د. سمير العيطة في الثلاثاء الاقتصادي: «عقد العمل» شريعة المتعاقدين.. هذا ما لم يفعله جورج بوش!
بعد تقديمه نظرة عامةً حول الأزمة العالمية وتطرقه لبعض ما جاء به اجتماع مجموعة «العشرون»، بدأ رئيس تحرير النسخة العربية من المجلة الفرنسية «اللوموند دبلوماتيك» د. سمير العيطة محاضرته، ولكن دون التزام واضح بالعنوان الذي حددته جمعية العلوم الاقتصادية السورية بـ«التشغيل وحقوق العمال في سورية والبلدان العربية انطلاقاً من اتفاقيات تحرير التجارة».
استهل العيطة كلامه بالتأكيد على أن مشكلة البطالة ليست مشكلة رقمية فحسب، بل هي أهم مشكلة تواجه الاقتصاد، وتابع: إن أول ما يمكن ملاحظته حول أوضاع التشغيل والبطالة في سورية انطلاقاً من إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء ومسح سوق العمل، هو التباينات الكبيرة جداً في الأرقام بين سنة وأخرى، وطبعاً كل الناس في سورية يعرفون أن نسبة تقدير البطالة كانت 11% عام 2001، بينما كان الرقم الرسمي الذي طرحه عبد الله (الدردري) 8.5%، وهذا شيء غير معقول، ولكن رغم ذلك ما الذي تحقق بين 2001 واليوم؟! لقد دخل إلى البلد 1.5 مليون عراقي ألا يوجد أثر لهم على سوق العمل؟! وخرج العمال السوريون من لبنان، أليس لذلك أثر أيضاً؟! انتهاج سياسات التحول الاقتصادي إلى اقتصاد السوق، أليس له أثر على سوق العمل؟! عامان من الجفاف مرا على سورية، ما تأثيرهما على سوق العمل؟! مع حجم المتغيرات التي حدثت خلال السنوات القليلة الماضية لا يعقل معه القول إن البطالة في سورية انخفضت.. وذلك ليس بحاجة إلى الأرقام لتأكيده!.
أرقام مطلوبة
انطلاقاً من المشاركة، ومن الرقم الدال على عدد فرص العمل الموجودة في سورية- والإحصاء في عام 2007 الذي يبين وجود 4946000 مشتغل، انطلاقاً من هذا، ومن أجل الوصول إلى معدل بطالة 11% عام 2015، فكم فرصة عمل يجب خلقها؟!
إنها مسألة غاية بسيطة، والمطلوب هو: 257 ألف فرصة عمل سنوياً للسوريين المقيمين وحدهم، 324 ألف سنوياً، إذا ما أضفنا الفلسطينيين إلى السوريين، و353 ألف سنوياً إذا أضفنا إلى السابق العراقيين. هذا هو حجم المشكلة في سورية. والنقاش العام يدور حول ما يتراوح بين 200 و300 ألف فرصة عمل سنوياً، ولكن أتصور أن هذه الأرقام تعطي أرقاماً أكثر دقةً في هذا الصدد.
ماذا حققت الحكومة؟
هنا قال المحاضر: أصدق أرقام العمل أكثر من أرقام المشاركة، فإذا حسبنا العاملين ستكون الأرقام دقيقةً أكثر منها في حالة حساب أرقام من يحق له العمل. وحسب الإحصاءات الرسمية في سورية يتبين أنه بين عامي 2001 و2006 تم خلق 216 ألف فرصة عمل- أي بنسبة 36 ألف فرصة سنوياً، والمطلوب هو 250 ألف-، والأمر الآخر أنه في عام 2003 هناك 350 ألف إنسان فقدوا وظائفهم، وفي عام 2004 سجل فقدان 130 ألف وظيفة أخرى تقريباً. وبالدخول أكثر في التحليل يتضح أن الخروج من العمل كان من نصيب الفئات الأصغر عمراً- أي ما دون 25 عاماً- وليس هناك مبرر لانتزاع هذه الفئة العمرية من العمل، ولا إشارة إلى ذهابها إلى مكان آخر.
وأوضح العيطة: لقد خلقت الحكومة 216 ألف وظيفة نصفها للنساء، وبما أن النساء هن أكثر الفاقدين للوظائف بعكس الوضع السوري وبعكس الـ«ISMF» الذي وجه الكثير من الانتقادات والتحاليل والتقارير حول التوظيف الحكومي- أنا لست مع التوظيف الحكومي، ولكن ما لم يكن هناك توظيف حكومي فإنه لن يكون هناك توظيف للنساء، وهذه مشكلتنا في سورية-. وخلق القطاع النظامي في سورية نحو 77 ألف فرصة عمل للرجال، بينما خسرت النساء 157 ألف فرصة عمل، وهذا حسب الإحصاءات الرسمية. والقطاع غير النظامي خلق 179 ألف وظيفة، أي هو الذي خلق 69% من الوظائف الجديدة، والقطاع غير النظامي هنا هو غير المؤسس كشركة، والعمل غير النظامي هو العمل خارج العقد. ومن المفارقات الكبيرة في سورية اعتبار أن قطاع الخدمات لا يحتوي على عمل غير نظامي، مَن يصدق أن العمل غير النظامي غير موجود في قطاع الخدمات؟!.
بالنسبة للسوريين المقيمين في عام 2007، كان إجمالي نسبة البطالة هو 22.6%؛ وبالتفصيل؛ نسبة البطالة بين الرجال 17.5% وبين النساء 53%، وهذا الإجمالي طبعاً دون حساب الفلسطينيين والأكراد (غير المجنسين) أو العراقيين، وبحسابهم يكون الإجمالي 30.3%.
وبعد أن تطرق إلى معدلات عمالة الأطفال المنخفضة نسبياً في سورية، مضى العيطة إلى واقع الهجرة ومعدلاتها في سورية قائلاً: إن أحدى المشكلات الأساسية هي حساب نسبة الهجرة، وهناك دراسة لتاريخ الهجرة ومعدلاتها من سورية خلال القرن العشرين، وتعطي الأرقام التالية: 0.3% في أدنى حالات الهجرة السنوية؛ 1% تقريباً من السوريين يهاجرون سنوياً عند وجود الأزمات، وبذلك يكون الوسطي السنوي للهجرة من سورية هو 0.7% من السكان.
أما حجم الهجرة الكلية من السكان الذين هاجروا فيقدر بـ 15.7%، ومع توالدهم يمكن تقدير عدد المهاجرين السوريين بـ 10 مليون، وهناك معطيات عن الهجرة صدرت عام 2000 تقول إنه نحو 80 ألف سوري يهاجرون سنوياً.
أسئلة تبحث عن إجابات!
في نهاية محاضرته قدم الباحث عدداً من الأسئلة التي رأى أن الإجابة عليها قد تشكل الحل لواقع العمل والتشغيل في سورية، وحدد أسئلته بـ: كيف يتم تقيم سياسات تشجيع الاستثمار والتحول الاقتصادي؟.. وأجاب: يجب أن يتم على أساس التشغيل!؛ وكيف تتم معالجة المسألة التي تبدو جدية في موضوع الزراعة؟؛ ما الدرس الذي يجب أخذه عن تجربة هيئة مكافحة البطالة؟.. ورأى أن الحل هو التخلي عن الموضوع والالتفات إلى نحو بعض الأعمال الخيرية!؛ هل من سياسة إيجابية لخلق فرص العمل؟.. وكان تعليقه حول هذا السؤال: يوجد سياسات عمل إيجابية منها تثبيت العمل في القرى، ولكن..؟؟!.
ثم تساءل المحاضر: هل السياسات الإيجابية هي فقط في القروض المتناهية الصغر؟!.. وتابع: يجب أن يكون هناك تعويضات بطالة، وليس الموضوع هو أن تقدم القروض للمتعطلين وتتركهم، فهذا من وحي الليبرالية، إن الدستور يضمن الحق في العمل وليس «حق العمل»!. وتابع متسائلاً: أليس من الضروري إطلاق سياسات استثمارية غير تضخمية وتشغيلية؟!.. وأوضح أن كل البلاد تواجه زيادة في معدلات البطالة..
قانون العمل
وتطرق المحاضر إلى قانون العمل الذي تجري دراسته حالياً في سورية قائلاً: يتم الحديث في قانون العمل الجديد حول الحركية في العمل، ولكن السؤال الأساسي هنا: ما هي الحركية المطلوبة؟ هل هي مزيد من الهشاشة في أوضاع العمل- عقد العمل شريعة المتعاقدين وهو ما لم يفعله جورج بوش-، أم حركية اجتماعية؟!.. إن أحدى المشكلات الأساسية في سورية هي حركية العمل، فمن يريد الانتقال مثلاً من حلب إلى الشام يحتاج على سبيل المزاح 15 يوماً من التفكير قبل التنفيذ!. وتابع: لماذا يحرر عقد العمل ولا تحرر حقوق العمال؟!.. وأعني بالتحديد الحق في التنظيم والإضراب، حرروا عقد العمل ولكن حرروا أيضاً العمال!.. لماذا لا تطبق الحكومة الدستور فيما يتعلق بـ«حق العمل»؟! ولماذا لا تطبق القانون فيما يتعلق بـ«التأمينات الاجتماعية»؟!... فحتى في القطاع النظامي 20% فقط يدفعون التأمينات الاجتماعية!.
وأنهى العيطة محاضرته بالتساؤل: متى نصل إلى مستوى المسؤولية في موضوع البطالة؟؟