الحكومة تسعى لجعل القطاع الكهربائي دجاجة تبيض ذهباً في جيوب المستثمرين
في خطوة دفاع جديدة عن مصالح المستثمرين وأرباحهم يينتهجها الفريق الاقتصادي بدلاً من الالتفات لمصالح الاقتصاد الوطني والمواطنين على حدٍ سواء – هدف ومقصد أية سياسات حكومية متبعة -، دعا النائب الاقتصادي عبدالله الدردري خلال المؤتمر الوطني للطاقة للنظر إلى قطاع الطاقة ليس بصفته ملبياً لاحتياجات الاقتصاد السوري فقط، وإنما باعتباره أمراً ضرورياً للاستثمار... وبرؤى تبشيرية لاحتمالات جديدة في مجال رفع أسعار المشتقات النفطية محلياً، ولفت الدردري إلى استحالة الاستمرار بنظام التسعير الحالي للطاقة. فالنائب الاقتصادي يخلق حاجزاً وهمياً بين حاجة الاقتصاد من جهة والمواطن السوري من جهة آخرى، وكأنهما في حالة تنافس وتناقض، بينما تؤكد السياسات الاقتصادية التي تتخذها كافة دول العالم - على اختلاف اتجاهاتها – أنها لا تهدف في النهاية لخدمة الاقتصاد الوطني، بل إنها تسعى دائماً لترسيخ أقدام ومصالح شريحة أو طبقة اجتماعية، حيث تصب جميع الإجراءات والسياسات الاقتصادية المتبعة في خدمة مصلحتها، كما أن النائب الاقتصادي يسعى لرفع أسعار الطاقة بهدف تشجيع المستثمرين على الاستثمار في مجاال الكهرباء وغيره من حوامل الطاقة دون أن يأبه لما لذلك من آثار سلبية على مختلف شرائح الشعب السوري، وجل اهتماماته جعل هذا القطاع الخدمي دجاجة تبيض ذهباً في جيوب المستثمرين عرباً كانوا أم أجانب.
دعوة ضد الفقراء
تؤكد أرقام وزارة الكهرباء أن وسطي تكلفة وحدة الطاقة الكهربائية المباعة تساوي 3.08 ل س/ك و س، حسب أسعار الوقود في السوق المحلية، وتقدر بحوالي 6.78 ل س/ك و س حسب أسعار الوقود العالمية، في الوقت الذي يوضح فيه الجدول التالي أن وسطي مبيع ك و س من الكهرباء يقدر بنحو 2,16 ليرة سورية، والتي تساوي 70% من تكلفة إنتاج الكيلو الواط ساعي، أي أن الفارق بين تكلفة الإنتاج بالأسعار المحلية والمبيع لا تتجاوز 80 قرش س/ك و س، كما أن التشريح البانورامي للاستهلاك يؤكد أن 50% المستهلكين المنزليين (الأقل استهلاكا، والأكثر فقراًً)، هم الذين توجه ضدهم دعوة رفع أسعار الطاقة والكهرباء محلياً من قبل النائب الاقتصادي، كما أن وسطي مبيع ك و س للــ50% الأخرى من المستهلكين المنزليين تصل إلى أربع ليرات للكيلو الواط، أي أنهم يحققون فائضاً مالياً – قياساً بتكلفة الإنتاج – قادراً في أسوأ الأحوال على تغطية جانب كبير من قيمة الكهرباء «المدعوم»، علماً أن الاستهلاك المنزلي لا يتجاوز حسب أرقام العام 2008 حوالي 38% من مجمل الاستهلاك الكهربائي في سورية، أي أن الفوائض التي تدفعها القطاعات الأخرى على استهلاكها من الكهرباء ( قطاع الصناعة، التصدير) قادرة على تحقيق التوازن النسبي مقابل الدعم المقدم للاستهلاك المنزلي.
لِمَ لا نحاسب الفاقد الكهربائي؟!
فاقد الطاقة الكهربائية الإجمالي (الفني وغير الفني)، هو حاصل طرح الطاقة المعدة للاستهلاك مقارنة مع مبيعات الطاقة لجميع المشتركين، والذي يبلغ 26% حسب الأرقام الأخيرة لوزارة الكهرباء مقارنة مع 35% في العام 1993، أي أن الفاقد لم ينخفض بالدرجة الأولى بشكل كبير خلال 20 عاماً الماضية، رغم كل ما يقال عن خطط ومشروعات ودراسات محلية وعالمية لتخفيضه، وتؤكد الأرقام الرسمية أن كل 1% من الفاقد الكهربائي يكلف الدولة ما يزيد عن /100/ مليون دولار ، ويوفر حوالي 500 مليون ك.و.س، أي أن تكلفة الفاقد الإجمالية تصل إلى 2,6 مليار دولار ( 130 مليار ليرة سورية)، وذلك مقابل حوالي 30 مليار ليرة العجز المالي لوزارة الكهرباء نتيجة الفارق بين تكلفة الإنتاج والمبيع لعام 2008 عند احتساب الوقود بالأسعار المحلية.
مقياس عالمي ولكن..
إن المبررات التي تتداولها بعض الأوساط الحكومية بدءاً من القول: إن التعرفة الكهربائية المعمول بها غير مجدية ولا تتوازى مع تكلفة الإنتاج، أو إننا الدولة الوحيدة التي تتعامل بهكذا تعرفة منخفضة، والدعوة لرفع أسعار الطاقة المباعة محلياً، ما هو إلا حلقة جديدة من الهجوم غير الواقعي على حقيقة التعرفة الكهربائية، حيث إن التعرفة لدينا تعد أعلى من تعرفة العديد من الدول العربية والتي تبلغ في ليبيا 1,8 سنت/ ك و س، وفي مصر 2 سنت/ ك و س ، وتصل في عمان إلى حوالي 2,5 سنت/ ك و س، و قطر 3 سنت/ ك و س، وتقدر في الجزائر بنحو 3,8 سنت/ ك و س، وفي أبو ظبي 4 سنت/ ك و س، بينما تبلغ هذه التعرفة في سورية 4,42 سنت/ ك و س، أي أن تعرفتنا الكهربائية المعمول بها لدينا اليوم هي ضعف التعرفة الكهربائية للعديد من الدول العربية، علماً أن تعرفة دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية هي بحدود 9 – 10 سنت/ لكل كيلو واط ساعي، أي أنها لا تعد مرتفعة إذا ما تمت مقارنتها بتكلفة إنتاج الكهرباء في هذه الدول من جهة، ولا بالرواتب التي يتقاضاها المواطنون في الاتحاد الأوربي التي تتجاوز رواتب مواطنينا بأضعاف مضاعفة، وهذا ما يجعل هذه التعرفة غير مجدية في هذه الدول إن لم نقل إنها مدعومة من دولهم. فإذا أراد النائب الاقتصادي رفع أسعار منتجات قطاع الطاقة التي ستؤدي بطبيعة الحال إلى رفع أسعار جميع المنتجات في السوق السوري، فما هو رأيه برفع سوية الرواتب والأجور بما يتناسب مع هذه الرفع لأسعار حوامل الطاقة؟!! لماذا لا يتم رفع رواتب السوريين بسوية مثيلاتها في الدول الأوربية مثلما تطمح الحكومة دائماً لرفع أسعار المشتقات النفطية وحوامل الطاقة في السوق المحلية بالمستوى العالمي؟!!