مصرع مارد أمريكي بعد عثرات عديدة.. GM ترتمي في أحضان الحكومة

إنها شركة ساعدت على رفع مئات الآلاف من العمال الأمريكيين إلى صفوف الطبقة الوسطى، حولت ديترويت إلى رمز لقدرة الموهبة الأمريكية على الإبداع والابتكار. خرج من معاملها سيارات شهيرة، مثل كاديلاك، أصبحت مرادفة للترف والفخامة. والآن تتقدم بطلب لإشهار إفلاسها، شيء لم يكن ممكناً التكهن به ليس فقط عندما كانت القوة المهيمنة في الاقتصاد الأمريكي منذ عقود خلت بل حتى أيضاً منذ بضع سنين خلت.

نادرا ما انهارت شركة إلى هذا الحد وبهذه السرعة كما انهارت جنرال موتورز. وبينما بدا إفلاسها مؤخرا شيئاً متوقعاً، لكن كان وصولها إلى هذه اللحظة حدثاً صاعقاً. «لم أكن أبداً على الإطلاق لأصدق بأن يوماً كهذا سيأتي»، قال جيم وانغيرس، مدير تنفيذي متقاعد والذي كان عضواً في الفريق الذي طوّر (بونتياك جي تي أو) ومؤلف كتاب «أيام مجيدة» الذي يدور موضوعه حول بونتياك عندما كانت في أوجها في الستينيات. «كنا ناجحين جداً»، أضاف جيم.
تأسست في عام 1908، حكمت دون منازع صناعة السيارات لمدة أكثر من نصف قرن، منتجة أنواع عديدة، عاكسة وعد الشركة بتقديم a car for every purse and purpose «سيارة لكل جزدان وغرض». التعبير القائل  «what’s good for General Motors is good for the country» (ماهو جيد لجنرال موتورز هو جيد لأمريكا) دخل القاموس. بعد نجاحات باهرة بدأ الضعف يدب في جي ام خلال عملية طويلة وبطيئة. عوامل قوتها، مثل البنية القوية للشركة التي كانت سبباً للانضباط الصارم في البدايات، أصبحت عوامل ضعف، حيث فقدت إحساسها في قراءة سوق السيارات الأمريكي التي ساعدت هي على بنائه، بينما أغوى صانعو السيارات اليابانيون حتى أكثر المشترين إخلاصا لها.
منذ ثمانية شهور فقط وقف ريك واكونير، حينذاك كان مديراً للشركة، أمام المئات من موظفيها للاحتفال بالذكرى المائة على تأسيسها «إننا مستعدون للقيادة لمئة سنة أخرى قادمة» قال السيد واكونير. لكن بدلاً من المضي في طريق القيادة، اتبعت جي ام شركات منهارة أخرى على طريق وعر مزدحم إلى محكمة الإفلاس.
دوّى الخبر إلى البعيد إلى ماوراء مركز الزلزال في ديترويت، إلى المعامل في المدن الواقعة في مناطق أخرى من مشيغن وفي ولايات أخرى مثل انديانا، تينيسي ولويزيانا. وبدأت تداعياته تفعل فعلها في «فيفث أفينيو» في نيويورك، حيث بنت جي ام مراكزها المالية، و«ايبكوت» في عالم والت ديزني في فلوريدا، حيث رعت جي ام جناحاً تعرض فيه أحدث سياراتها.
كانت مصانع جي ام طريقاً إلى الازدهار في المناطق التي أسعدها الحظ ليبنى فيها واحد من هذه المصانع. وضعت جي ام مدينة سبرينغ هيل، الواقعة خارج ناشفيل في ولاية تينيسي، على الخريطة عندما بنت مصنعاً فيها في عام 1985 محفزة هذه القرية الصغيرة لتنتفخ ببيوت وأسواق ومطاعم جديدة.
كان لدى الشركة عدد كبير جداً من المشترين الأوفياء، لكنها خسرتهم خلال سلسلة من الأخطاء الإستراتيجية التي بدأت في الستينيات. قامت الشركة في الثمانينيات بمشاركة أنواع مختلفة من الماركات مما أفقدها التميز الذي تمتعت به في الأسواق. عارض المدراء الماليون للشركة مطوري المنتجات ومسؤولي التسويق الذين دفعوا الشركة إلى الإنفاق على سيارات جديدة. لكنهم أجبروا على تمويل أنواع كثيرة جداً من السيارات، حيث كانت جي ام غالباً تلجأ إلى خطة تدعى «Launch and Leave» (اطرح منتجاتك وغادر)، منفقة البلايين مقدّماً لكي تطرح سياراتها في الأسواق، لكنها بعد ذلك قصرت في دعمها بدعايات مستمرة دائمة.
مع تقلص سوقها، لم تستطع جي ام أن تعطي موديلاتها وماركاتها المتعددة من السيارات الانتباه الخاص الفردي الذي ساعد هوندا على اجتذاب زبائن إلى سياراتها من طراز «Accord» وتويوتا من طراز «Camry». كما أوقفت أيضاً اهتمامها بسيارات تحتاج وقتاً لكي تجد زبائن لها، مثلما حدث عندما قدمت الشركة السيارة الكهربائية ومن ثم أوقفت إنتاجها في عام 1999 بعد ثلاث سنوات فقط.
بعد تقدمها بطلبها أمام المحكمة الاتحادية المختصة بقضايا الإفلاس في مانهاتن أعلنت جي ام حالاً بأنها ستغلق أربعة عشر مصنعاً– سبعة منها في مشيغن-  وستلغي أكثر من 21000 وظيفة أخرى. «هذا طن من الأحجار يقع على رؤوسنا»، قال السناتور كارل ليفين، ديموقراطي من ولاية مشيغن. «إن تلك أعمال ووظائف حقيقية، عائلات حقيقية، جماعات ومدن حقيقية، بأسماء حقيقية لمعامل حقيقية سوف تغلق».

أما إدارة وتنظيم الحكومة لتقليص حجم الشركة فستكلف دافعي الضرائب الأمريكيين 30 مليار دولار، علاوة على 20 ملياراً أخرى وضعت في الشركة سابقاً. مقابل ذلك، ستمتلك الحكومة الأمريكية 60 % من إجمالي جي ام الجديدة. إن عملية إنقاذ صناعة السيارات قد تكلف دافعي الضرائب الأمريكيين حوالي 100 مليار دولار. تدعو خطة الحكومة إلى أن يملك حاملو السندات الحاليين 10 % من جي ام الجديدة، بينما سيملك صندوق العناية الصحية لاتحاد نقابة عمال صناعة السيارات 17.5 % وستملك الحكومة الكندية نسبة 12.5 % المتبقية.
عندما وصل عمال مصنع ويلو ران في مشيغن إلى مبنى النقابة في الصباح تم إخبارهم بأن مصنعهم سيغلق وسيتم وقف بعض المنتجات حالاً وسيسرح ألف ومئة عامل ماعدا ثلاثمائة خلال أشهر.
«لدى سماع ذلك تحسب نفسك وكأنك في جنازة، كنت غاضباً في البداية، ثم بكيت ومن ثم اعتراني الغضب ثانية، لقد تألمت لأوضاع هؤلاء العمال. كان الرعب يغطي وجوههم». قال دان سكيدمور رئيس نقابة عمال المصنع.

ترجمة وإعداد حسين علي  /بوسطن
نقلاً عن الصحافة الأمريكية

معلومات إضافية

العدد رقم:
408