المستثمرون غير راغبين.. لنبحث عن الأسباب؟
يبدو أن رياح تدفق الاستثمارات الأجنبية لم تسر بالاتجاهات التي أرادتها الحكومة السورية، لأن هذه الرياح «الخفيفة» لم تستقطب سوى 1,85% من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى الدول العربية، حيث أكد التقرير الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات حلول سورية في المرتبة الحادية عشرة بين 18 دولة عربية لجهة استقطاب التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة خلال عام 2009، وتبلغ قيمة تلك التدفقات 1.5 مليار دولار، في حين استقطبت الدول المشمولة بالتقرير نحو 80.7 مليار دولار خلال عام 2009.
وبالنظر إلى عدد المشاريع الأجنبية التي استقطبتها سورية في الفترة الواقعة بين العام 1991 – 2007، نجد أن هذه المشاريع بلغ 3774 مشروعاً، لم تستطع تشغيل سوى 37276 عاملاً، والمشروعات الزراعية كانت 176 مشروعاً فقط، أي أن الاستثمارات الأجنبية الداخلة إلى سورية في كل107 سنوات لا تستطيع تشغيل سوى القوة العاملة الجديدة الداخلة إلى سوق العمل في عام واحد، وهذا رقم متواضع جداً من القدرة التوظيفية لهذه الاستثمارات، كما أن المشاريع الزراعية ـ ذات القدرة الأكبر على التشغيل ـ لم تشكل نسبتها سوى 4,6% من حجم المشاريع الاستثمارية الأجنبية الإجمالية.. المسؤولون الاقتصاديون السوريون على اختلافهم بات الاستثمار هاجسهم عند أحاديثهم عن الانجازات وتعدادها، سواءً كان للحديث مناسبة أم لم يكن، ومن أجله تعددت وتكاثرت اللقاءات والمؤتمرات المحفزة والمشجعة للاستثمار، والمطمئنة للمستثمرين أنه تم خلق البيئة الاستثمارية المناسبة الملبية لمطالبهم والمشجعة لاستقطابهم، فلم يبق سوى مجيئهم الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى.
يضاف إلى كل هذا، تعداد مقومات الاستثمار لدينا من جانب كبار المسؤولين الاقتصاديين، في مقدمتها الموقع الجغرافي، وانخفاض التكاليف، وتوفر المواد الأولية، واليد العاملة الرخيصة.. وزيادة في التطمين أقدمت الإدارة الاقتصادية لدينا على تقديم حزمة من الحوافز المالية والضريبية، والإجراءات الإدارية، والتسهيلات المصرفية والجمركية، لكن الأهم اليوم، هو الإشارة إلى أنه على الرغم من هذا الكم الكبير من التطمينات والتسهيلات الحكومية، وكل هذا الاهتمام المبالغ به من إدارتنا الاقتصادية، فإنها لم تكن قادرة على إدارة عجلة الاستثمار أو تحريكها كما شاءت، وبدا عجزها جلياً عن جذب الاستثمارات إلى بلدنا، وهذا الواقع يطرح العديد من التساؤلات المنطقية ومن أهمها: لماذا لم ترغب الاستثمارات الأجنبية الدخول إلى بلدنا على الرغم من كل هذه التسهيلات والميزات والإعفاءات؟!
الصين، الدولة الأكثر جذباً للاستثمارات في العالم لم تقدم للوافدين إليها من المستثمرين تسهيلات وإعفاءات بحجم الإعفاءات المعطاءة من قبلنا للمستثمرين المحتملين والمرتقبين، ومع ذلك ظلت الصين في مقدمة الدول المستقطبة للاستثمارات، وهذا يتطلب السؤال الأخر، ما هي العوامل الأخرى ـ التي قد تكون أكثر أهمية ـ المساهمة في استقطاب الاستثمارات، لكشفها ومعرفتها، والتعامل معها من قبل حكومتنا؟!
عوامل أخرى تدخل نطاق الجذب الاستثماري، قد تكون أكثر جدوى من هذه التسهيلات، فهل ضعف الإنتاجية الناتجة عن ضعف المردود (الرواتب) ستكون عاملاً جاذباً للاستثمارات؟ ألا يهتم المستثمر أن تكون الإنتاجية جيدة لكي يضاعف إنتاجه بأقل عدد من العاملين، وبالتالي تتضاعف أرباحه، وهل ستكون القدرة الشرائية المتدنية عاملاً محفزاً ومشجعاً للاستثمار والمستثمرين؟! أفلا يهتم هذا المستثمر بتصريف إنتاجه أو خدمته لهذا المواطن السوري الذي إذا ما أحجم عن خدماته وإنتاجه لضعف قدرته الشرائية، فإنه سيفضل الرحيل إذا ما ابتلى وأتى إلينا في هذا الواقع الاقتصادي السيئ لعموم الشعب السوري؟! أليست هذه عوامل أساسية أيضاً (ضعف القدرة الشرائية، الإنتاجية)؟ ألا يجب أن تلتفت الحكومة إليها كضرورات لجذب الاستثمار والمستثمرين عندما تطلق العنان لرغبتها في اجتذابهم؟!..