قرار «طازج» يعمق أزمة القطاع النسيجي

حماية المنتج الوطني (الحمائية)، ضرورة تفرض نفسها على الساحة الاقتصادية عند احتدام المنافسة مع منتج أجنبي أقل ثمناً وأكثر إتقاناً في أحيان كثيرة، وذلك منعاً لحدوث الإغراق، وإخراج الإنتاج الوطني من سوقه الطبيعية (السوق المحلية)، وهذا ما تفعله أكبر الاقتصادات العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، الصين، لحماية منتجها الوطني (سواءً في القطاع العام أو الخاص)، عند تعرضه لخطر المنافسة، عبر فرض رسوم جمركية تصل إلى 400% على بعض المستوردات المنافسة. فكيف يجب أن تكون هذه الحمائية بالنسبة للاقتصادات الصغيرة إذاً، ونحن إحداها؟!

قرار إشكالي

وافق مجلس الوزراء السوري بتاريخ 25/5/2010 على تخفيض الرسوم الجمركية على مستوردات الغزول من 10% إلى 1% ، وذلك بالسرعة الكلية، مما سيؤدي بدوره إلى إغراق السوق السورية بالمنتجات المستوردة، وإغلاق عدد إضافي من المنشآت النسيجية بمختلف أحجامها. 

واقع مرتهن

الصناعة النسيجية السورية تمثل ثاني أكبر صناعة نسيج في منطقة الشرق الأوسط، حيث يساهم قطاع النسيج والألبسة بنسبة 12 في المئة من الناتج المحلي الصافي للقطاع الصناعي في سورية، و8 في المئة من مجمل الصادرات، كما يشغّل نحو 15% من اليد العاملة حسب تقرير الصناعات النسيجية الصادر عن هيئة الاتصالات والمعلومات في الشرق الأوسط MEICA، كما يبلغ عدد العـامليـن في القطاع العام الصناعـي 26191 حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء، ويصل إجمالي عدد المنشآت النسيجية الخاصة إلى نحو 10 آلاف منشأة نصفها في مدينة حلب.

في العام 2008، دقت الأزمة المالية العالمية مسمارها في نعش القطاع النسيجي السوري، لكن ارتفاع تكاليف الإنتاج النسيجي، وخصوصاً بعد رفع أسعار أحد مدخلات الإنتاج الرئيسية، وهو المازوت بنسبة 275% في أيار 2008، دخل القطاع النسيجي بغيبوبة شبه دائمة، ومنافسة معدومة بالتأكيد، حيث تم إغلاق 46 منشأة نسيجية في العام 2009 وحده، حسب إعلان وزارة الصناعة، لكن الأرقام غير الرسمية تشير إلى عدد هذه المنشآت أكبر بكثير، حيث أن نحو 70% من معامل النسيج توقفت عن العمل خلال عامي  2008 ـ 2009 في دمشق وحلب. وأمام هذا الواقع المتردي للقطاع النسيجي جاء القرار الحكومي الأخير لإرضاء المستوردين بتخفيض رسوم استيراد الغزول إلى 1%، ليفاقم مشكلة القطاع النسيجي بالتأكيد، لأن بوادر إغراق البضائع التركية والصينية والأجنبية للسوق السورية سيتضاعف، ليقف بعدها المنتج النسيجي السوري متفرجاً على سوقه الداخلية التي تتقاسمها البضائع الأجنبية. 

رسوم لمنع الإغراق

كانت السوق المصرية المنفذ الأساسي للغزول السورية قبل العام 2008، وأغرقت الغزول السورية السوق المصرية لرخص أسعارها، لكن هذا الواقع الذي كان يروق للمنتج السوري أدى لتدهور واقع شركات النسيج المصرية التي تعرضت لخسائر فادحة، وأغلق العديد منها لعجز الصناعيين عن تشغيل مصانعهم، وهذا ما حدا بالشركات النسيجية المصرية وعلى رأسها الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، تقديم العديد من الشكاوى لوزارة التجارة والصناعة المصرية، وأصدرت الوزارة فعلاً رسوم إغراق بحق المنتجات النسيجية السورية بنسبة 17%، ولم تلغ مصر هذه الرسوم الحمائية المفروضة على مستوردات مصر من الصناعات النسيجية السورية إلا في نيسان من العام 2009، بعد أن أصبح القطاع النسيجي السوري عاجزاً عن المنافسة، وغير قادر على دخول السوق المصرية من جديد لارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل أساسي.

وفي السياق ذاته، فإن الحكومة المصرية قررت فرض رسوم إغراق على الغزول الواردة من الهند وباكستان التي باتت تشكل خطراً أيضاً على القطاع النسيجي في مصر.

وإذا ما أخذنا تركيا، التي دخلت أيضاً على خط إغراق السوق السورية منذ فترة قصيرة، يمكن القول إن الحكومة التركية فرضت رسوماً حماية بقيمة 103 سنت/ كيلو على الغزول المستوردة من عدة دول من بينها مصر، على الرغم من أن صادرات الغزول التركية إلى مصر مثلاً ـ التي شملها القرار ـ تتفوق بنسبة 2% على صادرات الغزول المصرية إلى تركيا. 

هيئة فاعلة لمكافحة الإغراق

رسوم الإغراق تعتبر من أهم أنواع الدعم المقدمة من جهة أية حكومة لصناعتها ومنتجها الوطني، وهذا ما يحتاجه القطاع النسيجي السوري اليوم، هذا القطاع الذي يعاني من أزمة تهدد أغلب منشآته النسيجية على اختلافها (عامة، خاصة) بالإغلاق وتسريح العمال، وبالتالي خسارة الاقتصاد الوطني عموماً، مما يتطلب دعمه بدلاً من إدخاله في منافسة غير متكافئة. كما يجب تشكيل هيئة لمكافحة الإغراق على شاكلة الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار، بشرط أن تكون هذه الهيئة فاعلة ومجدية من الناحية العملية لا مجرد شكل فقط، وهذا أضعف الإيمان، وأفضل من تصريحات بعض المسؤولين النافية لوجود الإغراق في السوق السورية، وبالتالي تعميق الأزمة الحالية للقطاع النسيجي.