الفساد مجدداً 200 مليار خسارة.. شركة الأسمدة.. هدر وسرقة وفساد في وضح النهار
«ارفعوا أيديكم عن الشركة العامة للأسمدة».. هذا شعار يردده كل غيور على القطاع العام، وعلى الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني. فهذه الشركة كانت منذ إنشائها في السبعينيات من القرن الماضي ومازالت بقرة حلوباً لجهات عديدة: إدارات وتجار وسماسرة وجهات وصائية عديدة، ورغم ذلك يتم قتلها بالإهمال، ويجري تخريبها عن سابق تصور، وقد وصلت خسارتها إلى /200/ مليار ل.س مؤخراً. ورغم ذلك ساهمت بتوفير /45%/ من حاجة سورية للأسمدة، بعد أن سدت في الأعوام الماضية /75%/ من حاجة البلاد لهذه السلعة.
الخسارة والهدر
/200/ مليار ل.س ليست خسارة، وإنما هي هدر فاضح، ويقف وراء هذا الهدر البيروقراطية على مختلف مستوياتها، وقد حذرنا في العدد /434/ من «قاسيون» من الكارثة القادمة التي سوف تتعرض لها الشركة، فالبواخر تفرغ السماد للتجار، والمصرف الزراعي يرفض استجرار السماد لأن مستودعاته مليئة، وإنتاج الشركة محصور بالصرف، ومستودعات الشركة مليئة بـ/16/ ألف طن من السماد. وقد تم مؤخراً تكليف إدارة جديدة لإدارة الشركة، فاجتهدت وقدمت دفتر شروط لبيع السماد، وتمكنت خلال أيام من بيع المخزون، وإعادة تشغيل معامل الشركة، وبعد أن تم بيع المخزون وجه المصرف الزراعي كتاباً إلى الشركة يطلب استجرار مائة سيارة يومياً. فماذا نفهم من هذا؟
المؤسسات الوسيطة التي أنشئت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من أجل خدمة القطاع العام، تخلت عن هذا الدور، وأصبحت عبئاً على الشركات المنتجة في القطاع العام، بل باتت تستنزفه، وتم تجييرها لمصلحة السماسرة والتجار..
كيف يمكن أن تكون مستودعات المصرف الزراعي مليئة بالسماد المستورد من التجار، ويمتنع المصرف عن استجرار إنتاج شركة الأسمدة؟ ولماذا طلب المصرف الاستجرار من الشركة عندما علم ببيع المخزون في مستودعات الشركة؟
الفساد الآخر
هناك تعاميم من رئاسة مجلس الوزراء تطلب من الشركة التصنيع في مؤسسات القطاع العام، وتحديداً الإسكان العسكري، علماً أن مشغل الشركة مجهز بأحدث الآلات والمخارط، ويضم كادراً فنياً يستطيع القيام بكافة أنواع الصيانة والتصليح دون الحاجة إلى أية جهة كانت، ولكن الشركة تلتزم بتعاميم رئاسة الوزراء، ولكن كيف يتم هذا الالتزام؟
عُيِّن عضو جديد في لجنة الشراء بعد عزل اللجنة السابقة، وكلف من الشركة بالاتصال بمؤسسة الإسكان العسكري لتصنيع بكر ثانوية معزولة بالمطاط حسب المخططات المرفقة، وقدمت المخططات لذلك. وفيما يلي جانب من تقرير ذلك العضو:
«بتاريخ 26/10/2009 قمت بالسفر إلى مؤسسة معامل الدفاع، وعندما تحدثت إلى المسؤولين في المؤسسة بأنني مكلف من رئيس لجنة القطاع العام بمتابعة جميع طلبات التصنيع بشكل دائم لديكم، أجاب على الشكل التالي كل من المهندس سامر حمدو والمهندس عبد الستار الردواي والمهندس عصام حمشو، ويتقلد هؤلاء المواقع التالية، رئيس قسم التصنيع الفني ورئيس قسم التصنيع المباشر ورئيس قسم التصنيع المدني:
نرسل إلى شركة الأسمدة مذكرات عديدة من أجل طلبات التصنيع وشركة الأسمدة لا ترد علينا نهائياً.
الشركة أيضاً لا ترد على الفاكسات المرسلة من مؤسسة معامل الدفاع لا قبولاً ولا رفضاً.
تقوم الشركة العامة للأسمدة بإرسال نموذج للتصنيع فيه كثير من الاهتراءات كونه مستعملاً من معامل الشركة، وهذا لا يعطي الدقة في التصنيع، فتقوم المؤسسة بطلب مخطط لهذا النموذج، فترسل الشركة مخططاً لا يتطابق مع النموذج المرسل إلى المؤسسة نهائياً مما يجعل المؤسسة في حيرة، فإذا تم التصنيع على النموذج المتهرئ ترد الشركة العامة للأسمدة بأن القطعة المصنعة مخالفة بحجة أنها أرسلت مخططاً بذلك. وإذا تم التصنيع على المخطط المرسل تحتج الشركة على التصنيع وتقول أنها أرسلت نموذجاً وهذا مخالف للنموذج، وهنا نقع في حيرة.
في أكثر الأحيان تقول الشركة «نظراً للحاجة الماسة» للتصنيع لكذا قطعة خلال يومين أو ثلاثة، علماً أن القطعة التي ترسل إلى مؤسسة معامل الدفاع تحتاج إلى عشرة أيام للتصنيع في المؤسسة أو في غيرها من المؤسسات في سورية، وهذا يعتبر تعجيزياً.
ترسل مؤسسة معامل الدفاع فاكساً أو كتاباً إلى الشركة العامة للأسمدة تطلب فيه حضور الفني الذي أرسل النموذج للإجابة على بعض الاستفسارات، فلا ترد الشركة لا على الفاكس ولا على الكتاب.
لا يوجد لدى المؤسسة أي اسم أو رقم هاتف مهندس أو فني أو اسم من يطلب التصنيع من أجل بعض الاستفسارات، وهذا ما يجعل المؤسسة تقول: إننا نعمل مع المجهول».
التقرير واضح تماماً، تطلب شركة الأسمدة تصنيع مئات أو آلاف البكرات نظراً للحاجة الماسة خلال يومين. وطبعاً لا تستطيع أية جهة كانت تنفيذ ذلك، ولكن يكون هناك اتفاق مسبق مع القطاع الخاص حول التصنيع، المهم أنهم راسلوا مؤسسة معامل الدفاع، والمبالغ التي تدفع للقطاع الخاص تفوق عشرات المرات ما يدفع للمؤسسة، ويحدث هذا منذ أكثر من /12/ عاماً، وكل طلبية ألف بكرة، بالإضافة إلى طلبيات متفرقة.
إدارة... جديدة
الإدارة الجديدة المكلفة شكلت لجنة لإعداد دفتر شروط لبحث وضع التصنيع مع المؤسسة، وبحث كافة الإشكالات العالقة، ولحظت الإدارة هدراً في البكرات بشكل مقصود، فعزلت بعض المدراء وتم قطع بعض الأرزاق، ولكنها محاصرة بالفساد وبالضغوط، وهناك هدر في الفوسفات الخام بنسبة /30%/، وهناك هدر في الغاز والكهرباء، فإنتاج ألف طن سماد يوريا يحتاج إلى /800/ ألف م3 غاز، بينما يصل الاستهلاك في الشركة إلى مليون و/400/ ألف م3. إضافة إلى الهدر في الخامات والمواد المختلفة والنهب المنظم.
ما فوق الفساد
التساؤل المطروح: أمام السماح باستيراد الأسمدة والمنافسة، ما هو مبرر رفع قيمة الغاز من 1 إلى 8 ل.س، وسعر الغاز عالمياً /2.5/ ل.س؟ ما هو مبرر رفع سعر طن الفوسفات الخام من /500/ ل.س للطن إلى /2000/ ل.س؟ علماً أن شركة الفوسفات والمناجم ربحت عام 2009 مبلغ /9/ مليار ل.س، وبعد ذلك نطلب من الشركة المنافسة!!
المثير في الأمر أن الذين يسمسرون ويسرقون لا يخافون، وهم يعملون في وضح النهار بالتحايل وبعلاقات وتكتلات ودعم، ومن يكشف الخطأ، ومن يضع يده على التجاوزات والمخالفات ويتصرف بحكم موقعه يدفع الثمن ويحاصر ويعاقب.
أقول ذلك لأنني تحدثت مع المدير المكلف حول تقرير البكرات وحول صفقات الفساد في الشركة، وحييته على جهوده في كشف هذه الصفقات والإجراءات... استمع إلي باهتمام، ولكنه في يوم آخر طلب عن طريق صديق مشترك عدم النشر حالياً، لأنه يتعرض لضغوط كبيرة!!
عشرة عمال في شركة الأسمدة مرضى بأمراض متنوعة كالسرطان والقلب، وهي إصابات مهنية ولديهم تقارير رسمية تؤكد أمراضهم، تم إنذارهم مؤخراً الالتحاق بالعمل أو التسريح وذلك من أجل وقف الهدر!! الغرابة أن الجهات الوصائية لم تر تسريب مئات الملايين لجيوب السماسرة والتجار، ولكنها رصدت الهدر في رواتب هؤلاء المرضى، رغم أن رواتبهم لا تتجاوز /100/ ألف ل.س شهرياً!!