إبراهيم البدراوي – القاهرة إبراهيم البدراوي – القاهرة

الصهاينة يفاوضون الصهاينة

أخيراً  تم استئناف المفاوضات التي لن تنتهي بين عباس والعدو الصهيوني رغم رفض كل المنظمات الفلسطينية تقريباً، حيث تجري تحت رعاية أمريكية.

الموقف الصهيو– أمريكي:

لا يحمل جديداً يمكن أن يتخذ ذريعة لقوى الاستسلام لقبول التفاوض. بل أكد ضرورة الاعتراف بالكيان كدولة يهودية. الأمن هو أساس السلام. كلام مبهم عن التوصل لحل قضايا الوضع النهائي. أكد نتنياهو في مواجهة الجميع الحق التاريخي لليهود في أرض الآباء والأجداد. التحذير من خطر ايران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية على السلام.

موقف عباس:

لم يعترض على شيء مما ردده نتنياهو. طالب فقط بوقف الاستيطان ورفع الحصار عن غزة. وأكد الوفاء بالتزاماته. أدان عمليات المقاومة التي جرت مؤخراً. 

عمليات التعمية:

ادعت واشنطن وجود خلافات كثيرة بين نتنياهو وعباس في هذه الجولة الأولى. في حين تم الاعلان عن ارتياح بين الفلسطينيين والصهاينة لنتائج الجولة!

نبيل شعث لم يهتم سوى بالتصريح بأن الجولة الثانية ستعقد في شرم الشيخ وحول مسائل إجرائية.

ليبرمان استبعد تسوية قضايا الوضع النهائي، أو توقيع اتفاق سلام العام الجاري أو المقبل، وأكد أن الأكثر واقعية هو التوصل الى اتفاق طويل الأجل أو حل مرحلي، وضرورة أن تركز المفاوضات على القضايا الأمنية والاقتصادية.

عمرو موسى– حسب الإذاعة الإسرائيلية– بعد لقائه بشيمون بيريز على هامش مؤتمر اقتصادي عقد في ايطاليا، صرح بأن الجولة الحالية من المفاوضات هي الأخيرة وبأن «العرب مستعدون للسلام والتطبيع مع «إسرائيل» مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967».

بصدد هذه المسرحية الساقطة تجري عمليات خلط متعمد وتصريحات متناقضة لوضع الناس في حيرة. لكن الأخطر هو تزييف المفاهيم لتمرير الكارثة. 

السلام والتطبيع:

يجري الخلط بينهما. ففي حين أن مصطلح السلام واضح ومحدد يتمثل في انهاء الحروب والنزاعات المسلحة فإن اقترانه بمصطلح التطبيع له استهدافات أخرى. فمصطلح التطبيع الذي أقحم علينا منذ الصلح المشين بين السادات والصهاينة ليس من لزوميات السلام كما عرفته العلاقات الدولية. إذ أن السلام يجري على أساس اتفاقيات تراعى فيها حقوق الأطراف المتنازعة بما يحقق سلاماً عادلاً، وبما يحفظ الاستقرار لفترات تطول أو تقصر حسب تطورات العلاقة بين الطرفين. لكن اقتران التطبيع بالسلام انما يعني فرضاً قسرياً لشروط تخرج السلام عن جوهره كحدث يجري بين أطراف متكافئة، ويتحول السلام إلى استسلام فعلي يجرده من جوهره ومبتغاه. وها نحن نشهد في مصر ماجلبه التطبيع وما استتبعه علينا من خراب. 

الشرعية الدولية والشرعية الأمريكية:

ابتكر السادات عبارة أن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا، وتبعه مبارك على الدرب نفسه. وأذيبت الحواجز بين المؤسسات الدولية المعبرة عما يسمى بالشرعية الدولية لتتخذ قراراتها بالواسطة نيابة عن الدور الأمريكي، الذي اعتبره النظام الرسمي العربي هو الشرعية الدولية (واقعياً)، وهو ما افضى عملياً إلى طمس قضية الصراع بأبعاده الدولية واستحقاقاته، وأشاع الوهم عن دور أمريكي يعفيهم من أية استحقاقات. 

الشرعية الدولية والعدالة:

تم تجاهل مطلق ومتعمد لحقيقة أن ما يطلقون عليه الشرعية الدولية ينتجها نظام دولي محكوم بميزان قوى دولية أيضاً.. على عتبات النظام الدولي الذي أنتجته الحرب العالمية الأولى صدر وعد بلفور. وأنتج هذا النظام الدولي عقب الحرب مؤسساته (عصبة الأمم أساساً)، حيث تم تكريس وشرعنة الاستعمار واقتسام العالم فيما بين الضواري الامبرياليين المنتصرين في الحرب عبر الوصاية والانتداب والحماية... الخ. ثم أفرزت الحرب العالمية الثانية نظاماً دولياً أقامه المنتصرون فيها محكوم بتوازن قوى بين هذه القوى المنتصرة، وتم بناء مؤسساته (الأمم المتحدة أساساً) كأداة للشرعية الدولية الجديدة. وأشعلت الامبريالية الأمريكية حروباً إقليمية عدة ضد شعوب (كوريا وفيتنام كنماذج)، وأقيم الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بمباركة الشرعية الدولية. ورغم عدوانية الامبريالية فقد حققت حركات التحرر الوطني العالمية وفي القلب منها شعوبنا العربية انتصارات رائعة. ولم تكن هذه الانتصارات نتيجة لاستنطاق النصوص الخرساء لمواثيق مؤسسات النظام الدولي وشرعيته المدعاة، ولكنها كانت نتيجة لما تم ارساؤه على أرض الواقع بنضال وارادة الشعوب الساعية نحو التحرر. بل وفي ظل ميزان قوى مختل بشكل هائل لمصلحة الامبريالية بعد الانقلاب المضاد للثورة في الاتحاد السوفييتي، فقد انتصرشعب جنوب افريقيا في تسعينيات القرن الماضي على النظام العنصري بفضل نضال مرير وطويل وتضحيات هائلة. وهكذا فإن الحقوق لا تسترد بالاستجداء والتسول، اذ لاعواطف في السياسة. ولكن أصحاب الحقوق بنضالهم ومقاومتهم يسهمون في صياغة وتعديل ميزان القوى لصالحهم بانتصارات يحققونها على الأرض، ويسهمون في إرساء شرعية دولية تقوم على العدل. 

الملاذ:

كانت مقاومة وتضحيات حزب الله والمقاومة الفلسطينية والعراقية وصمود سورية هي ما أوقفت المشروع الصهيو– أمريكي للهيمنة المطلقة على المنطقة، رغم الشوط الهائل الذي تحقق في مناطق عدة (الاحتلال الأمريكي مدفوع الأجر لكل بلدان الخليج نموذجاً). لكن المقاومة أثبتت أنها الملاذ الوحيد، وهي حقيقة صاحبت الصراع العالمي وعلى مستوى المجتمعات على طول التاريخ. ورغم ذلك، ورغم أن الامبريالية عموماً والأمريكية على وجه الخصوص تعيش أزمتها العاتية التي لا مخرج منها، وأن الرأسمالية كنظام دخلت الى مرحلة الاحتضار (ومعها بالتبعية أحد أهم منتجاتها أي الكيان الصهيوني)، ولا تطمس هذه الحقيقة وحشية المحتضرين الملازمة لقرب النهاية،. فإن المماليك العرب من قوى حاكمة وغير حاكمة يتحشدون لحماية ذواتهم أي عبوديتهم للسادة طواغيت المال في الغرب، ويوجهون سهامهم تجاه المقاومة ونهجها وقواها، رغم أنها الملاذ.

نبذ طريق الاستسلام وفضحه واسقاط وافشال التفاوض  الإسرائيلي– الإسرائيلي، وبذل أقصى الجهد للتراص والتوحد لمساندة المقاومة وممارسة كل أشكالها هو الملاذ الوحيد الذي يضمن البقاء.

آخر تعديل على الأربعاء, 27 تموز/يوليو 2016 23:04