قاسيون: الليبرالية تهديد وطني وينبغي الانعطاف

اعتبرت مداخلة قاسيون أن مناقشة السياسات هي مناقشة الليبرالية الاقتصادية باعتبارها السياسة المعلنة والمتبعة، وتم استخدام مؤشرات لتوزيع الدخل، والاستثمار والاستهلاك باعتبارها تكثف مسار النمو (التنمية والعدالة)، ليتم ربط  دور السياسات الاقتصادية المتبعة قبل الأزمة وخلالها في تعميق الأزمة في الاقتصاد السوري وإيصالها لمساهم رئيسي في الكارثة الإنسانية.

 

 سياسة: «من الأجور للأرباح»

أدى التوسع في تحرير الأسعار، وتثبيت الأجور، إلى تعمق تشوه توزيع الثروة، وتقلص حصة الأجور إلى حدود غير مسبوقة، وتحولت سياسات رفع الدعم عن المواد كافة التي تقوم الحكومة بتسعيرها وتوزيعها، إلى واحدة من أهم أسباب زيادة معدلات التضخم، عبر رفع الأسعار، وهذا بمثابة ضريبة تدفعها الأجور للأرباح. فالحكومة عندما تراجعت مواردها من قطاع النفط، أعلنت (تعبئة الموارد) ولكن عبر تقليص الإنفاق الحكومي، بسياسة (عقلنة الدعم)، ولم تقم على سبيل المثال بتعبئة الموارد من القطاعات الأعلى ربحاً كالاتصالات، بل على العكس تم ترخيص الشركات، عوضاً عن استعادة ملكيتها كما ينص العقد، وتخلت الدولة عن عشرات المليارات سنوياً، لمصلحة قلة. سياسة تقليص الإنفاق العام كاستجابة لتراجع الموارد العامة، انعكست تراجعاً مطلقاً في دور الدولة الاقتصادي- الاجتماعي، الذي تزداد الحاجة إليه بشكل مطلق في ظروف الحرب.

سياسة (الاحتياطي للريع)!

أدت سياسة استخدام الاحتياطي السوري، في تلبية حاجات الاستيراد، دون استخدامها استخداماً استثمارياً إنتاجياً، إلى تراجع قدرة المنتجين السوريين على مواجهة التحديات، فتحولت عملية تأمين الغذاء للسوريين إلى مهمة قلة من المستوردين المدعومين بالقطع الأجنبي، وأدت إلى مستويات احتكار غير مسبوقة، تظهر في الفوارق الكبرى بين أسعار الغذاء المستورد إلى سورية، عن الأسعار العالمية، أي توسع الربح من الجوع. كذلك فإن الكلف المرتفعة في مستوردات الحكومة تنم عن نسب هدر وفساد عالية. وعموماً تم استخدام الاحتياطي من المال العام، بعمليات الاستيراد، بينما لم يتم دعم الإنتاج، بل إضعافه برفع الدعم عن المحروقات ورفع أسعار الكهرباء.

سياسة (إضعاف الليرة)

السياسات هي العامل الحاسم في تراجع قيمة الليرة، حيث تضغط على قيمتها جملة من العوامل التي ترتبط بما سبق  كله:

أولاً: توسع الربح، وتوسع عمليات تحويله إلى دولار، وعدم أخذ أي إجراء لمنع هروب رؤوس الأموال، المجنية من عمل السوريين والمحولة إلى دولار والمهربة للخارج. ثانياً: تراجع الإنتاج، وتوسع الاستيراد، واستخدام الاحتياطي السوري لتمويل المستوردات بالدرجة الأولى. ثالثاً: اعتماد سياسة ضخ القطع الأجنبي، للسوق مع كل موجة مضاربة، ولحاق السعر الرسمي بسعر السوق، وهي السياسة التي تعني عملياً، تحول المصرف المركزي إلى لاعب في السوق، يفقد قدرته مع تراجع إمكانيات الاحتياطي السوري، وتوسع قدرات السوق وطلبها على الدولار.

سياسة (الغمز بالمحاصصة)

تعطي السياسات الاقتصادية الإشارات الكافية، والتطمينات لقوى السوق العالمية والإقليمية والمحلية، بالآلية التي تريد انتهاجها في عملية إعادة الإعمار، فهي تعلن تراجع قدرات الدولة، وتدعو قوى المال إلى التشاركية في القطاعات كافة، ولا تستثني منها حتى القطاعات السيادية، وحتى إدارة الوحدات الإدارية لأملاك الدولة وأراضيها التي أصبحت مفتوحة للمستثمرين.

4 ضرورات سياسية ملحّة

تحولت السياسة الاقتصادية الليبرالية إلى خطر جدي، واستمرارها أصبح تهديداً وطنياً مباشراً لذلك المطلوب هو سياسات انعطافية لإيقاف التدهور الاقتصادي والتجهيز الذي يتم لمحاصصة في إعادة الإعمار.. وأهم ما هو مطلوب:

القطع نهائياً مع السياسات الليبرالية، بما يعنيه ذلك من تعبئة الموارد باتجاه زيادة الاستهلاك والاستثمار من خلال إعادة توزيع الثروة من الأرباح باتجاه الأجور وبما يتطلبه ذلك من دور سياسي واقتصادي فاعل للدولة، انطلاقاً من المصادرة المباشرة للأرباح الاحتكارية في التجارة والقطاعات الخدمية الكبرى.

زج الموارد في عملية الإنتاج وتحديداً إنتاج الغذاء مع ما يتطلبه ذلك من إعادة الدعم للمحروقات ولمستلزمات الغذاء الضرورية.

استخدام احتياطي القطع الأجنبي لتمويل مستوردات الدولة الأساسية وتوسيع دورها في تجارة الجملة، وإيقاف تمويل المستوردات وعمليات الضخ في السوق.

السعي الجدي للاستفادة من العلاقات مع الدول الصديقة بما يخدم تطوير الصناعة العامة وغيرها من المهام الإنتاجية الملحة.

إنجاز هذا الانعطاف يحتاج إلى حلول سياسية ليكون للسوريين دورهم في قرارهم الاقتصادي المسلوب من قبل كبار الفاسدين أتباع الليبرالية الاقتصادية..