غياب المحاسبة العلنية... تهديدٌ مباشر لوحدة البلاد!

غياب المحاسبة العلنية... تهديدٌ مباشر لوحدة البلاد!

أدانت واستنكرت وزارة الداخلية يوم أمس الأحد، عملية الإعدام الميداني للشهيد محمد بحصاص والتي جرت بدم بارد في المشفى الوطني في السويداء في وقت سابق من الشهر الماضي، وانتشر الفيديو الخاص بها يوم أمس على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ووعدت بمحاسبة المتورطين.

وهذه ليست المرة الأولى التي تعد فيها جهات رسمية ضمن السلطة في دمشق بمحاسبة المجرمين المسؤولين عن انتهاكات فظيعة جرى ارتكابها بحق السوريين خلال الأشهر الماضية، سواء في الساحل السوري أو في السويداء أو في أماكن أخرى من البلاد.
المثال الذي قدمته لجنة التحقيق حول أحداث الساحل، هو مثال ملموس على عمل بطريقة «لفلفة القضية» دون القيام بأي إجراءات ملموسة وعلنية، وقد ساهم تأخر التحقيق وعدم ظهور التقرير حتى اللحظة وعدم القيام بأي محاسبة علنية حتى الآن، على تشجيع المرتكبين على تكرار أفعالهم وبثقة أعلى وفظاعة أكبر، وإلى زعزعة أي ثقة بمسار عدالة حقيقي يضمن حقوق الناس ويحقن دماءها.
رغم أهمية البعد الإنساني والحقوقي لقضية العدالة، وأهمية الوصول إلى حقوق الشهداء وذويهم، إلا أن هذا البعد ليس البعد الوحيد في المسألة؛ فهنالك بعد سياسي أشد خطورة بما لا يقاس، ليس لأنه يزرع أحقاداً وآلاماً جديدة في قلب الشعب السوري فحسب، بل ولأنه يهدد وحدة البلاد ويصب في مصلحة من يعمل على تقسيمها بشكل مباشر.
ما تم توثيقه حتى الآن في السويداء، تجاوز 1600 شهيد وأكثر من 190 ألف مهجر داخلي من حوالي 36 قرية ما تزال مفرغة من أهلها وما تزال مسرحاً لعمليات الحرق والنهب والتخريب، إضافة إلى استمرار الوضع الإنساني الصعب بسبب الإغلاق المستمر للطريق التجاري بين دمشق والسويداء، والتعامل مع محافظة السويداء كمنطقة حرب يتم تمرير مساعدات غير كافية إليها وبشكل متقطع.
إذا كان الاستقواء بالخارج، وخاصة بالعدو «الإسرائيلي»، أمراً مرفوضاً بالنسبة لكل الوطنيين السوريين، فإن توفير الشروط المناسبة للتدخل «الإسرائيلي» واستدعاءه عبر غياب العدالة وعبر التحريض الطائفي والقومي والديني، إنما هو الوجه الآخر لعملية الاستقواء بـ«الإسرائيلي»؛ ما يضع السوريين أمام مشهد يجري فيه تخادم وظيفي بين المتشددين والمحرضين الطائفيين من كل الأطراف، وعلى حساب الدم السوري وعلى حساب وحدة البلاد ووحدة الشعب السوري.
إن المسؤولية الأساسية عما يجري في البلاد خلال الأشهر الثمانية الماضية، كانت وما تزال على عاتق السلطة في دمشق، وكما قالت افتتاحية قاسيون الماضية: بالضبط لأنها في دمشق، ولأن أي عمل وطني جامع ينبغي أن يكون مركزه دمشق، وأن ينطلق من دمشق، وأن يكون ذا طابع مسؤول وبعيد النظر ومترفع عن الانتماءات ما قبل الوطنية بمختلف أشكالها.
بهذا المعنى، فإن غياب المحاسبة العادلة العلنية والفورية للمجرمين، هو تشجيع على استمرار الجريمة، وهو خدمة مباشرة لأجندات التقسيم وتغذية لها، وهو تعميق لجراح السوريين من شأنه أن يضعف سورية كلها بشكل إضافي، وبكل أطرافها وقواها دون استثناء...

آخر تعديل على الإثنين, 11 آب/أغسطس 2025 19:07