أبواق لصوص الماضي والحاضر.. والمستقبل

لطالما حذرت «قاسيون» من تطلعات رجال الأعمال إلى مناصب سياسية، أو كل السلطة السياسية إن أمكنهم ذلك، لتسيير أعمالهم وزيادة أرباحهم على حساب الأكثرية الساحقة في المجتمع، وكثيراً ما نبّهت من أن التغيرات البنيوية الجارية في الاقتصاد السوري تمهّد لانتقال مركز الثقل بالتدريج إلى أيدي قلة قليلة من «رجال الأعمال» ومن لف لفهم من كبار الفاسدين، ولكن.. لا حياة لمن تنادي!.

وهكذا..لم تكن مفاجأةً أن يعلو صوت أحد أبواق رجال الأعمال ليطالب بمنحهم أوسمة الاحترام مكافأةً على نمو أعمالهم بما «يزيد رغبتهم في تنميتها وتأمين المزيد من فرص العمل»..، مع الاعتراف الصريح بأن القطاع الخاص- معقل رجال الأعمال- فرض عليه حسب قول البوق: «أن يكون طفيلياً يقتات على موائد القطاع العام.. وفرض عليه أن يتهرب من الضرائب لأن النسبة كانت مرتفعة جداً.. وفرض عليه التهريب لأن الاستيراد كان ممنوعاً.. وفرض عليه الاتجار بالمخصصات لأنها كانت منفذاً للربح السهل.. وفرض عليه التهرب من التأمينات الاجتماعية لأن تكاليفها عالية وإجراءاتها صعبة ولا رقابة حقيقية فاستسهل التهرب».. كل هذا فرض على القطاع الخاص حسب قوله «في ظل عقود من الاقتصاد المركز الحصري»؟!..

ولم يكتف كاتب بيان رجال الأعمال بإظهار محاسن معظمهم، بل وذكرهم واحداً واحداً بالاسم، مطالباً الحكومة بتبجيلهم وإطلاق أسمائهم على شوارع المدن الرئيسية، وصولاً إلى إدخال سيرهم الذاتية ضمن المناهج المدرسية وكأنهم أبطال الزمان.. فهم حسب عزفه النشاز: «ساهموا في إنقاذ الاقتصاد من الركود وأمنوا فرص العمل»!.

وفي مقال ترويجي آخر يعرض البوق نفسه فرضية مفادها أن: «نصف رجال الأعمال لصوص وأنهم سيسرقون (في حال تحرير الاقتصاد وسحب يد الدولة من السوق) 50% على شكل ارتفاع أسعار وتهرب من الضرائب وغيره»، ولكن ما المانع حسب قوله، فـ«إذا نظرنا إلى النتيجة الإجمالية سنجد أن البلاد تطورت وبشكل فاق كل تصور»..

من المنطقي التساؤل هنا طبقاً لما جاء في افتتاحية «قاسيون» للعدد 440: «إذا انتقل مركز ثقل الثروة إليهم (رجال الأعمال)، ماذا هم فاعلون؟ وهل يمكن الركون إليهم؟ هؤلاء الذين أوطانهم في جيوبهم وحيث حساباتهم البنكية التي يتكدّس معظمها في البنوك الأجنبية؟.. كم هي صحيحة اليوم الحقيقة القديمة التي تقول إن الرأسمال لا وطن له؟.. فكيف بالرأسمال الكبير في ظل السوق الواحدة التي تسيطر عليها الإمبريالية العالمية وخاصةً الولايات المتحدة والصهيونية؟.. أين هي مصالح هذا الرأسمال الكبير الذي يراعي البعض مشاعره ورغباته ضارباً عرض الحائط بمصالح الناس البسطاء الذين يكوّنون العمود الفقري للصمود والتصدي؟!»..

لقد بدأت النوايا التي ظل يضمرها الرأسماليون الجدد منذ بدايات ما يُعرف بـ«انفتاح» سورية على العالم، تتحول إلى أهداف معلنة وصريحة.. وأصبح من الضرورة القصوى إغلاق كل المنافذ التي قد توصلهم إلى مواقع أبعد وأخطر، وبدلاً من تكريس الانفتاح على سارقي قوت الناس والطامعين بما تبقى في البلاد من ثروات، فليجر الانفتاح على الناس الذين تردت أحوالهم بشكل لا سابق له بفضل استثمارات ومشاريع وأفكار هؤلاء الجنتلمانات اللصوص وامتداداتهم داخل جهاز الدولة.. وإلا فإن البلاد كلها ستصبح في المدى المجدي لسطوتهم ولجشعهم..