المداخلة الرئيسية للرفيق حمزة منذر في ندوة أنقرة
أيها الحضور الكريم
بدايةً لابد من توجيه التحية والتقدير الكبيرين لحزب العمال التركي والمركز الاستراتيجي القومي التابع للحزب على تنظيم هذه الندوة بعنوان «التضامن بين تركيا وسورية»، والتي تحضرها أطراف سياسية وأكاديمية وإعلامية وشخصيات هامة متعددة من تركيا وسورية، ونحن نفهم أن جوهر عمل هذه الندوة هو التضامن بين الشعبين في سورية وتركيا، ليكون فاتحة عمل أوسع شعبياً وسياسياً وثقافياً وإعلامياً بين شعوب هذا الشرق العظيم، من جنوب وشرق المتوسط إلى بحر قزوين.. لأن شعوب هذه المنطقة كلها مستهدفة بالتفتيت الديمغرافي والجغرافي، والعدوانية الإمبريالية- الأمريكية والصهيونية العالمية، والتي ازدادت منذ مطلع القرن أكثر من أي وقت مضى.
وبالعودة إلى موضوع مداخلتي حول احتمالات التدخل العسكري ضد سورية وانعكاسات ذلك على سورية وتركيا، لابد من التأكيد على جملة من الحقائق أهمها:
1 ـ الاستهداف العدواني الغربي ضد سورية ليس جديداً، فمنذ سايكس بيكو لم تتوقف المؤامرات ضد سورية ودورها الإقليمي المعيق لمخططات القوى الاستعمارية، قديمها وجديدها، وكانت سورية بفضل وعي شعبها وتاريخه الطويل الكفاحي تخرج من كل الأزمات التي واجهتها أقوى مما كانت.
2 ـ إن سورية اليوم هي جزء من المحيط الإقليمي الأوسع من أفغانستان إلى المتوسط، حيث تؤكد الأحداث أن شعوب هذه المنطقة تنهض للدفاع عن استقلالها واستقرارها ومصالحها.
3 ـ تتعامل الإمبريالية والكيان الصهيوني مع كل بلدان المنطقة التي ذكرناها على أساس أنها مسرح عمليات استراتيجية واحد، وليس مصادفةً أن البنتاغون أنشأ قيادة عسكرية مركزية للسيطرة عليها إن أمكنهم ذلك، فهذه المنطقة منذ عمق التاريخ تمثل فضاءً جغرافياً وسياسياً واحداً يستند في الجوهر إلى العوامل الاقتصادية والثقافية المشتركة.
4 ـ في ظروف انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية منذ 2008، واستمرارها أفقياً وعمودياً، ازداد الوزن النوعي لمنطقة شعوب الشرق العظيم بسبب النفط والغاز وخطوط نقلهما، لذلك أصبحت السيطرة على منطقتنا هدفاً لا بديل عنه للإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية.
5 ـ بما أن السيطرة العسكرية المباشرة غير مضمونة النتائج بعد تجربة احتلال أفغانستان والعراق، وبما أن الموارد في تناقص بسبب الأزمة الرأسمالية العالمية، فإن خطة تفجير بؤر مختلفة في عدة بلدان وبآن معاً والقيام بحروب صغيرة إلى جانب تفعيل الصراعات الداخلية على أسس دينية وقومية وقبلية، أصبحت الوصفة الوحيدة للتعامل مع كل شعوب الشرق العظيم الذي يشكل التضامن بين شعوبه خطراً كبيراً على مصالح الإمبريالية العالمية وعلى كل مستقبل النظام الرأسمالي العالمي.
وهنا تصبح شعوب الشرق أمام مواجهة استراتيجية مع القوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية وأهم سمات هذه المواجهة أنها شاملة، أي على مساحة كبرى وعدد سكان لا يقل عن مليار نسمة، وكذلك حاسمة، والفشل فيها يعني النهاية، كما ستكون قاسية ويمكن أن تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، كما ستكون المواجهة مركبة تدخل فيها كل أشكال الصراع سياسياً واقتصادياً وإعلامياً ونفسياً، وأخيراً عسكرياً.
أمام العوامل التي ذكرناها فإن الشعب السوري لا يسقط من حساباته أبداً احتمال التدخل العسكري الخارجي ضد بلدنا سورية، خصوصاً بعد فشل الحرب الصهيونية- الأمريكية ضد المقاومة في لبنان 2006، وفشل التحالف الإمبريالي- الصهيوني- الرجعي العربي في إخماد المقاومة في فلسطين والعراق وفشل هذا التحالف في إخضاع سورية وإبعادها عن دعم المقاومات العربية، وفك علاقاتها مع إيران، وعندما يتهيأ الشعب السوري لمواجهة العدوان الخارجي المرتقب، فهو في آن معاً يعمل من خلال القوى الشريفة والنظيفة الموجودة في الحركة الشعبية وكذلك في النظام على سد جميع الثغرات الداخلية التي يمكن أن ينفذ منها العدو الخارجي، وهو ليس لديه سبيل إلى ذلك إلا من خلال الوصول إلى الإصلاح الجذري الشامل الذي يستطيع استئصال كل نقاط استناد العدو الخارجي داخلياً، وهو كذلك يدرك أن أية حرب ضد سورية ستكون لها تداعيات كبرى وخطيرة على كل دول المنطقة، بما فيها تركيا، وهنا نتفق مع تقييم الأشقاء في حزب العمال التركي في ورقة العمل المقدمة حول هذه الندوة «أن الحرص على وحدة الأراضي السورية هو كالحرص على وحدة أراضي تركيا، وأي دور لتركيا (التابعة للقيادة الأمريكية- الإسرائيلية) يهدد وحدة الأراضي السورية سيسرع عملية تفكيك وحدة أراضي وشعب تركيا بذاتها».
نحن نعول على مواقف وتضامن الشعب التركي وقياداته الوطنية الحقيقية الذي يدرك خطورة تورط حكومة حزب العدالة والتنمية في أية مشاريع عدوانية ضد سورية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن هنا رفض الشعب السوري نصائح السيد أردوغان والرئيس عبد الله غول والسيد أوغلو لأنها جاءت في إطار واحد مع الحملة الخارجية المعادية ضد سورية، والتي قادتها واشنطن وباريس والأجهزة الإعلامية التي تدور في فلك الرأسمال المعولم.
لقد قرأ أبناء جيلنا، وكذلك الأجيال السورية الشابة، الكثير الكثير من أعمال الكتاب والشعراء الأتراك أمثال ناظم حكمت وعزيز نيسين وغيرهما، وقرأوا عن الشعب التركي وثقافته.. والآن أذكر أمامكم ما قاله الكاتب المسرحي السوري العظيم الراحل سعد الله ونوس، مع نهاية القرن العشرين رداً على فوكوياما: «نحن محكومون بالأمل، وما يحدث ليس نهاية التاريخ».
ونحن اليوم في سورية أمام نهوض شعوب الشرق وترسيخ خيار المقاومة الشعبية الشاملة نقول: «إن ما يجري اليوم هو بداية التاريخ، ونحن محكومون بالنصر، لأن الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية إلى زوال، ولن ينقذهما كل ما يمتلكونهما من ترسانة عسكرية».