توركان أو زوم لقاسيون: الآفاق مفتوحة أمام شعوب العالم ولاسيما في الشرق الأوسط، لإلحاق الهزيمة بالإمبريالية
وعلى هامش فعاليات المؤتمر ذاته التقت قاسيون السيدة توركان أو زوم القادمة إلى بيروت من تركيا ضمن وفد مشروع الشعوب للشرق الأوسط، وهو مشروع يقدم نفسه بديلاً عن المشروع الإمبريالي الأمريكي الصهيوني في المنطقة والعالم وقد طرحت السيدة أو زوم خلال المؤتمر فكرة إقامة شبكة لتبادل المعلومات فيما بين القوى والأحزاب والفعاليات المقاومة للمشروع الأمريكي وصولاً إلى تشكيل جدول عمل نضالي مشترك يراعي الخصوصيات والمتطلبات المحلية شريطة أن يكون مبتعداً عن التحزبات العرقية والطائفية والدينية التي يراد فرضها مجدداً على أساس المبدأ الاستعماري المعروف «فرق تسد».
* ما هو مشروع الشعوب للشرق الأوسط؟
حسناً، لقد صاغت الولايات المتحدة إستراتيجية أسمتها إستراتيجية القرن الأمريكي، ويتمثل جزء منها في إعادة صياغة وهيكلة الشرق الأوسط على أساس هيمنة الولايات المتحدة وتحكمها بممرات الوصول إلى النفط. والهدف هنا لا يتوقف عند زيادة الدخل الدولاري الأمريكي فحسب وإنما أيضا للتحكم بقدرة الدول المنافسة الأخرى، مثل الصين، وأوربا واليابان، على الوصول إلى منابع النفط.
انتحل المشروع الأمريكي في السابق اسم مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومن ثم أصبح مشروع سلسلة الشرق الأوسط الكبير ومبادرة أمريكا الشمالية، وجاءت كوندوليزا رايس مؤخراً لتسميه مشروع الشرق الأوسط الجديد. لكن وبغض النظر عن تغيير المسميات والتكتيكات والشركاء فإن الهدف بقي ذاته وهو بسط الهيمنة الأمريكية وإخضاع دول المنطقة لهذه الهيمنة.
* ولكن ما الذي تعكسه هذه النزعة الأمريكية نحو السيطرة على أنابيب النفط والتحكم بمستقبل المنافسين الآخرين، فيما يتعلق بالداخل الأمريكي، بداخل النظام الإمبريالي الأمريكي؟
هذا يشير إلى ضعف الولايات المتحدة. صحيح أنها كسبت الحرب الباردة ظاهرياً ولكنها خرجت منها ضعيفة اقتصادياً وهي في الوقت ذاته راكمت قوة عسكرية هائلة سواء إبان الحرب الباردة أو بعدها، ولم تعمل على نزع سلاحها بذات المقدار الذي فعلته الكتلة الأخرى. فإذا ما نظرنا إلى القوة العسكرية الأمريكية سنجد أنها تضاهي الآخرين مجتمعين، وبالتالي فإنها تشكل مصدر خوف لهم بالمعنى العسكري. ولكنها في الواقع تستخدم قوتها العسكرية لتخفي مكامن ضعفها الاقتصادي..
* ولكن هذه القوة العسكرية تهتز وتتعرض لضربات في العراق وحتى هنا في لبنان من خلال الذراع الإسرائيلية ..؟
وهذا ما نرحب به كثيراً. ففي العراق ظهر أن القوة الأمريكية لا تمتلك تلك الحصانة العسكرية المفترضة وأنها ليست على ذلك المقدار الذي كان يعتقد بوجوده الآخرون أو يخشونه. وكذلك أثبت لبنان أن إسرائيل، التي كانت ترهب دول المنطقة برمتها طيلة السنوات الخمسين الماضية، ليست عصية أيضاً...
* وانطبق الأمر ذاته على أفغانستان أيضاً..
نعم، ولقد وصلنا إلى وضع تعاني فيه الولايات المتحدة من ضعف اقتصادي ومن هزائم عسكرية مما يفتح الآفاق أمام شعوب العالم أجمع، ولاسيما في الشرق الأوسط الذي يشكل بؤرة الاستهداف الأمريكي حالياً، لإلحاق الهزيمة بالإمبريالية عملياً.
* وما هي الوسائل لتحقيق ذلك؟
لا يمكن أن تكون هناك طريقة وحيدة فقط. رأينا المقاومات المسلحة هنا في لبنان وكذلك في العراق وهذا يمثل أحد أشكال المقاومة ونحن في مشروعنا ونشاطنا وكوننا مناهضين للرأسمالية لا نقف حياديين عند مسافة واحدة من كل التطورات والأطراف فهذا أمر غير مجد، فإذا أردت أن يكون لك موقف ضد الإمبريالية والولايات المتحدة والصهيونية فعليك أن تبحث عمن يقاوم، وإذا وجدت أنه توجب عليهم المقاومة بالسلاح فعليك حمل السلاح. وعلى سبيل المثال لا يمكنك خلال الوضع الذي شهدناه في لبنان أن تقف وتكتفي بنثر الورود. ويعني هذا أنه قد يتوجب على المقاومة في لحظة ما حمل السلاح، ليس دائماً وعلى طول الخط دون جدوى، ولكن في لحظات شبيهة يصبح الكفاح المسلح ضرورياً. ولكن لا يمكننا حصر كل أشكال مقاومة الإمبريالية بالمقاومة المسلحة، وعلينا النظر إلى بلدان أخرى مثل تركيا وأوربا والولايات المتحدة ذاتها حيث هناك أناس يموتون في الحروب التي يجري زجهم فيها، وآخرون يدفعون ثمن هذه الحروب من خلال التحول إلى عاطلين عن العمل ودفع ضرائب مرتفعة جداً لتمويل تلك الحروب، أو من خلال عدم حصولهم على مستوى الرعاية الصحية الذي كانوا يتلقونه سابقاً وهناك أيضاً ذاك الانتهاك السافر والمباشر للحريات الديمقراطية في الغرب، وهي الديمقراطيات التي خاضت نضالات طويلة ومريرة لكي تتشكل هناك ..
* وماذا بخصوص المنطقة هنا؟ ماذا عن أشكال المقاومة الأخرى من ثقافية وإعلامية دون الإقلال من أهمية المقاومة المسلحة؟
بالفعل يرتدي الإعلام أهمية خاصة حالياً، وأصبح الوصول للمعلومات والمواقف والجدال في صفوف مختلف الحركات يكتسب أهمية موازية، ولذلك بات علينا أن نبني حركة عالمية تتصل أطرافها بعضاً ببعض وتتحاور وتقاتل على كل هذه الجبهات عند الضرورة، وهذا سيجمع أولئك الذين يقاومون بفنون النحت التي يتقنونها بأولئك الذين يقاومون بأقلامهم أو موسيقاهم أو أشكال التظاهر والاحتجاج أو من خلال أصواتهم عند صناديق الاقتراع. فعلينا أن نوجد قنوات اتصال وحوار دائم فيما بين كل هؤلاء لنعرف ماذا يجري هنا وماذا يجري هناك وبماذا تفكر هذه القطاعات ومن خلال هذه العمليات الصغيرة يمكننا أن نوجد جدول عمل مشترك وتركيز نضالنا ضد الامبريالية والصهيونية عليه، ومعرفة كيف يمكننا خوض هذا النضال بفعالية أكبر وتحديد ما الذي يمكننا فعله في حالات محلية معينة. فعلى سيبل المثال أرسلت تركيا قوات إلى لبنان ونحن كنا ضد ذلك وتظاهرنا احتجاجاً عليه. وبالتالي ينبغي أن نكون على اتصال مباشر مع المقاومة اللبنانية بخصوص هذه النقاط سواء كانت مقاومة إعلامية أو أي أشكال أخرى من المقاومة وينبغي علينا أن نعرف ماذا يجري مع هؤلاء الجنود ولاسيما مع الحظر والتعتيم الإعلامي الذي يفرضه الجنرالات على أخبار هؤلاء الجنود في وسائل الإعلام السائدة، وهكذا ينبغي على الإعلام البديل أن يتولى القضية بفعالية وبالتضامن مع الشعب اللبناني.
* برأيك، ما هي القضايا والمسائل التي تتطلب التضامن حالياً؟
اعتقد أنه ينبغي حالياً تعميم رسالة التضامن. حسناً تركيا أرسلت قوات، فما معنى ذلك؟ هل يعني أن كل الناس في تركيا يقفون إلى جانب إسرائيل. هذا ليس بسؤال، فهناك حملات مناهضة للحرب ومشاريع سياسية جديدة تعمل ضد ما يفعله النظام التركي تجاه المنطقة فتركيا تتعاون مع الامبريالية والصهيونية وهذا ما علينا مجابهته على كل الجبهات لنناضل ضده، ولهذا نحن موجودون هنا في هذا المؤتمر لنقول إنه ليس كل الأتراك كذلك ونقدم رسالة التضامن هذه. وإن إعادة رسالة تضامن مماثلة إلى الشعب التركي هي جزء هام كذلك، جزء صغير ربما، ولكنه هام. وهناك كذلك مواضيع أخرى وهناك زملاء آخرون من مشروعنا يعملون في المحاور الأخرى، إعادة الإعمار، الإستراتيجية، ومحاكمات الحرب وفي كل المجالات حيث نحاول أن نصل لخطوات ملموسة. وينبغي مثلاً أن تكون هناك حملة ملموسة حول مطالب الشعب اللبناني، فينبغي علينا أن نستمع إليه ونرى ما الذي يمكننا فعله عملياً ولذلك يتوجب إقامة شبكة لأشكال التضامن العملية والتضامن السياسي وينبغي علينا أن نعمل يداً بيد.
* هل من كلمة أخيرة لقراء قاسيون؟
اعتقد أن الوضع الحالي يفرض علينا النظر إلى المنطقة والعالم بالطريقة التي تمكننا من إعادة هيكلة مشروع الشعوب. أنا شخصياً تروتسكية التوجه وهناك زملاء لي شيوعيون أو اشتراكيون ممن يستلهمون تجربة تشي غيفارا ولكن ينبغي علينا جميعاً أن ننظر للعالم على حقيقته وللإمبريالية على حقيقتها وأن نوجد لغة مشتركة، صيغة مشتركة للنضال. وبطبيعة الحال ستكون بيننا اختلافات في مقارباتنا للحلول. قد أكون ميالة لربط المقاومة بالمقاومة الاجتماعية ضد الليبرالية الجديدة وأن أربط بين قضايا الليبرالية الجديدة والحروب. ولننظر إلى مسائل الديمقراطية في العالم العربي وفي تركيا أيضاً، ليس في إطار توجيه أصابع الاتهام، ولكن تركيا مثلاً لديها مشاكل ديمقراطية جمة، وهي التي كانت تقمع الأكراد مثلاً طيلة عقود وما تزال... ولذلك ينبغي علينا أن ننظر للعالم ونسعى لأن نوجد الطريق للمضي قدماً دون أن ننقسم على أساس اختلاف جنسياتنا أو أدياننا أو عرقياتنا أو طوائفنا لأن ما يوحدنا أكثر وهو أننا نعاني من المشكلة ذاتها. ولذلك علينا الخروج بجدول عمل مشترك وأن نتطلع للأمام وليس للخلف نحو تحزباتنا وانقساماتنا السابقة فنحن نحتاج لتوحيد صفوفنا. ونحن في مشروع الشعوب بوصفنا مناهضين للرأسمالية نساند وحدة الحركات والشعوب والمقاومات في وجه المشروع الإمبريالي الذي يضر بمصالح العمال والفقراء في الولايات المتحدة مثلما يضر بمصالح العمال والفقراء في الشرق الأوسط ومصالح من يقاومون هذا المشروع. ينبغي علينا صياغة خطة مشتركة للمقاومة. وشكراً!
* شكراً لك
■ أجرى اللقاءات
عبادة بوظو / عروب المصري