ندوة قاسيون الاقتصادية: السياسات أصل الداء.. والحل (بالبتر)

قاسيون أقامت ندوة اقتصادية بعنوان «تقييم السياسات الاقتصادية الحكومية خلال الأزمة» دعت إليها أكاديميين واقتصاديين سوريين، لإبداء الرأي حول خطورة الواقع الاقتصادي اليوم ودور السياسات فيه.. 

 اعتبر الدكتور منير الحمش بأن السياسات الليبرالية حاولت ولا تزال اختطاف الاقتصاد السوري وإلحاقه بالاقتصاد العالمي والعولمة، ولم تنجح بشكل كامل قبل الأزمة، وحتى اليوم ورغم محاولاتها فقد بقي شبح الدور الاقتصادي والاجتماعي محيطاً بواضعي السياسة الاقتصادية، تفرضه التغيرات الاقتصادية العالمية، والحاجة الوطنية له، وهو سيجعلهم غير قادرين على اقتلاع هذا الدور نهائياً، بدليل بقاء المؤسسات الصناعية العامة في وجه الدعم القليل الذي تناله. 

يرى الحمش بأن حالة الإنكار التي واجهت بها الحكومة ما حدث في سورية كله، تمتد للأزمة الاقتصادية، وقد منعت الذهاب في اتجاه اقتصاد الحرب، الذي يقوم على ضرورة إحياء وتفعيل دور الدولة الإنتاجي والتجاري، أما السياسة الليبرالية فهي تستكمل عملية تغليب مصالح الخارج على الداخل، وتسهل إلحاق الدولة بدورة رأس المال العالمية. وهو ما تفعله يد الفساد باعتبارها الأداة الفعالة في استنزاف موارد الاقتصاد السوري وتهريبها للخارج.

د.عدنان سليمان

(ليبرالية قسرية).. دون إعلان!

اعتبر الدكتور عدنان سليمان أن تطبيق الليبرالية دون تسميتها يهدف إلى أن لا يكون هناك (ما يحتكم إليه وقت الحساب)، وعملياً تصبح سياسة الأمر الواقع المطبقة التي يساق الجميع وفقها لتلبية مصالح السوق وخدمتها، غير منسوبة إلى السياسة الاقتصادية الليبرالية، بينما المطبق فعلاً هو ليبرالية اقتصادية وبالصدمة، ليشير إلى أن غلاة الليبراليين المطبقين للعلاج بالصدمة في أوروبا الشرقية، (لو أتوا إلى سورية لما فعلوا أكثر مما يتم حالياً)..

أشار الدكتور سليمان، إلى طريقة تمرير هذه السياسات، حيث يتم وضع السوريين في خيارين لا ثالث لها، بين فقدان المواد وبين رفع أسعارها، وشبه هذا بمثابة (مسح يومي للذاكرة، للتقبل القسري للسياسات الليبرالية).

حول سعر الصرف، يرى الدكتور عدنان أن المركزي لم يستخدم أي من أدوت السياسة  النقدية، ويتوقع أن سعر الصرف يتحول إلى الشماعة التي سيحمل عليها الفشل. حيث ظل سعر الصرف ينخفض رغم أن المؤشرات الاقتصادية شهدت تحسناً خلال الأشهر الماضية، وهذا يدل برأيه على أن قضية سعر الصرف هي قضية إدارية تحكمها القرارات، وتحديداً مصالح الفاعلين في السوق، وهم خليط من رجال الأعمال، ويعتبرون أن هدر الاحتياطي مبرر خلال الحروب.. 

قدم الدكتور سليمان ثلاثة مقترحات رئيسية، أولها: أن تطرح سندات خزينة بالليرة السورية، بفائدة تعادل معدل التضخم إلى حد ما، وثانيها: أن تطرح سندات خزينة بالدولار لرجال الأعمال، كقروض إلزامية. ثم للمحافظة على الإنتاج وكونه الرافعة الوحيدة ولا بد من حماية الإنتاج، بنقل المعامل والمصانع التي لا يمكن حمايتها أمنياً إلى أماكن آمنة.

د. موسى الغرير

إعادة إنتاج الأزمة من جديد..

اعتبر الدكتور موسى أن السياسات الاقتصادية الليبرالية في سورية أدت إلى إحداث خلل في التوازنات الاقتصادية بين الإنتاجي واللإنتاجي، والاجتماعية من حيث الحامل الاجتماعي للنظام السياسي، لينتقل بوضوح من تمثيل الشريحة الأوسع في المجتمع من عمال وفلاحين وأصحاب الدخل المحدود، إلى شريحة من نوع آخر، بيروقراطيين وأصحاب رؤوس أموال وتجار وسماسرة، وفئات طفيلية أخرى، استأثرت بالسلطة والمال، وحرفت وجهة الاقتصاد الحقيقي لجهة الاقتصاد الريعي من مال وسياحة ومضاربة وعقارات.. وخلال الأزمة تحولت هذه الشريحة إلى برجوازية مضاربات. وأكد أن المنطق يقول أنه من المفترض أن تتم معالجة العوامل التي أدت إلى الأزمة بمعناها الاقتصادي والاجتماعي، وبشكل خاص نهج الليبرالية الاقتصادية، وينبغي التنبه إلى المغريات التي تقدمها بعض الأطراف لاستمرار هذا النهج، بقصد إعادة إنتاج العوامل التي أدت إلى الأزمة من جديد. كما أضاف إلى أن الضرورة تقتضي الاستفادة من تجارب الدول التي شكلت الأزمات، حافزاً لها للاعتماد على الذات. والاستفادة من العلاقات مع الدول الصديقة، ورفعها إلى مستوى العلاقات السياسية.

د.عابد فضلية

(الموارد من الكبار).. ممكنة ولم تطبق!

اعتبر الدكتور فضلية أن السياسة المتبعة حالياً استناداً على السياسات الليبرالية لفترة ما قبل الأزمة، و(بنسخة متوحشة، لم تكتفِ بإهمال الجانب الاجتماعي، بل أسقطته من خلفيات قراراتها وإجراءاتها). حيث أكد الدكتور فضلية على ضرورة زيادة الموارد، ولكنه اعتبر أن تحصيل الموارد من رفع الأسعار سياسة خاطئة، مؤكداً أن (زيادة الموارد المالية الحكومية، هي ممكنة أيضاً من خلال تقليص التهرب الضريبي، وتحصيل الضرائب المستحقة على الأرباح الحقيقية، وبالبحث عن مطارح جديدة لدى أصحاب الثروات المتوسطة والكبيرة، ولدى الأنشطة الرائجة الرابحة عموماً، بما فيها المستفيدة شرعاً من أوضاع الحرب على وجه الخصوص، ومن خلال زيادة الضرائب والرسوم على التركات الكبيرة وعلى انتقال ملكية العقارات والأصول باهظة الثمن وغيرها) مذكراً بأن هذه المقترحات وصلت للحكومة، عبر منتدى اقتصادي لنقابات العمال، ولم يؤخذ بها.

 اعتبر الدكتور فضلية أن الرفع الحكومي للأسعار هو ما أفلت التضخم في سورية، وأدى إلى رفع الأسعار في السوق إلى هذا المستوى. حيث كان الدعم بمثابة تضخم مكبوت، وعوضاً عن إبقائه مكبوتاً، تم إطلاقه برفع الدعم، فأصبح التضخم منفلتاً من عقاله. فيما يخص التشاركية أشار الدكتور فضلية إلى أن التشاركية هي خصخصة صامتة، والتشاركية المطبقة اليوم هي أسوأ من المقترح سابقاً قبل الأزمة.

د. محمد حسان قطنا

إنتاج 5 مليون طن إضافي ممكنة.. ولكن!

الدكتور محمد حسان قطنا تحدث عن القطاع الزراعي تحديداً، تأثر القطاع الزراعي قبل الأزمة بشكل كبير، وتحديداً سحب الدعم التدريجي، كان له كبير الأثر على الفلاحين وعلى العمالة الزراعية، حيث تراجعت القوى العاملة الزراعية من 29% إلى 9% بين التسعينيات  وعام  2010، وهذا التراجع يدل على تراجع الزراعة بالمطلق، لأنه لم ينجم عن المكننة وتغيير الأسلوب التكنولوجي.

عدد د. قطنا، إجراءات الليبرالية في المرحلة السابقة التي جعلت قطاع الزراعة هشاً تجاه الصدمات، من رفع الأسمدة ثم المحروقات، وتخفيض القروض الزراعية، ثم اتفاقيات التجارة الحرة، مع الدول العربية، التي بقيت تدعم مزارعيها، حيث لم يتكيف الفلاح مع أساليب الدعم الجديدة، التي خفضته بالمطلق بعد عام 2005

خلال الأزمة، أشار د. قطنا إلى أن التخطيط الزراعي والسياسة الاقتصادية تستمر دون أن تأخذ ظروف التغير بعين الاعتبار، ومع ذلك يعتبر الدكتور بأن التراجع عن هذه السياسات، اعتماد الدعم الزراعي الذي لا يمكن أن تحيا الزراعة دونه، يستطيع اليوم أن يعيد إنتاج 5 مليون طن من الإنتاج النباتي، وسيكون لقاسيون لقاء لاحق معه توضح فيه تفاصيل الإجراءات المقترحة.

عمر حورية 

سياسة لتحويلنا لمجتمع لا ينتج..

أشار النقابي عمر حورية وعضو أمانة الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام للعمال، أنه لا يعتقد وجود (حسن نيّة) في السياسة الاقتصادية، التي تعتبر استمراراً للسياسات السابقة، (فحسن النية) يثبته انعكاس السياسات لمصلحة الفقراء الذين يدفعون الدم بالشهادة، وهذا لا يتم.

وبالتركيز على الصناعة العامة، ذكّر حورية الحاضرين بمسألة تراجع التشغيل في القطاع الصناعي العام، فاقمتها الأزمة. والنقابات ترى أن هذا لم يأت من فراغ  بل من قرار بتقليص الإنتاج، وتوسيع الخدمات، والانتقال من مجتمع إنتاجي، إلى مجتمع استهلاكي. مشيرا ً بالقول: (نحن لا نريد أن نكون مجتمعاً يعمل بالأوراق النقدية، ويعلن أرقاماً في بورصات في يعفور، بل نريد مجتمعاً ينتج ويصنع).

اعتبر حورية أن القطاع العام لم يتراجع خلال الأزمة، بل خلال السنوات العشر السابقة لها، وتم إخلاء المكان للاحتكار الخاص. مشيراً إلى أنه حتى في القطاع الخاص، اختلفت طبيعة (رواد الأعمال)، فهؤلاء لم يعودوا صناعيين، بل أصبح أغلبهم من اللصوص، وهؤلاء لا يرضون إلا بأرباح ضخمة وسريعة، ولا يناسبهم الإنتاج، وعليه فإنهم أصبحوا يفرضون السياسات التي تناسبهم.

كما أشار حورية إلى التباينات الطبقية الصارخة في المجتمع السوري اليوم، ليقول بأن عامل إنتاج يأخذ 17 ألف ليرة شهرياً يقابلها حاجات 200 ألف تقريباً، عليه أن يستمر، ويستمر إلى جانبه من يدخل إلى جيبه الملايين يومياً، وهو لا يمارس سوى مختلف أشكال (الاستهلاك والبطر) بلا عمل!.

كل ما سبق يشير إلى أن السياسات اليوم خاطئة، فكل حديث حكومي عن قيمة الليرة، والوضع النقدي، دون الحديث عن دعم الإنتاج، يجعل كل ما تقوم به الحكومة فارغاً ومرفوضاً. فالسياسات حررت السوق، ومن يحرر السوق لا يمكن أن يضبط الأسعار، مذكراً انه حتى الخطوط الائتمانية لا تستورد منها الدولة، بل تعتمد على التجار..

الباحث شادي أحمد

الخطر في مشاريع الإعمار المستوردة!

الاقتصادي شادي أحمد حذر من أن سورية لا تزال اليوم في عتبة الازمة الاقتصادية، إلا أن المستقبل الاقتصادي قد يكون أسوأ، ليربط رؤيته لهذا الخطر بمشاريع إعادة الإعمار التي تحضر لسورية في الخارج، والتي ارتأى أنها أربعة مشاريع رئيسية، أحداها في منظمة (الإسكوا) يقوده عبد الله الدردري، باسم أجندة سورية، ويمثل رأس مال الصناديق الدولية، ووصايا صندوق النقد الدولي، وهو يبدأ بدين 25 مليار دولار على الدولة مباشرة، واعتبر أن هذه النسبة إذا ما قورنت بحجم الناتج السوري سابقاً، فإنها مع خدمات الدين ستؤدي إلى الوقوع في الديون التي من الصعب الفكاك منها، والثاني: هو مشروع مارشال سورية برؤوس أموال أوروبية وأمريكية، حوالي 70 مليار دولار، وهذا المشروع خطره بشروط ضبط الاقتصاد السوري للدمج مع الغرب بشكل نهائي، أما الثالث: فهو مشروع إماراتي ألماني، بأموال خليجية، والأخير هو مشروع سيؤول والذي اعتبره الأخطر كونه يعتمد على إدخال شركات كبرى وليس مشاريع. اعتبر شادي أحمد أن منظومة الفساد المرتبطة بـ (الدولة العميقة) هي التي تدير المرحلة الحالية، وأصبحت تؤمن الحاجات كلها، الضرورية والكمالية، وبالتالي فهو يرى أن هيمنتها مطلقة، بل وربما مبررة! واعتبر أن البطالة في سورية منخفضة في الظروف الحالية، كما طرح أحمد، رؤية يتم تداولها في أوساط حكومية اليوم، للتعامل مع أزمة التضخم، وقيمة الليرة وسعر الصرف، تقوم على رفع سريع لسعر صرف الدولار بناءً على وضع مؤشر توازني، وجرى نقاش حول هذه الفكرة، التي أيدها الباحث واعتبرها يمكن أن تحول التضخم إلى عنصر إيجابي، بينما تراه قاسيون علاج بالصدمة له آثاره الخطيرة (ستتوسع قاسيون لاحقاً في تفاصيل هذه المناقشة)..

د. سعيد الحلبي

كل المجالات.. تحتاج للإصلاح

أشار الدكتور الحلبي إلى أن الجوانب الضرورية للإصلاح الاقتصادي، وقد استنتج الحضور مما عدده في كافة جوانب ومجالات السياسة الاقتصادية، أن هذا يعبر عن تغيير السياسات بالكامل، رغم ما شاب الإقتراحات للإصلاحات المطروحة من آثار المرحلة السابقة، وتحديداً السياسات المرتبطة بتحرير وتطوير المناخ الاستثماري..