المقاومة والمساومة استراتيجيتان لا تلتقيان!
منذ نكبة 1948، وكل ما تلاها من اعتداءات وحروب و اجتياحات إسرائيلية للأرض العربية، أوحى النظام الرسمي العربي بإمكانية قيام إستراتيجية عربية تحرر الأراضي المحتلة وتعيد الحق إلى نصابه. لكن الرهان كان خاسراً وسرعان ما اكتشفت الشعوب العربية أن النظام الرسمي العربي يفتقد لإرادة المواجهة وهو لا يخرج عن مرجعيته الأجنبية التي أشرفت على تكوينه منذ سايكس- بيكو وحتى الآن...
في الطرف الآخر من المتراس قدمت المقاومة نموذجاً فريداً في صياغة إستراتيجيتي التحرير والدفاع عن الوطن والشعب والكرامة الوطنية رغم كل ما يقال عن الخلل في موازين القوى..
فلولا المقاومة الفلسطينية لكانت القضية الفلسطينية نسياً منسياً، رغم مئات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة. ولولا المقاومة اللبنانية التي سبقت اجتياح 1982 وبعده لما تحرر شبر واحد من الأراضي اللبنانية المحتلة. ولولا مقاومة أحرار الجولان ورفض الهوية الإسرائيلية لما بقي الجولان على جدول السياسة الدولية، وأن لا سلام ولا أمن في المنطقة إلا بتحريره حتى حدود الرابع من حزيران 1967. ولولا المقاومة العراقية لما تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة.
وهذا يسمح لنا باستنتاج رئيسي وهو أن أي مكسب أو انتصار تحقق ضد العدو الصهيوني يعود الفضل فيه إلى خيار المقاومة والمقاومين البواسل على الجبهات كافة. وعلى الدوام كانت أعداد المنخرطين في الفعل المقاوم قليلة بالقياس إلى من يتهيب المواجهة أو يقف على الحياد أو أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم مسايرة المحتل أو العمالة معه..
لكن خيار المقاومة والمقاومين انتزعوا الاعتراف والاحتضان التدريجي من جماهير شعبهم بسبب صلابتهم وتضحياتهم ومآثرهم المتلاحقة والتي أهمها تحقيق الانتصار تلو الآخر ضد المحتل الذي يفوق المقاومة عدةً وعديداً.
إذا المخرج الوحيد أمامنا في ظروف الاحتلال ووضوح المخططات الإمبريالية والصهيونية، هو خيار المقاومة واعتماده كإستراتيجية في حالتي التحرير والدفاع عن الوطن والشعب والكرامة الوطنية.
ففي جنوب لبنان فرضت المقاومة على المحتل الإسرائيلي الانسحاب دون قيد أو شرط، وفي غزة الباسلة اضطر الاحتلال إلى إخلاء القطاع أيضاً دون قيد أو شرط، وهو الآن يخشى اجتياح القطاع بسبب المقاومة رغم الحصار والتجويع وخيانة النظام الرسمي العربي العاجز عن إغاثة المحاصرين حتى بالغذاء والدواء والكهرباء، مع أن القطاع متواصل جغرافياً مع مصر. لكن سيناء المصرية عادت بالشكل في حين أن الكلمة العليا فيها للقواعد الأمريكية ومحطات الإنذار المبكر بحسب اتفاقات كامب ديفيد والتي جعلت الشاعر أحمد فؤاد نجم يقول في أغنيته: «ربحنا سينا وخسرنا مصر»!
بعد حرب تموز 2006 وانتصار المقاومة فيها، تغيرت المعادلات في المنطقة، وإن كان جورج بوش وأتباعه في دول «الاعتلال العربي» يصبون جام غضبهم على المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وضد سورية وإيران.
وإذا كان «اتفاق الدوحة» قد أعاد السنيورة إلى رئاسة الحكومة في لبنان رغم كل ما أسفرت عنه تلك الحكومة وفريق 14 شباط من مواقف تصب في مصلحة العدو، فإن المقاومة في لبنان ستعيد الأسرى اللبنانيين وتحررهم من السجون الإسرائيلية وعلى رأسهم سمير القنطار، وهاهي المقاومة وعلى لسان قائدها الأمين العام حسن نصر الله تتعهد باستمرار إستراتيجية التحرير وإستراتيجية الدفاع عن الوطن والشعب.
وفي مقلب آخر للمشهد في المنطقة وتفاعلات قضاياها، يشدد عدد كبير من السياسيين والإعلاميين الغربيين، أمريكيين وإسرائيليين، على أن أي تفاوض مع إيران بخصوص ملفها النووي ينبغي أن يكون بعد توجيه ضربة عسكرية لها، بمعنى إيجاد أرضية وشروط أخرى لأي تفاوض أو تسوية لاحقة يبتغونها مع طهران.
واستشهاداً بكل ما سبق فإنه لا رهان إلا على خيار المقاومة لتحرير الجولان والأرض الفلسطينية واللبنانية وتكنيس الاحتلال الأمريكي من العراق لأن إستراتيجية التحرير هي في حالة تناقض على طول الخط مع «إستراتيجية المفاوضات» التي غرق فيها النظام الرسمي العربي منذ 1948 وحتى اليوم، ولم تسفر إلا عن قبض الريح لأن أية مفاوضات لن تكون ناجحة إلا إذا كانت نتيجة لقوة المقاومة وفعلها على الأرض!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.