الضربة الأولى لمن؟

الأسئلة المرتبطة باندلاع نزاع عسكري في المنطقة لم تعد من شاكلة هل ستندلع الحرب؟ أو متى ستندلع الحرب؟ فقد بات ذلك بحكم المؤكد، أقله، في ظل الحراك «الدبلوماسي» النشط محلياً وإقليمياً ودولياً، تحت وابل من التصريحات والتهديدات الأمريكية الإسرائيلية المتنقلة من عاصمة إلى أخرى، ضد سورية ولبنان وإيران، تحت ذرائع جديدة، تتزامن على نحو لافت مع تصعيد تحريضي كبير، ومفرط في إسفافه وخزيه، في لغة وتصريحات وتحليلات ومطالب «رموز» ما تسمى بالمعارضة السورية في الخارج، الداعية إلى التبرؤ من «السيادة الوطنية الفارغة من معناها ومضمونها والفاقدة لقيمتها» طالما «بقيت سورية محكومة من نظامها الحالي»، مثلما التقطت «المعارضة» الإيرانية أنفاسها ودعت لتجدد التظاهرات الاحتجاجية في الشوارع في ذكرى الانتخابات التي أوصلت أحمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية.

كما تزامن ذلك أيضاً مع مواصلة الحكومة العراقية ووسائل إعلامها للتحريض على سورية تحت ذريعة ضلوعها في العمليات التخريبية التي تستهدف أبناء الشعب العراقي وما بقي من بنيته التحتية في ظل الاحتلال، وصولاً إلى اتهامها عبر «اعترافات إرهابيين عراقيين» متلفزة بالتورط في تدريب عناصر من «جماعة أبو مصعب الزرقاوي»(!!) وكأن سورية لا تعاني في أمنها الداخلي من هذه الجماعات التكفيرية السلفية التي عاثت قتلاً وتخريباً في العراق، تحت يافطة «المقاومة» زوراً وبهتاناً للنيل من المقاومة العراقية الفعلية ضد المحتل الأمريكي!!!

اخترعوا قضية صواريخ سكود. جنرالات الكيان الصهيوني ينفون أولاً احتمال قيام حرب في هذا الصيف، ثم يتناوبون في التصريحات، تارة إذا اندلعت الحرب مع سورية، فستعيدها للعصر الحجري، وتارة يستبعدون احتمال قيام «صدام كبير وواسع»، (أي مع إبقاء احتمال «المحدود»؟!). واشنطن تعرب عن القلق، وبعدها تحذر مع تل أبيب من تغير موازين القوى في لبنان وحدوده مع فلسطين المحتلة، وقبلها مجلس الشيوخ يدرس مشروع قانون عقوبات جديد على سورية بسبب «فعلتها»، وكلينتون تحذر «قادة عرباً» من احتمال الحرب، ومصر «تنقل» هذه التحذيرات، وغيتس يقول إن لدى حزب الله مقذوفات وصواريخ أكثر من معظم حكومات العالم. أما الاتحاد الأوربي، فيتنصل مسبقاً فيما يبدو، ليصدر بياناً يعرب فيه عن قلقه من التطورات ويدعو فيه الأطراف إلى استئناف عملية السلام.

في المقابل لم تستكن دمشق وطهران للتهديدات، وردتا بشكل مباشر أو غير مباشر على التهديدات بمثلها، في لعبة شد حبال تشير، فيما تشير إليه، إلى أن لجوء واشنطن وتل أبيب لسلاح التهديد والترهيب النفسي والمعنوي وكسر الأشواك، بغية انتزاع تنازلات ما، وفرض تسويات ما، لم يجد نفعاً، ما يعني أن البديل هو محاولة اكتشاف احتمالية ذلك ميدانياً كنتيجة لتوازن قوى جديد يعقب مواجهة عسكرية، لم يعد أمام الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية بدٌ من خوضها، بغض النظر عن عدم ضمان نتائجها تحت وطأة أزماتهما المستعصية المتعددة وعدم استعدادهما لقبول عدم انصياع قوى ودول المقاومة والممانعة في المنطقة وتعاظم قدراتهم، وتحديداً العسكرية منها.       

ومع اكتمال جوقة التهويل والتهليل والتحضير النفسي لبدء عدوان ما على لبنان أو سورية، أيهما أولاً، أو حتى على إيران، ربما كان السؤال الأكثر إلحاحاً في هذه القضية هو: من سيلجأ للضربة الأولى، ليضمن مفاعيلها وقوة تأثير مفاجأتها على الآخر، ليتبعه سؤال لا يقل أهمية يتعلق باستكمال كل المكونات المطلوبة للبيئة اللوجستية للمواجهة والتي لا يشكل الجانب العسكري عاملها الوحيد، بل يتكامل مع بقية مكونات منظومة القوة، ومن بينها الحاجة الماسة لسد فراغات الاستياء الشعبي من تردي الوضع الاقتصادي، بمعنى ما يلمسه المواطن في مفردات معيشته اليومية، وليس ما يسمعه من تصريحات براقة ومعسولة للمسؤولين الحكوميين، تلك الفراغات التي تشكل ممرات يسهل عبرها تسلل الألاعيب النفسية المعادية، سواء كان مصدرها واشنطن أم تل أبيب أم من لف لفهما من أدعياء الفكر والسياسة والثنائيات الوهمية، وتشبيهاتها.     

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.