الرئيس نجاد مرشحاً دفاع عن الكرامة الوطنية في وجه الاختراق عبر مراكز الفساد

تسترعي مجريات الحملات والمناظرات الانتخابية الساخنة في السباق على سدة الرئاسة في إيران الكثير من الانتباه، ليس فقط بسبب تجلياتها «الديمقراطية»، وإنما لوضوح الفرز في المواقف والمشاريع والارتباطات داخل القوى المكونة لبنية الدولة والمجتمع في نظام يوصف بأنه نظام «ملالي» مغلق، علماً بأن هناك من يشكك بهذه الديمقراطية انطلاقاً من كون المرشحين الأربعة من أبناء المؤسسة الدينية الإيرانية ذاتها، بشقيها «المحافظ والإصلاحي»، وهو ما يلقي بظلاله من ناحية أخرى على استمرار المؤسسة كمؤسسة في ظل الفرز الجاري فيها، الذي أخذ أبعاداً غير مسبوقة في شراستها لجهة تبادل الاتهامات وكشف الأوراق كاملة، ولاسيما من جانب الرئيس المنتهية ولايته والمرشح لولاية جديدة محمود أحمدي نجاد، الذي ركز برنامج حملته الانتخابي على الفساد داخل البلاد، بما في ذلك فساد كبار المسؤولين.

شعارات وشعارات مضادة في الشارع
منافسو نجاد هم الرئيس السابق للبرلمان، مهدي كروبي، ورئيس الوزراء السابق، حسين مير موسوي، والقائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي، وقد صرخ أحمدي نجاد في إحدى المناظرات بصوت عال: «هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام) هو من يدير المسرح. ثلاثة أشخاص ضد واحد». وكان أحمدي نجاد يشير إلى نفسه على أنه الشخص الوحيد الذي عليه أن يواجه ثلاث قوى مافيا.
في الشكلانيات الديمقراطية، امتد هذا الصراع المكشوف إلى الشارع مع خروج تظاهرات ومسيرات المؤيدين والرافضين بهتافات لافتة:

أنصار نجاد يصيحون «موسوي كاذب، الموت لهاشمي»!
وأنصار موسوي يرددون «وداعاً وداعاً أحمدي»، وهم يحملون لافتات تقول: «أحمدي يغادر»، في استرجاع للعنوان التاريخي للصحافة «الشاه يغادر».. وهددوا بشعارات أخرى: (إذا حصل تلاعب في الأصوات فسوف نقوم بالتخريب)!!
 
نجاد يتحدى
نجاد الذي يعترف خصومه بتواضع أسلوب حياته، أطلق جملة من المواقف وأثار مثيلها من القضايا التي تستحق التوقف عندها:
• «أنا مستعد للكشف عن جميع ممتلكاتي وحسابي المصرفي والمرتب، وإذا رأى القضاء وجود أي سوء استعمال، فإنني سأصر على أن يتم نشرها في كل الصحف(..) وأطلب من كل المسؤولين المرشحين للرئاسة الكشف عن ممتلكاتهم أيضاً».
• «كانت هناك دائرة تحكم البلاد، لكنني كسرت هذه السلسلة قبل أربع سنوات»، مؤكداً أن خصومه، ومن بينهم موسوي، يسعون لإضعاف إيران من خلال المطالبة بسياسة الوفاق مع الغرب.
• نجاد اتهم رفسنجاني بأنه «جزء من تحالف سياسي يدعم موسوي، متسائلاًً عن مصادر ثروة أبنائه الذين حصلوا مع بعض مؤيدي رؤساء الوزراء السابقين على امتيازات مالية بطرق غير قانونية»، وأن رفسنجاني «أبلغ السعوديين بأن حكومتي لن تصمد أكثر من 6 أشهر»!
• «موسوي يتهمني بالدكتاتورية، في الوقت الذي لم يكن هو يتحمل خلال حكمه وجود صحيفة معارضة واحدة، كما أن رفسنجاني انتقد خلال حكمه شخصياً عدة مرات الصحيفة المعارضة الوحيدة حتى أسكتها».
• وخلال إحدى المناظرات، اتهم نجاد منافسه الآخر كروبي بتلقي أموال من أحد كبار المخادعين، والموجود حالياً في السجن. كروبي في المقابل اضطر للاعتراف بأنه تلقى بالفعل نحو 300 ألف دولار، ولكنه قال إنه لم يكن يعلم في ذلك الوقت أن المتبرع له سجل إجرامي.
• نجاد تساءل ألم تهدر كرامة الإيرانيين عندما تعاونت الحكومة السابقة مع حكومة بوش في أفغانستان. إلا أن بوش صنف إيران ضمن دول محور الشر، وهدد بمهاجمة إيران؟ ولكنه اليوم صرح وقبل رحيله بأن أمريكا لا تريد إسقاط النظام الإيراني، في الوقت الذي أعلنت الحكومة الأمريكية طيلة السنوات السابقة وفي حكومة رفسنجاني وخاتمي أنها تسعى إلى إسقاط النظام الإيراني، بينما العالم اليوم، ينظر باحترام إلى إيران...
 
سجال علني
وقد شهدت مراسم ذكرى مؤسس الثورة الإيرانية الإمام الخميني تراشقاً لفظياً حاداً بين رفسنجاني ونجاد، حيث اقترب الأول من الثاني بعد انتهاء مرشد الثورة خامنئي من كلمته وقال له: كل ما قلته عن عائلتي في مناظرتك التلفزيونية كذب.. وإذا تنازلت عن حقي فإن أبنائي وإخوتي لن يتركوا الأمر يمر. ومضى متوعداً إياه: إذا كنت تريد الحصول على أصوات من خلال اتهام الآخرين فإنك خاسر لا محالة، وإنني أخشى عليك من المستقبل.
وأمام ذلك رد نجاد قائلاً: أنا لا أخشى أحداً، وعائلتك محترمة إن شاء الله.
ودعا رفسنجاني مرشد الثورة علي خامنئي إلى التدخل لضمان نزاهة الانتخابات الرئاسية «كيلا تقع فتنة داخلية خطيرة»، محذراً «أنه حتى إذا واصلت التسامح في هذا الموقف (اتهامات نجاد)، فإن بعض الناس والأطراف والفصائل لن تتسامح في ذلك».
تقول بعض التحليلات إنه منذ أربع سنوات، عندما بقي هاشمي رفسنجاني وأحمدي نجاد وحدهما للمواجهة في الجولة الثانية لانتخابات 2005، ركز أحمدي نجاد على ثروة رفسنجاني وأسلوب حياته وحياة أسرته المترف، وفاز في الانتخابات. خسارة رفسنجاني أحرجته أمام الشعب الإيراني، وقادته إلى خوض أربع سنوات من الحرب الصامتة ضد أحمدي نجاد ومؤيديه. ويرى بعض المراقبين أن احتمال فوز موسوي قد يعيد أنصار رفسنجاني إلى الواجهة، وهم أشخاص يؤكد نجاد أنهم امتصوا دماء الشعب وجمعوا ثروات طائلة، حيث برزت بعض الأخبار حول علاقة ابنه بصفقات تجارية كبيرة منذ عدة سنوات. وحاصرته وعائلته الشائعات بقوة، وتحدث الناس عن ملكيته هو وأسرته لمركز تجاري في كندا وعلاقتهم بمشاريع بناء في دبي وصفقات نفط وفستق حلبي وامتلاكهم حصة في الخطوط الجوية السعودية.. وغير ذلك.
 
«دور المرجعيات، مكافحة الفساد، الكرامة والعلاقة مع واشنطن»
وبينما يتعرض رئيس البلاد بشكل منتظم لانتقادات لإقالته مسؤولين كباراً في حكومته في إطار حملته المعلنة مسبقاً على الفساد، بمن فيهم وزير الاقتصاد ورئيسان للبنك المركزي، قال الرئيس السابق للبرلمان، مهدي كروبي إنه يريد في حالة وصوله السلطة «خفض جدار عدم الثقة بين بلاده والولايات المتحدة»، واصفاً رئيسها باراك أوباما بأنه مختلف عن سلفه جورج بوش الذي كان يعزز القطيعة بين البلدين، متحدثاً من جانب آخر عما وصفه بمشاكل جدية في اقتصاد البلاد خلال سنوات حكم نجاد، في مقدمتها ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، إضافة إلى تضرر الكثير من المجالات الاقتصادية بسبب السياسة الاقتصادية الخاطئة للحكومة، وهو ما نفاه نجاد مقدماً إحصائيات مختلفة.
أما موسوي فقد سبق له أن قال في أول مؤتمر صحفي له منذ إعلان ترشحه: «إن لغة الرئيس الأميركي التي يستخدمها مختلفة عن لغة سلفه، و«يمكننا أن نرى ونراجع في ضوء سلوكهم, وإذا حدث هذا فلماذا لا نتفاوض؟»، مشيراً إلى أن سياسته في حال انتخابه رئيساً «ستكون سياسة وفاق»، لأن «التطرف يكلفنا ثمناً باهظا مثل إطلاق شعارات شديدة اللهجة، وفي الوقت ذاته نتحدث عن صداقة مع أمة إسرائيلية»؟!!
وفيما يتداخل السياسي بالمرجعي الديني وأجهزته السياسية والأمنية والعسكرية المختلفة في إيران، أشاد المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي مراراً بحكومة نجاد، وحث الناس على انتخاب مرشح مناهض للغرب. ومن الممكن أن يقود هذا التأييد الواضح إلى حشد المحافظين وراء نجاد، لكنه قد يأتي أيضا بنتائج عكسية إذا استغل الناخبون الرافضون الفرصة لتحدي المؤسسة الدينية.
وفي مناظرة أخرى بين المرشحين الإصلاحيين كروبي وموسوي، خصصها المتنافسان افتراضاً، ليس لإظهار قدرات أحدهما مقابل الآخر، وإنما لتجديد اتهام نجاد بالتلاعب بالحقائق بشأن الاقتصاد، في حين أكد وزير الخارجية منوشهر متكي أن «حكومة نجاد جعلت من إيران خلال السنوات الأربع الماضية أقوى دولة في المنطقة، وحققت أعلى مستوى للصادرات غير النفطية قياساً بسابقاتها, حيث بلغت تلك الصادرات 20 مليار دولار في حين كان مستوى الصادرات غير النفطية في السابق نحو 7 مليارات دولار».
وبين هذا وذاك، لا يختلف اثنان على أن نتيجة انتخابات الرئاسة الإيرانية بين «محافظ» و«إصلاحي» ستلقي بظلالها على شؤون وشجون المنطقة ككل، بتحالفاتها ومحاورها وتكتلاتها، ولاسيما لجهة طريقة التعاطي مع المشروع الأمريكي-الصهيوني فيها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
408