الزراعة السورية على وشك الانهيار
هي عصب الاقتصاد السوري، ورغم الهجوم الذي يشن عليها من كل حدب وصوب ما تزال صامدة بفضل الكادحين العاملين بها.. إنها الزراعة: الضمانة، ونقطة الارتكاز الأساسية لتحقيق قاعدة الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي، بما يساهم في تعزيز الصمود الوطني..
الزراعة التي مازالت تساهم رغم كل الضربات التي توجه إليها بنحو 27 بالمائة من الناتج المحلي، والتي يعمل بها بشقيها الحيواني والنباتي أكثر من 30 % من الأسر السورية، 11% منهم في المجال الحيواني، أخذت بالتراجع كثيراً في الآونة الأخيرة، وانخفض الإنتاج الزراعي بشدة بسبب غلاء مستلزمات الإنتاج بنسب فاقت بالحدود الدنيا معدل الـ100%، كل ذلك بفضل السياسات الحكومية (المدهشة) التي بغض النظر عن نواياها، أدت إلى تهميش و(تطفيش) العاملين في القطاع الزراعي، وكأنما هدف السياسات الحكومية تيئيس الفلاحين ودفعهم لهجر أراضيهم وحقولهم بعد أن أصبح عملهم غير مجدٍ فيها..
تراجع خطير
من يتتبع مسيرة الزراعة في سورية، يجد أنها خسرت في السنوات الخمس الأخيرة معظم ما حققته طوال ثلاثة عقود من التعب والمثابرة والجد.. فقد تراجع إنتاج القمح من 4.7 مليون طن عام 2007 ليصل إلى نحو 2.2 مليون عام 2008، كما تراجع محصول الشعير من 2 مليون طن عام 2001 ثم إلى 527 ألف طن عام 2004، ليصل إلى نحو 200 ألف عام 2008. كما أن إنتاج القطن ليس أفضل حالاًً، فبعد أن وصل حجم الإنتاج إلى 1.1 مليون طن عام 2000، تراجع بشدة في أقل من عقد بشكل متواصل ليصل إلى 600 ألف طن عام 2008، (حسب ما ذكر مدير إدارة بحوث القطن في سورية محمد نايف السلتي).
من جهة أخرى، تراجعت الثروة الحيوانية كثيراً في الفترة ذاتها، فقد هبطت أعداد الأغنام من 22.8مليون رأس في عام 2007 إلى 15.9 مليون رأس في عام 2008، أي أننا خسرنا 6.9 مليون رأس من الغنم، كما خسرنا في الفترة نفسها نحو نصف مليون من ذكور الماعز، في الوقت الذي ذكر فيه مدير الزراعة في اللاذقية المهندس حسان بدور أن الثروة الحيوانية انخفضت خلال الأربع سنوات الأخيرة من 42 ألف رأس من الأبقار إلى 28 ألف رأس.
بالمحصلة، فإن سورية التي غذت السير باتجاه تحقيق أمنها الغذائي منذ بداية عقد السبعينات، وتسنى لها ذلك منذ أواخر الثمانينات (1988 -1994)، وقامت بتصدير القمح في عام 1994معلنة بدء مرحلة الاكتفاء الذاتي، يضاف إليه تصدير مئات آلاف أطنان الحبوب الزراعية الأخرى (الشعير، القطن، العدس وغيرها).. أصبحت اليوم بعد مرور 20 عاماً من التطور الزراعي واستخدام أحدث أساليب الإنتاج، أمام أزمة اكتفاء مرتقبة، لكنها دائمة، حيث أكد معاون وزير الاقتصاد والتجارة السوري غسان العيد مطلع العام الحالي في أحد تصريحاته، أن البلاد تمتلك مخزوناً من القمح يكفيها لموسم عام 2009 المقبل فقط، كما أننا رأينا في عام 2008 بلدنا وهي تمد يدها للاستيراد من الخارج، بكل ما يعنيه ذلك من الخضوع للكثير من شروط هذا (الخارج)، وكلنا سمع أحد المسؤولين يصرح مع الحصاد الهزيل للموسم السابق: «نريد القمح من أي مصدر كان وبأي ثمن»!!.
إجراءات منقوصة للتعويض
أما بالنسبة إلى أرقام الدعم المتوقعة التي سيقدمها الصندوق الزراعي، فلا مفر من السؤال: هل هذه الأرقام ستكون قادرة على سد الفجوة الكبيرة التي سببها رفع أسعار المازوت 300 % ووصول سعر الليتر إلى 20 ليرة سورية؟؟ وهل ستكون أرقام الدعم قادرة على تغطية التكلفة الإضافية الناتجة عن تحرير أسعار السماد بنسبة وسطية وصلت إلى 200 %؟؟ حيث يقدر متوسط سعر الطن الواحد من السماد بعد هذا الارتفاع بـ 25 ألف ليرة سورية مقابل 8400 ل.س قبل هذا الارتفاع.
فإذا ما أردنا دراسة هذا التأثير على أسعار الإنتاج يمكن القول: إن المازوت يشكل 20 % من قيمة التكلفة الإجمالية للزراعات البعلية، و35 % من تكلفة الزراعات المروية، والسماد يشكل هو الآخر حوالي 10من التكلفة الإنتاجية، وبالتالي فإن أي رفع لأسعار هاتين المادتين يؤدي إلى مضاعفة تكاليف الإنتاج، والتي سرعان ما ستنعكس على سعر المنتج.
بلغت تكلفة إنتاج كيلو غرام واحد من القمح المروي عالي الإنتاج في عام 1998 نحو 10 ليرات سورية، كما كانت تكلفة إنتاج الكيلو غرام الواحد من القمح القاسي عادي بعل خلال الفترة ذاتها ما يقارب 11 ليرة سورية، في هذا الوقت الذي كان فيه سعر الليتر الواحد من المازوت 7 ليرات سورية أو ما يقل عنه بفارق 300% عن أسعاره الحالية، كما كان متوسط سعر طن السماد بحدود 6000 ليرة سورية بفارق 400 % عن الأسعار الحالية أيضاً، أي أنه عملياً ومنطقياً بعد هذا الارتفاع بهاتين المادتين نصل إلى تكلفة فعلية لإنتاج الكيلو غرام الواحد من القمح لن تقل عن 30 ليرة سورية إن لم نقل أكثر، بفارق 20 ليرة سورية عن عام 1998، علماً أن الدولة تقوم باستلام الكيلوغرام الواحد من القمح القاسي بسعر 20 ل.س، والقمح الطري بـ19.50 ل.س.
والدولة تقول إنها ستقوم بدعم القطن بـ 2500 محروقات لكل دنم +6500 دعم سماد + 42 ليرة سعر الكلغ أي 50 ليرة دعم لكل كغ.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن قيمة المحروقات لري دونم واحد 12 مرة 500 × 12 = 6000 ل.س، ويكون مجموع الكلفة في الموسم الكامل للدونم الواحد بالليرة السورية كما يلي:
• التكلفة الثابتة (بئر+ مضخة+ محرك) 333 ل.س.
• فلاحة أولية (سكة أو قرصي منحرف) 200ل.س.
• تبريد الأرض وتهيئتها بالديسك 60ل.س.
• تنعيم الأرض بهارد بإطارات مطاطية 25ل.س.
• جلي الأرض وتسكيبها تمهيداً للسقاية60ل.س.
• قيمة البذار للدونم الواحد (12 كغ×40) 480ل.س.
• الزراعة بواسطة بذّارة القطن 40ل.س.
• مبيدات أعشاب للدونم الواحد 200ل.س.
• سماد للدونم الواحد (40 كغ×25 ) 1000 ل.س.
• تكلفة السقاية (12 رية ×500)6000 ل.س.
• قيمة زيوت للمحرك والمضخة 600 ل.س.
• تفريد وتعشيب أولي (أجور عمال فقط) 1250 ل.س.
• أجور نقل العمال (جلب وتوصيل للبيت) 585 ل.س.
• تفريد وتعشيب دفعة ثانية 1835 ل.س.
• أجور قطاف (6 × 400 كغ/دونم) 2400 ل.س.
•قيمة الشلول (3 شلول/دونم × 80) 240 ل.س.
• أجور تحميل (60 ليرة للشل الواحد × 3) 180ل.س.
• أجور نقل (100 ليرة للشل الواحد×3) 300 ل.س.
• مصاريف مختلفة للمتابعة وتأمين العمل 335 ل.س.
• أجور الأرض (بدل ضرر أو ضريبة نفع 200 ل.س.
• مجموع المصاريف السابقة 16323 ل.س.
• مجموع تكاليف الإنتاج للدونم الواحد 16948 ل.س.
وإذا علمنا أن إنتاج الدونم الواحد في الجزيرة وسطياً يبلغ 400 كغ من القطن، والحصة المتعارف عليها للجنّان (عامل السقاية) هي 13 % من الإنتاج، أي حوالي 52 كغ، وتبقى الحصّة النهائية للفلاح من إنتاج الدونم 348 كغ. وتكون تكلفة الكيلوغرام الواحد 16948÷ 348=48.70 ل.س، أي أن هذا الدعم المقدم من الحكومة غير قادر في هذه الحالة سوى على تغطية تكلفة الإنتاج دون أن تضع في حساباتها الأرباح التي يجب أن يتقاضاها الفلاح بعد عذاب دام لعام كامل، بينما تقدر تكلفة إنتاج الدنم الواحد من القطن في الغاب بـ 1810 ليرة سورية، بزيادة 8 % من تكلفة الإنتاج مقارنة بالجزيرة، مما يعني أن تكلفة الكيلو غرام الواحد من القطن تفوق 50 ليرة سورية، أي أن الدعم المقدم من الحكومة بمختلف أشكاله غير قادر حتى على تغطية تكاليف الإنتاج.
بعض ملامح المؤتمر السنوي لاتحاد الفلاحين
شهد المؤتمر السنوي لاتحاد الفلاحين قيام رؤساء الاتحادات الفلاحية من المحافظات كافة بتوجيه انتقادات حادة ضد الحكومة وقراراتها وسياساتها في المسألة الزراعية، وخصوصاً في مسألة تحرير أسعار الأسمدة الذي أدى لزيادة تكلفة الإنتاج على الفلاح في فترة حساسة من الموسم... ولكن المداخلين تعدوا ذلك، ووضعوا ملاحظات كثيرة على نقاط مختلفة..
رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها أكد أن ردم الآبار هو خط أحمر، لأنه يحول الفلاحين إلى مشردين كما حال إخوتهم في المحافظات الشمالية، وأشار إلى خطورة محطات تحلية مياه الصرف الصحي التي تحولت إلى ملوث دائم لمياه الآبار.
أما رئيس اتحاد فلاحي طرطوس فأبدى تذمراً شديداً من موجة الاستملاكات التي تجتاح المحافظة، وحذر من أن يصل الفلاحون إلى وقت لا يجدون فيه أرضاً لزراعتها.