الثلاثاء الاقتصادي يبحث واقع الصناعة وخطورة خفض سعر الصرف
«هل نعيش في سورية خارج مجريات العالم؟ كيف يمكن لبعض الجهات أن تصرح بأننا غير متأثرين بالأزمة العالمية؟ وكيف يطرح موضوع تغيير سعر صرف الليرة؟.. إن ما يجرح الفهم في كل ما يجري هو القول إننا لسنا متأثرين بالأزمة، وأن تستقدم الحكومة خبيراً أجنبياً لسؤال نصحه فيما يخص البلد!.. أليس الخبراء الاقتصاديون السوريون أدرى بشعاب اقتصادهم؟!»..
هكذا، بدأ د.كمال شرف رئيس جمعية العلوم الاقتصادية السورية كلامه مترئساً ندوةً خصصتها الجمعية لبحث واقع الصناعة السورية في ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث قدم كل من الأساتذة فؤاد اللحام وخليل نيازي والمهندس محمد الشاعر أوراقاً تعرضوا فيها إلى أزمات الصناعة السورية تاريخياً وحتى الوقت الراهن. وتقاطعت الأوراق في عدة نقاط ربما كان أبرزها التأكيد على أن الحكومة تتكلم وتعد الصناعة بظروف أفضل لكن دون تطبيق شيء من عناوينها.
منافذ تأثير الأزمة
وتحدث المحاضرون عن الانعكاسات المتوقعة على الصناعة نتيجة الأزمة العالمية التي أكدوا أن لها منافذ عديدة للدخول إلى الاقتصاد السوري، وقد حدد الأستاذ فؤاد اللحام أهمها بـ:
ـ التصدير؛ والذي رأى اللحام إنه سيتراجع بناءً إلى عدة عوامل يمكن اختصارها بتقلص الأسواق المستوردة للمنتجات السورية نتيجة الأزمة، واستعار المنافسة العالمية على الأسواق المحدودة الباقية لتصريف المنتجات..
ـ الطلب المحلي؛ إذ يؤدي انخفاض القدرة الشرائية للمواطن السوري لتراجع استهلاكه، واقتصار نشاطه الشرائي على السلع الضرورية، ما سيؤدي لتراجع شامل في شراء المنتجات المعمرة بشكل أساسي..
ـ سعر الصرف؛ وهنا أشار اللحام إلى ما اقترحه بعض المسؤولين السوريين حول دراسة تخفيض قيمة الليرة السورية لتخفيف آثار الأزمة على الصناعة السورية، ورأى أن هذا الأسلوب في ظل الأوضاع الحالية للصناعة والاقتصاد السوريين وخاصةً أن سورية تستورد أكثر مما تصدر، يجعل تحقيق الأهداف المرجوة من التخفيض غير مضمونة ومحفوفة بمخاطر جسيمة، لأنه سيرفع من كلفة الاستيراد وسينعكس على أسعار مدخلات الإنتاج وأسعار جميع السلع والخدمات ويزيد من ضعف القدرة الشرائية ما يفقد هذا الإجراء المزية التي يأملها البعض منه..
ـ إدارة المنشأة الصناعية؛ ورأى اللحام أنها لا تكفي بمفردها لتحقيق مواجهة الأزمة، بل لابد من تضافرها مع الجهود الحكومية عبر السياسات والإجراءات المساندة لتحقيق الهدف المطلوب.
الحكومة تعد ولا تنفذ
من جانبه رأى الصناعي خليل نيازي أن الفرق بين الاقتصاد السوري وبين الاقتصادات المتطورة هو أن القائمين على دعم الصناعة في البلدان المتقدمة لا يكتفون بالكلام وإنما يطبقون ما يتكلمون به ويسعون لتحسين الظروف الاقتصادية في بلدانهم. فالنظريات كثيرة لكن من يطبقها في سورية قليلون جداً..
ودعا نيازي لتطبيق الحمائية لمصلحة المنتجات الصناعية الوطنية في ظل ما تتعرض لها السوق السورية من انتهاك سلعي تحت عناوين مختلفة، خاصةً مع الانفتاح على البلدان العربية، ودعا للمعاملة بالمثل مع بعض البلدان، وطالب بتخفيف الفائدة على القروض الصناعية لتشجيع الاستثمار الصناعي، وتخفيف الأعباء المالية على الصناعيين ليتمكنوا من تجاوز المحن التي يعانونها، ونوه إلى ضرورة الابتعاد عن المديح لكل ما يصدر عن الحكومة حتى وإن كان جيداً، ودعا الصناعيين للالتزام بالتأمينات الاجتماعية لأهميتها بالنسبة للمجتمع السوري، رافضاً تخفيضها كونها تمثل صمام الأمان الأخير للعمال بعد تقاعدهم.
أزمات الصناعة السورية
المهندس محمد الشاعر رأى أن الأزمة طالت القطاع الصناعي في سورية من عدة نواح، أبرزها انخفاض القوة الشرائية للمواطنين وانخفاض معدلات التصدير إلى البلدان التي أصابها انكماش اقتصادي، خاصةً في ظل استعار التنافس بين المنتجات العالمية للتصريف في الأسواق التي حافظت على مستويات استهلاك قابلة للاستثمار، ورأى أن شروط الإقراض ستصبح أشد على المستثمرين ما سيعيق أعمال الاستثمار ويؤدي لخفض التمويل، وبالتالي تراجع معدلات الاستثمار إن عالمياً أو محلياً. وعرض الشاعر لما قامت به بعض مواقع الدراسات الاستقصائية مبيناً تراجع النشاط الاقتصادي السوري عموماً وتراجع معدلات التصدير وانخفاض الثقة بما ستؤول إليه الأوضاع خلال الأزمة وبعدها.
وأشار الشاعر إلى أن الصناعة السورية تعرضت لأزمات متعددة منذ تحرير التجارة مع الدول العربية، كانت أولاها أزمة الانفتاح غير المتوازن حيث حررت التجارة مع عدم أخذ بمنظومة القوانين والتشريعات الضابطة للممارسات الضارة في ظل التحرير، وأزمة ارتفاع أسعار النفط والمشتقات الزراعية، يضاف إليها رفع الدعم عن حوامل الطاقة والذي يعتبر أزمة لأنه جاء على شكل قفزة كبيرة، ثم جاءت الأزمة الحالية بذيولها الاقتصادية والاجتماعية، وبهذا شهدت الصناعة السورية أزمات فوق أزمات، ولكنها ما تزال صامدة وباقية.
وأنهى الشاعر كلامه بالإشارة إلى أن ما فعلته الحكومة لدعم الصناعة لم يكن استجابةً للأزمة وإنما هو ما كان يتوجب عليها فعله منذ زمن لتلبية احتياجات الصناعة ودعم مسيرتها، ورأى أنه من الضروري ابتعاد الصناعيين عن ردود الفعل واستبدال ذلك بالتفكير الاستراتيجي للحفاظ على الأسواق التي تستورد منتجاتهم والبحث عن أسواق جديدة، والعمل على خفض تكاليف الإنتاج دون المساس بالجودة.
مقترحات الندوة
اقترح كل من الأساتذة اللحام ونيازي حلولاً وإجراءات من شأنها التقليص من انعكاسات الأزمة على الصناعة السورية وربما النهوض بواقعها، واختصر الصناعي خليل نيازي هذه الإجراءات بتطبيق قانون حماية الصناعة الوطنية والإغراق، والتأكيد على ضرورة تطبيق التعرفة الجمركية على المستوردات، وتشجيع التصدير عبر خلق هيئة للمصدرين، وتخفيض أسعار الطاقة، وتسهيل القروض المتضرريبن من الصناعيين..
أما فؤاد اللحام فطالب الحكومة بالإسراع في اتخاذ الإجراءات التنفيذية للقرارات، ومنح التسهيلات المالية اللازمة للمصدرين لإقامة المصانع، والتشدد في تطبيق قواعد المنشأ بالنسبة للبضائع المستوردة وقوانين الاستيراد والمواصفات، وشدد على ضرورة الإسراع في إحداث صندوق التحديث الصناعي. وحذر في نهاية تقديمه من التأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم الصناعة السورية لما له من تأثيرات سلبية مدمرة.
على الهامش
دعا د.كمال شرف المتداخلين لمناقشة ما يروج إليه البعض في الحكومة حول تخفيض سعر صرف الليرة السورية بحجة دعم الصادرات، وأشار إلى أن موضوع سعر صرف الليرة هو موضوع في غاية الأهمية، وبين أن العادة جرت ألاّ يطرح موضوع مماثل للنقاش العام لأن إحدى نظريات قبول النقد هي النطرية النفسية التي تعتمد بجزء أساسي منها على الشائعات. وأعرب د.شرف عن استغرابه لما بدر عن البعض في الحكومة قائلاً: كيف سمحوا لأنفسهم بطرح موضوع تخفيض قيمة النقد؟ حتى وإن كان ذلك يتعلق بغرض تشجيع الصادرات الصناعية!.
ونزولاً عند رغبة رئيس الندوة قدم د. حيان سليمان مداخلة تطرق خلالها إلى الموضوع فقال: «إن الإساءة لليرة السورية هي الإساءة لأحد مرتكزات هذا الوطن، العملة السورية تحمل هوية الوطن وليس بهذه البساطة يمكن أن يقاد موضوع تحرير سعر الصرف، لقد اعتبرتها مزحة في البداية لكن بالحقيقة عندما اتهم حاكم مصرف سورية المركزي - ولست من المعجبين به- عندما اتهم أول من اقترح التعويم بنوع من الهلوسة وكان في جوابه موفقاً، وأعتقد أن وراء هذا الموضوع يكمن الجهل المطبق في مبادئ ألف باء الاقتصاد.. نحن في بلد مستورداته أكثر من صادراته ويعتبر التلاعب بالليرة السورية إساءةً ستؤدي بنا إلى الجحيم.. عندما قرأت التصريح شعرت بنوع من الإشمئزاز وحتى القرف!».
وبدوره قال غسان قلاع: «إن أكبر خطر نواجهه الآن في الوضع الاقتصادي الراهن هو البحث في موضوع تخفيض سعر الصرف، إن سعر الليرة هو قدس الأقداس ويجب ألا يمس وخاصةً في هذه الفترة».