نـداء المثقفين الفلسطينيين إلى الشعب الفلسطيني وقواه السياسية..

نحن الموقعين أدناه من الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، نتوجه بندائنا هذا ونحن نعيش التطورات المأساوية التي يشهدها قطاع غزة والضفة الفلسطينية، فالأحداث المتسارعة تتجه نحو منزلقات خطيرة، ستلحق _ في حال استمرارها _ الضرر الكارثي بالمشروع الوطني الفلسطيني.

إننا نتابع بألم وحزن شديدين، مع كل أبناء شعبنا، وكل الجماهير العربية، وكافة قوى التحرر في العالم، أنباء الاشتباكات العنيفة التي دارت بين مايفترض أنهم «رفاق سلاح» والتي جاءت كتعبير عن وصول حالة الاحتقان الداخلي لدرجة الانفجار، نتيجة الحصار والعدوان الوحشي المستمر لقوات الاحتلال، وللدور المرسوم لبعض القوى والشرائح الداخلية المرتبطة مع المخطط الصهيو أمريكي الهادف إنهاء حالة الصراع العربي الصهيوني، بما يضمن الدور القيادي في المنطقة للثكنة الصهيونية أداة الرأسمالية المعولمة المتوحشة.
إن تصعيد أشكال الاحتجاج السلمية، التي جاءت كرد فعل على وقف صرف الرواتب، إلى مستويات التخريب المقصود للمؤسسات العامة والخاصة، كانت حلقة في سلسلة محددة لتهيئة الوضع الداخلي للتمزق والانقسام، والتي تطورت مؤخراً لتصل إلى استخدام السلاح، من خلال الأجهزة الأمنية المختلفة، ومئات المسلحين الذين تنقسم ولاءاتهم مابين مؤسسة الرئاسة «فتح» والحكومة«حماس»، لتعبر بشكل مأساوي عن حالة التعصب الفصائلية، ولتعكس درجة الشحن الذاتي الداخلي، التي سادت منذ أسابيع عديدة لغة الخطاب الإعلامي «الحربي» لكلا الفريقين. إن اللجوء للرصاص لتعميم شكل «الإضراب» وإطلاق القذائف على صدور أبناء الشعب وتحطيم الأبنية والمؤسسات بحجة «تأمين الراتب ولقمة العيش» لايعدو كونه تعبيراً عن مأزق سياسي /  تنظيمي حقيقي. إن آلاف الطلقات كان الأجدر بها أن تستهدف جنود الاحتلال وعصابات مستعمريه لأرضنا، لأن لجوء البعض للتهديد والضرب والرصاص كأسلوب للتخاطب والحوار سيضع القضية الوطنية برمتها_ والتي هي بكل تأكيد، أهم وأقدس من الولاء الفئوي الضيق _ أمام نهايتها المأساوية «التفريط بدماء الشهداء، وفقدان ثقة الشعب بقواه الوطنية المناضلة، وبقاء الاحتلال لعقود أخرى». 
 إننا بندائنا هذا، نرفع الصوت عالياً في وجه كل الذين راهنوا على نتائج اتفاق أوسلو التي ستؤمن لشعبنا الحرية والاستقلال والسيادة. فقد أثبتت السنوات العجاف التي أعقبت التوقيع على الاتفاق / الكارثة أن ماجلبته الاتفاقيات لم يكن سوى المزيد من القتل اليومي والاعتقالات وتوسيع المستعمرات، وبناء جدار الفصل والضم العنصري وتمدده السريع، ومصادرة الأراضي وسرقة المياه. لقد أسقطت الوقائع العنيدة كل الرهانات على «مشروعية» بناء أسس وقواعد الدولة في ظل الاحتلال. لقد تأكد شعبنا أن كل البنى «الرسمية» التي قامت على أساس الاتفاقيات، لاتعدو كونها مؤسسات «تصريف أعمال» _ ترعرعت في خفاياها «القطط السمان» من السماسرة واللصوص، مما أدى لتسيّد الفاسدين _ منقوصة السيادة، مسلوبة الإرادة، وترتهن شروط تنفيذها لمخططات وقوانين العدو. إن أية قراءة موضوعية للتطورات التي تمر بها القضية على مدى الأشهر التسعة المنصرمة، تثبت سقوط الأوهام التي تسربت لبعض القوى السياسية، عن إمكانية بناء سلطة وحكومة وطنية كاملة السيادة.
في مواجهة عبث المخربين لأسس البناء المجتمعي الوطني، والمندفعين نحو توتير الأجواء الداخلية لتحقيق مشروعهم السلطوي الذي يمكنهم من الاندماج بالمخططات الصهيو أمريكية، التي وضعت كونداليزا خطوات تطبيقها في لقائها بالعديد من المسؤولين عبر اجتماعاتها بهم في أكثر من عاصمة ومدينة عربية، من أجل توفير عوامل الولادة "الطبيعية" لما أسمته الشرق الأوسط الجديد الذي تمهد له الفوضى الخلاقة.
إننا ندعو كافة القوى الوطنية وكل الحريصين على بقاء المواطن والقضية خارج الإستثمارات الفردية والفئوية، للعمل معاً من أجل:

*  سحب المسلحين من الساحات والشوارع، ووقف الاشتباكات والاعتداءات فوراً.
* العودة لطاولة الحوار من أجل وضع الخطط السريعة للخروج من الأزمة الراهنة، مع الالتزام بعدم التنازل عن الثوابت الوطنية، والأهداف العادلة لكفاحنا الوطني.
* العمل الحقيقي والفعلي لإعادة بناء م. ت. ف على أساس ميثاقها الوطني، وإنجاز تمثيلها لكافة القوى المناضلة، بالأسلوب الديمقراطي الذي يليق بنضالاتها.
* رفض سياسة الإملاءات الخارجية التي تحاول فرضها الإدارة الأمريكية وتوابعها للخروج من الأزمة الراهنة، وذلك بالإعتماد على قوى شعبنا الوطنية ومنظماته الشعبية للعمل المشترك من أجل تنفيذ الخطوات العملية لتجاوز المحنة الحالية.
إن رفع صوتنا المميز كمثقفين فلسطينيين هو أقل مانفعله حماية لقضيتنا، وصوناً لدماء شعبنا
وهيبته وتاريخه النضالي.                
وقد وقع على هذا البيان عدد كبير من المثقفين الفلسطينيين نذكر منهم:
ناجي علوش: باحث ومفكر، أنيس صايغ: مفكر ومؤرخ وباحث، حمزة برقاوي:      باحث، رشاد أبو شاور: روائي وقاص، خالد أبو خالد: شاعر، محمد العبد الله: كاتب، عوني صادق: كاتب، عدنان كنفاني: قاص وكاتب، فايز قنديل: كاتب.. وغيرهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
283