أحمد الخميسي أحمد الخميسي

غزة الجريحة تصوم وتفطر على مدافع الاحتلال!

في شهادة لمواطن فلسطيني من غزة يقول: لم أشتر لأبنائي الجبن والحلاوة والمربى للسحور هذا العام لأني لا أملك ثمنها. ويقول مواطن آخر هو أبو إيهاب الشاعر أب لخمسة أطفال: تناولنا السحور اليوم على ضوء شمعة، وكنا بالكاد نرى ما نأكله، فالكهرباء مقطوعة عندنا منذ أكثر من شهرين، وكذلك الماء. ومنذ عشرة أشهر – مع فوز حماس في الانتخابات في يناير هذا العام – وإسرائيل ومعها المجتمع الدولي بأكمله تضرب حصارا اقتصاديا وعسكريا على غزة، تضاعف طابعه الإجرامي  مع اختطاف جندي إسرائيلي داخل غزة في 12 يونيو.

 وواقع الأمر أن ما تقوم به إسرائيل في غزة في ظل الصمت الدولي والعربي هو جريمة حرب تقع على مرأى ومسمع من الدول الكبرى التي يؤرقها ضميرها بشأن دارفور. والدافع الرئيسي لذلك الحصار هو إجبار " حماس " على الاعتراف بإسرائيل أي الاعتراف بالاحتلال القائم لا أكثر.  وقد سبق للفلسطينيين أن قدموا ذلك الاعتراف منذ اثني عشر عاما حين وقعوا اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993، وتبين على مدى تلك السنوات أن الاتفاقيات السياسية بالنسبة لإسرائيل هي محطات تستريح فيها لمواصلة التوسع والحروب.  وقد أدى الحصار الطويل لقطاع غزة والخلافات السياسية بين الفصائل الفلسطينية، إلي اشتباكات داخلية أسفرت للمرة الأولى عن سقوط ذلك العدد الكبير من القتلى والجرحى.
وبطبيعة الحال فإن للخلاف السياسي بين فتح وحماس دوره في تلك الاشتباكات، إلا أن الدور الأول والرئيسي فيما جرى يظل للحصار البري والبحري والجوي، الإسرائيلي والمحلي، والدولي.  وفي ظل ذلك الحصار لايحصل مائة وعشرون ألف شخص على رواتبهم، وتحكم إسرائيل إغلاق المعابر والحدود التي تمر عبرها المواد الغذائية والتموينية إلى غزة، علاوة على قطع التيار الكهربائي، وإمدادات الوقود والغاز والمياه وتدمير شبكات الطرق الواصلة بين أجزاء قطاع غزة، وعزل القطاع عن الضفة الغربية، مع قصف المدافع الذي لا يهدأ ليل نهار.  ونتيجة لكل ذلك ارتفعت معدلات الفقر إلي ما يزيد عن أربعين بالمئة، وأصبح سكان القطاع ويصل تعدادهم لأكثر من مليون ونصف لايجدون فعليا طعاما، أو دواء، كما أن مغادرة القطاع للعلاج في الخارج أو الدراسة أصبحت أمرا مستحيلا.  وحولت إسرائيل غزة إلي سجن كبير، وألقت مفتاحه بعيدا على حد تعبير أحد المعلقين.  وخلال ذلك كله تواصل إسرائيل نهب المياه الجوفية من غزة عبر مضخات تسحب الماء إلي داخل إسرائيل، وأصدرت سلطات الاحتلال أوامرها بمنع الفلسطينيين من التصرف في مواردهم المائية، في الوقت الذي تواصل فيه سرقة الرمال الصفراء التي تستخدم في صناعة الزجاج وغيره، وسرقة التربة الطينية الصالحة للزراعة من أراضي غزة! وقطاع غزة الذي يتعرض لكل ذلك الحصار والتجويع والقصف اليومي لا يعدو كونه شريطا ضيقا طوله أربعون كيلومترا وعرضه عشرة كيلومترات فقط، ومع ذلك كانت غزة تاريخيا ومازالت تعد بوابة آسيا، ومدخل أفريقيا، والخط الأمامي للدفاع عن فلسطين والشام، والموقع المتقدم للدفاع عن العمق المصري.

وقد انتهت إسرائيل مؤخرا من إعداد خطة لاكتساح قطاع غزة، ويقول المحلل العسكري الإسرائيلي «روني دانييل» بهذا الصدد: «إن الجيش يريد أن يستعيد كرامته التي أهدرت في لبنان، والرد على كتائب غزة». ويقول مراسل عسكري للتلفزيون في تل أبيب: «سنخرج من لبنان وندخل إلي غزة».. ويخلص بتلك العبارة تاريخ ودور إسرائيل في المنطقة التي تخرج من مصر لتدخل إلي سورية، وتخرج من سورية لتدخل لبنان، وتخرج من لبنان لتدخل غزة، دون أن تتوقف عن الحرب، لأن التوقف يعني أنها لم تعد موجودة. 
لقد وقع ياسر عرفات واسحق رابين إعلان المبادئ الشهير باتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993، وفيه اعترفت منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود، كما اعترفت إسرائيل بالمنظمة ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني.  ونص الاتفاق على إقامة سلطة حكم  ذاتي ومجلس تشريعي لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات تنتهي بالتوصل لحل دائم.  فما الذي حصلنا عليه من الحل السلمي؟ ما الذي حصل عليه الشعب الفلسطيني؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
283