ندوة حول إشكالية التشاركية بين العام والخاص.. د. عابد فضلية: التشاركية هي خصخصة صامتة للاقتصاد الوطني ككل!
قدم د. عابد فضلية المحاضرة ما قبل الأخيرة هذا العام لجمعية العلوم الاقتصادية السورية تحت عنوان «إشكالية التشاركية بين العام والخاص والبعد الاجتماعي للتشاركية» متوصلاً لنتيجة أن التشاركية في خلاصة الأمر هي خصخصة صامتة للاقتصاد الوطني ككل..
الشراكة.. والخصخصة
أوضح د. فضلية أن الحكومة تدرك وجود متطلبات واحتياجات أساسية لابد من توافرها لإنجاح تجربة الشراكة بين العام والخاص في سورية، وقد بدأت العمل فعلياً على توفير معظمها، ومنها إعداد وثيقة سياسية وطنية للتشاركية، ووضع إطار قانوني ومؤسساتي خاص بها، إلى جانب إجراء التعديلات المطلوبة للتشريعات الناظمة للقطاعات المستهدفة (كهرباء، مياه، نقل)، ووضع برنامج واضح وشفاف ومحدد زمنياً لمشاريع الشراكة وتحديد المشاريع ذات الأولوية، إضافةً إلى وضع واعتماد مواصفات قياسية ومعايير واضحة لجودة البنى التحتية والخدمات العامة، والتعاون مع المؤسسات والجهات الدولية ذات الصلة للحصول على كل أشكال الدعم الممكن (فني، تمويلي، استشاري، لبناء القدرات وإنجاح تجربة الشراكة في سورية، ناهيك عن حشد الدعم الشعبي ونشر مفهوم الشراكة في مختلف الأوساط والترويج للشراكة محلياً وخارجياً.
وأوضح د. فضلية أن الوثيقة التي قدمها النائب الاقتصادي أشارت إلى أن الحكومة تعمل على إعداد إطار تشريعي وقانوني متماسك للشراكة، بحيث يتسم بالوضوح والشفافية بما يمكن القطاع الخاص من المساهمة والمشاركة في تمويل إنشاء وتشغيل مرافق البنية التحتية، كما أشارت الوثيقة إلى أنه يجري العمل على وضع الإطار المؤسساتي والهيكل التنظيمي بما يضمن التنفيذ السليم للمشاريع وفق أسلوب الشراكة، وستكون من ثلاثة مستويات؛ استراتيجي، تنفيذي، عملياتي.
وبعد ذلك تناول د. فضلية مفهوم التشاركية بالمقارنة مع الخصخصة، موضحاً أنه سورية تشهد حالياً عملية خصخصة صامتة للاقتصاد، تجري عبر اقتطاع أجزاء من مؤسسات عامة وتحويلها إلى مشاريع خاصة و/أو مشتركة، فالتشاركية المطروحة وتوقيع عقود BOT ما هي حسب قول الباحث: «إلاّ شكل من أشكال الخصخصة العامة للاقتصاد، فخصخصة المنشأة العامة على سبيل المثال تعني بيعها للقطاع الخاص، وهنا يختلف الأمر عن التشاركية، بل إن ما نقصده هو الخصخصة الكلية للاقتصاد، والتي تعني كل ما من شأنه زيادة حصة القطاع الخاص في المؤشرات الاقتصادية الكلية على حساب إنقاص حصة القطاع العام، وهنا تنضوي التشاركية تحت مظلة خصخصة الاقتصاد بكل معنى الكلمة».
التشاركية إذاً -حسب قول د. فضلية- واحدة من الأوجه العديدة لخصخصة الاقتصاد، وهي في النهاية إحلال كلي أو جزئي للقطاع الخاص مكان القطاع العام أو الحكومي، وما تراجع الإنفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة منذ بداية الخطة الخمسية العاشرة، وكذلك التوجه نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» حسب قول د. فضلية «سوى مؤشر صريح على خصخصة الاقتصاد، سواءً أكان ذلك مخططاً رسمياً أم لم يكن كذلك»!.
الصيغ الدارجة للخصخصة
واستعرض الباحث في سياق محاضرته الصيغ الدارجة للخصخصة، موضحاً أنها تشمل: عقود الإدارة التي تتخلى فيها الحكومة عن إدارة المنشأة العامة للقطاع الخاص مقابل رسم محدد، مثل إدارة المطارات أو المرافئ جزئياً أو كلياً؛ عقود التأجير حيث يتحمل القطاع الخاص مسؤولية التشغيل والإدارة مثل تأجير الطائرات؛ وعقود الخدمة كقراءة القطاع الخاص للعدادات وتحصيل فواتير الكهرباء والماء لمصلحة جهات حكومية؛ وعقود الامتياز التي يقوم بموجبها القطاع الخاص بتقديم خدمات كانت تقدمها المؤسسات العامة بكفاءة متدنية أو تكاليف عالية مثل إدارة شبكات توزيع المياه أو استخراج البترول؛ ومن أشكال الخصخصة أيضاً الملكية المشتركة للمشاريع بين القطاعين العام والخاص PPP، وعقود الإدارة والتشغيل والانتفاع طويلة الأجل BOT، وتخفيض مساهمة الحكومة في ملكية الشركات أو المشاريع المشتركة، والبيع المباشر للقطاع الخاص أو مقايضة الديون بملكية عامة مع نقل كامل أو جزئي للملكية العامة، وإعادة ملكية المنشآت المؤممة أو المصادرة إلى القطاع الخاص، وتحويل المؤسسات العامة إلى شركة مساهمة عامة، والتخلي عن ملكية المؤسسات أو المشاريع الحكومية أو إهداؤها إلى الموظفين أو العمال أو العملاء.
وتصدى الباحث لجانب التحديات والإشكاليات التي تفرضها المشاريع التشاركية، مبيناً أنها تتجلى بمدى وضوح وتبلور الاستراتيجيات والسياسات والخطط والبرامج والخطط الحكومية حول الشراكة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وترتبط بمستوى استعداد كلا القطاعين العام والخاص لتحمل أعباء هذه الشراكة على مختلف المستويات، وبمدى استعداد وقناعة وتعاون وتجاوب وتفهم الأجهزة الحكومية والمستويات المتوسطة والدنيا من الطاقم الوظيفي المنوط بهم التعامل مع القطاع الخاص الذي سيتولى بنفسه عملية الإدارة والتنفيذ، وكذلك بمدى قدرة هذه الأجهزة وكفاءتها وتأهيلها للتعامل مع مسألة التشاركية بفلسفة حضارية وبعقلية منفتحة ومرنة وموضوعية وشفافة ومتوازنة، ونبّه د. فضلية من مخاطر دخول سلوكيات الفساد في عملية التشاركية، والتي ترافق عادةً حسب قوله آليات التعاطي مع القطاع الخاص.
وبين د. فضلية المحاذير المحتملة لعقود التشاركية بأنها التوسع أو المبالغة الحكومية في منح إعفاءات ضريبية وحوافز وإعانات وقروض رخيصة، وفي منح أراض مجانية سواء بحسن نية أم غير ذلك، فهذا من شأنه أن يسهم في زيادة الفساد الإداري وفي هدر الموارد العامة، ورأى أن هناك محاذير تتعلق بمصلحة المستثمر نفسه وتتجلى بأن يسعى لتكون مساهمة الحكومة بملكية المشروع كبيرة نسبياً لضمان حمايتها للمشروع في الوقت الذي تكون فيه سلطة الحكومة الرقابية على إدارة وتشغيل أعمال المشروع إما معدومةً أو ضعيفةً.
وطرح د. فضلية ما رأى أنها الحلول الاستراتيجية لعملية التشاركية وحددها بثلاثة محاور رئيسية، الأول يتعلق بإصلاح وتطوير الإطار التشريعي الناظم للاستثمار الخاص في المشروعات الخدمية العامة المتعلقة بالبنية التحتية الأساسية وفي جميع الأنشطة المخطط إدراجها في العملية التشاركية، والمحور الثاني حدده د. فضلية بإصلاح وتطوير الهيكل التخطيطي والاستثماري والمؤسسي عبر توحيد الرؤية الاستراتيجية للجهات الحكومية بشأن مجمل العملية التشاركية وبالتالي مجمل المشروعات المطروحة، وخلق الآليات والكوادر الاستشارية والفنية والمالية والإدارية والقانونية لتنظيم وإدارة عملية التشاركية، أما المحور الثالث فاختصره بنشر الوعي العام بأهمية ومكاسب وخلفيات ومقتضيات العملية والمشاريع التشاركية، إذ أن نجاح هذه التجربية يتطلب وجود فهم وتفهم وتأييد شعبي ما يستلزم إعداد استراتيجية متكاملة للتوعية ويستلزم كذلك التسويق المناسب المحلي والخارجي للمشروعات المطروحة انسجاماً مع مبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص.
مخاطر التشاركية
وفي استنتاجات البحث النهائية أوضح د. فضلية أن قانون التشاركية المنتظر قد يكون أفضل التشريعات التنموية في إطار عملية الإصلاح والتطوير والتحديث، وبالمقابل نبه من أن هذا القانون قد يكون من أسوأ الصكوك القانونية- الاقتصادية- الاجتماعية، وكلا الاحتمالين وارد ويتوقف حسب قول الباحث: على مراعاته ومعالجته لجميع محاذير ومخاطر التشاركية، وموضوعيته وحسن صياغته وتوازنه وعدالته ووضوحه وشفافيته، وصحة وسلامة آليات التنفيذ والرقابة والمتابعة للمشاريع التي يتم ترخيصها بموجبه على أرض الواقع.. فالتشاركية حسب قوله ليست مجرد عملية تقوم على توازن المصالح المادية بين الشركاء، بل في الوقت ذاته هي ميثاق وطني يقر بتولي المسؤوليات التنموية والاجتماعية من القطاعات والقوى الاقتصادية الوطنية بمختلف مسمياتها، وبالتالي فإن من أهم متطلبات نجاح هذه الشراكة المواءمة بين الأهداف الاقتصادية الربحية والأهداف الاجتماعية لجميع الأطراف، وهذا ليس بالأمر السهل تصميمه قانونياً وليس من اليسير تحقيقه وضبطه على أرض الواقع.
وبين أنه من حق طرفي الشراكة؛ القطاع العام والقطاع الخاص، تحقيق أهدافهما ومصالحهما، ومن المؤكد أن يسعى الخاص إلى ذلك بكل ما أوتي من قوة عبر أكفأ ممثليه، ولكن كيف يمكن التأكد من أن جميع ممثلي القطاع العام سيفعلون ذلك دائماً بقدر من الدفاع والغيرية والكفاءة والنزاهة والشفافية؟ فالخاص يمثل نفسه ويدافع عن مصالحه مباشرةً، بينما يمثل العام أشخاص عليهم أن يدافعوا عن مصالح غير مباشرة، وبالتالي فإن من جملة ما يخشاه المواطن هو ألاّ يستطيع الشخص الحكومي الدفاع عن المصلحة العامة بالقدر الذي يدافع فيه ممثل الخاص عن المصلحة الخاصة.