشرون ودافوس).. وعزا د. عربش هذا النوع من السلوك إلى انعدام جرأة صناع القرار على اتخاذ القرارات الحاسمة في الأوقات المناسبة.
السلوك الثاني هو سلوك الإطفائي الذي يلجأ فيه صناع القرار إلى إطفاء الأزمة لكن دون اتخاذ إجراءات كفيلة بمعالجة أسبابها الحقيقية..
وثالثاً هناك سلوك تجنب الأزمات أي حين تتم ملاحظة مجريات الواقع واتجاهات مسيره بما يمكن من وضع حلول وبدائل مستقبلية كفيلة بحل المشاكل المتوقعة..
أما السلوك الذي رآه د. عربش الأفضل والأصعب فهو التحريض على التغيير قبل وقوع الأزمة لتفاديها بدل انتظار وقوعها ثم وضع الحلول، وهذا يتم حسب رأيه مثلاً بتوعية الناس إلى مخاطر هدر الطاقة وتشجيعهم على استخدام موارد الطاقة البديلة المتجددة.
وتطرق د. عربش إلى الأمن المجتمعي المتعلق بالأمن الطاقوي والمائي والغذائي والبيئي والأمن السكاني الاجتماعي على مستوى ثقافة المجتمع، إضافة إلى الأمن التكنولوجي، ويرى الباحث أن هذه المحاور ترتبط معاً تحت عنوان التنمية الشاملة المتوازنة على المستوى الجغرافي وعلى المستوى الزماني (متوازعة بين الأجيال)، ليتساءل عما ينفقه المواطن السوري على قطاعي الصحة والثقافة أمام ما ينفقه على قطاعي الاتصالات والنقل الخاص؟!.
وفيما يتعلق بسورية اعتبر د. عربش أن السؤال الجوهري الذي لابد من طرحه هو كيف يمكن تلبية الحاجات الطاقوية مع المحافظة على تحقيق النمو الاقتصادي المستدام؟! وهنا هلل د. عربش مرحباً بالنمو الذي حققه الفريق الاقتصادي، عادّاً هذا النمو الذي حققه الاقتصاد السوري بين عامي 2003 و2007 كبيراً وإيجابياً وجيداً، مبدياً إعجابه بهذا الإنجاز والذي قدره ب7% كونه تحقق في ظروف الانتقال إلى نهج اقتصادي جديد هو نهج اقتصاد السوق الاجتماعي (يفضله الباحث على ما يبدو من كلامه)! ولكنه اعتبر هذا النمو قليلاً في مقابل ما بذل من طاقة وقدّره ب10%.
وعن قرار الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية وهو ما وصفه د. عربش برفع أسعار الطاقة، قال إنه كان قراراً صائباً لأنه أجبر الصناعيين وأصحاب الورش الصغيرة على تخفيض استهلاك المازوت، أي تخفيض هدرهم للطاقة مما أدى إلى خفض استيراد الفيول بنسبة 40%، وهذا ما رآه د. عربش «شغلة كبيرة» دون أن يستفيض في شرح وجهة نظره كاملةً لأنه لا يحب الدخول في السياسة!.