إبراهيم البدراوي إبراهيم البدراوي

كلمـات عن زيـارة أوبـاما

تمت زيارة أوباما لمصر، بكل ما سبقها وصاحبها ولحقها من هستيريا الترحيب والمديح والعرفان المسبق بالجميل!! والتبشير الفارغ بعصر جديد رائع.

أشارت كل الشواهد بأنه تم الإعداد بدقة لكل تفاصيل الزيارة (حتى الصغيرة منها) بهدف تجميل وجه أمريكا، ولكن كما نقول في مصر «ايش تعمل الماشطة في الوش العكر»، ولم يستطع كل ذلك الجهد أن يحقق الهدف.
الأبرز في سياق هذه الزيارة (التي أكدت ما كان قائماً قبلها وزيادة) هو الإجراءات الأمنية التي لم تشهد مصر مثيلاً لها في السابق، وصولاً إلى إخلاء كثير من الشوارع والميادين من الناس. ويتوازى مع ذلك حشد أكثر من ألفين من النخبة السياسية الحاكمة ورجال الأعمال والأحزاب والقوى السياسية الشرعية وغير الشرعية وجماعات المجتمع المدني المتمولة والمثقفين والدبلوماسيين الأجانب والصحفيين ورجال الدين... الخ، في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة لسماع أوباما والتصفيق له.

في ليلة الزيارة، قررنا في حركة كفاية (تضم أطيافا واسعة من خارج الأحزاب الشرعية) القيام باعتصام احتجاجي في ميدان التحرير لليلة كاملة. حوصر البعض قبل وصولهم الى الميدان بقوات أمنية هائلة غالبيتها من فرق الكاراتيه التي لا ترتدي ملابس رسمية وتم القبض على الدكتور يحيى القزاز الأستاذ بالجامعة لعدة ساعات. وحوصر من تمكنوا من الوصول الى الميدان مبكراً وخيروا بين الاعتقال أو فض الاعتصام. وتم إخلاء المكان من الناس.
دلالة واضحة بالنسبة لفض الاعتصام، هي حالة الرعب والقلق التي تعتري السلطة الحاكمة وإدراك حقيقة أنه لا ترحيب شعبياً سواء بالضيف أو المضيف، وذلك بعكس مرحلة سابقة كانت مواكب الرئيس جمال عبد الناصر مع ضيوفه وضيوف الشعب المصري لا تنقطع، والسيارات المكشوفة وحولها الملايين من الناس ترحب بالضيوف (من خروشوف إلى سيكوتوري – ومن سوكارنو الى بيكونين رئيس فنلندا) قبل النكسة وبعدها. لكن الزيارات الآن تتم بشكل شبه سري. فإذا كان كلاً من الضيف والمضيف مكروهاً من الشعب بما تطلب عمليات التأمين الهائلة، فلماذا يتشبث المضيف بكرسي الرئاسة ويسعى لتوريثه لابنه، ولماذا أتانا الضيف المكروه؟

استهدفت الزيارة كما أعلن عنها مخاطبة المسلمين. ولذا تضمن برنامجها زيارة أحد المعالم الإسلامية. لكن المدهش كان تحديد مسجد من العصر المملوكي أسسه أحد سلاطينهم الذي لم تكن له أي بصمات واضحة في التاريخ المصري. وكان الأولى حسب الهدف المنشود زيارة مسجد الحسين أو السيدة زينب (رغم أننا لا نوافق على أن يدنسها هذا الزائر). وكان هناك الأزهر (الذي حضر شيخه الخطاب) ومسجد السلطان الظاهر بيبرس وقلعة صلاح الدين التي يعلوها مسجد هو تحفة معمارية وغيرها.

والدلالة هنا تكمن في أن المعالم الهامة جداً والمحترمة جداً لدى المصريين التي تجنبها أوباما تشير إلى رموز إسلامية من ذوي التاريخ المجيد في المقاومة ومواجهة الغزو والظلم والطغيان، وهي رموز تتناقض مع طبيعة الزائر ورمزيته، ومن ثم كانت الزيارة لمسجد (له قداسته واحترامه بالطبع) ولكن من شيده مملوك ليست له أية مأثرة مذكورة، غير أن ما نتذكره هو قيام  السادات بدفن الطاغية العميل «محمد رضا بهلوي» بهذا المسجد بعد أن أطاحت به الثورة الإيرانية، وحل وهلك ضيفاً على السادات!
لم يعد خطاب أوباما بحاجة إلى تعليق بعد أن تناوله المئات بالتقييم والنقد، حيث يعكس بوضوح الموقف الأمريكي الذي لم يطرأ عليه أي تغيير. لكن اللافت هو حالة الاحباط التي أصابت منظري الفئات الوسطى الاصلاحيين الذين كانوا يحلمون بأن الخطاب سوف يعطيهم الإمكانية للترويج للمشروع الأمريكي والدفاع عن الرأسمالية المحتضرة بأساليبهم الملتوية والمخادعة، وبالتالي أعلنوا أن الخطاب جاء «مخيباً للآمال» في حين أن أبواق وغلمان وقيادات الطبقة الحاكمة وسلطتها ادعوا دون حياء أو خجل احتواءه على ايجابيات هائلة!!
لكننا نقول للطرفين أن أوباما قد أوضح بجلاء لا حدود له، ومن فوق منبر جامعة القاهرة انحيازه المطلق للعدو الصهيوني، وعداءه المطلق للشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية والإسلامية، وأكد فور مغادرته القاهرة هذا الأمر في الزيارة غير المسبوقة لمعتقل في ألمانيا وضع فيه اليهود مثل الآلاف غيرهم من شتى الجنسيات والأعراق ومورس ضدهم ما مورس ضد اليهود، وأثبت بذلك ولاءه المطلق للصهيونية وكيانها الغاصب  لفلسطين.
يتناسى الجميع أن أوباما جاء للمنطقة بينما الولايات المتحدة مثخنة بالجراح، مأزومة ومهزومة ، وأن الرأسمالية كنظام اجتماعي تتهاوى. ولكنه جاء في الواقع الى أتباعه كي يؤكد لهم أن كل منهما هو سند للآخر، ولترتيب الأوضاع في المنطقة لتأمين موجة جديدة من الانقضاض على المنطقة بشكل هادئ ما أمكن ولإنجاز مشروع الهيمنة الصهيو– امبريالية المسمى بالشرق الأوسط الجديد أو أي مسمى آخر، وإعطاء دور هام للعملاء والخونة في سحق كل أشكال المقاومة، وضمان قدر من الهدوء في المنطقة تسمح له بخوض معركة كبرى في التخوم الإسلامية لعالمنا العربي (باكستان وأفغانستان) لينطلق منها للسيطرة على آسيا الوسطى والقوقاز، وفتح الطريق للسيطرة على روسيا ذاتها التي تحتوي على 40% من ثروات العالم الطبيعية، ولإجهاض بقية القوى الصاعدة عالمياً أي الصين والهند أساساً، باعتبار أن ذلك كله هو الطريق الوحيد للتغلب على أزمة الرأسمالية.
لقد انكشف أمر أولئك الذين يدعون أنهم معارضة، سواء بالنسبة لكل الأحزاب الشرعية ومعها الإخوان المسلمون وجماعات المجتمع المدني ومثقفون وسياسيون وأعضاء مجلس شعب مستقلون (أي غير حزبيين)، إذ أن جميعهم في أفضل الأحوال هم مجرد منافسين أو متطلعين لنصيب في الكعكة. ولا يشفع لأي من هؤلاء ما رددوه قبل الخطاب وبعده. فكما نقول في مصر «الكلام ببلاش». ولا يستثنى من هؤلاء سوى كل من عبد الحليم قنديل، وحمدين صباحي اللذين وجهت لهما دعوات لحضور الخطاب ورفضوها، ومعهم ربما واحد أو اثنان اتخذوا موقف الرفض نفسه.
ها هو الاصطفاف يتضح دون أي لبس محلياً وإقليمياً وعالمياً. فهل نستطيع البدء ببناء اصطفاف سياسي لقوى المقاومة العربية التي تقف بوجه المشروع الصهيو– أمريكي، وفي سياق ذلك نصوغ إستراتيجيتنا، لنسير قدماً نحو الانتصار الذي لابديل عنه؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
408