ألان شويه: الحديث عن أسلحة «غير قاتلة» تلاعب كلامي!
في مقابلة مع ألان شويه المدير السابق لجهاز الأمن الخارجي الفرنسي فرع دمشق والذي شغل لاحقاً منصباً رئاسياً في جهاز الاستخبارات الفرنسية، يُعتبر الرجل واحداً من أفضل الخبراء المتخصصين بالعالم العربي-الإسلامي. المقابلة التي أجراها الصحفي جان غينيل، منشورة على موقع جريدة لوبوان، بتاريخ 17 آذار 2013.
هل من المناسب أن تقوم فرنسا بتزويد المعارضة السورية بالسلاح؟
أنا مندهش من هذا الأمر. فنحن سنجد أنفسنا خارج الشرعية الدولية بشكل كامل وفي وضع لم يسبق له مثيل. وللمقارنة أستطيع القول كما لو أن فرنسا قررت وحدها في عام 1991 تسليح (الجماعة الإسلامية المسلحة) و(جبهة الخلاص الإسلامية) في الجزائر تحت ذريعة فوزهم بالانتخابات وبأن العسكريين قد أوقفوا العملية الانتخابية. في الحالة السورية، سنسلح جماعات لا تمثل أحداً ولا يعترف بها أحد، سوانا! فحتى منظمة الأمم المتحدة لم تعترف بالمعارضة. من جهة أخرى عن أية معارضة نتحدث؟ فهي متنوعة، هجينة ومنقسمة تماماً. العسكريون فيها لا يعترفون بسلطة السياسيين، بالإضافة إلى سيطرة الجماعات الجهادية في داخل تركيبتها العسكرية.
ما الأسلحة التي تريد فرنسا تزويدهم بها؟
لا أعرف. أنا أسمع عن أسلحة «دفاعية» وهي بالنسبة لي لا تختلف إطلاقاً عن الأسلحة «الهجومية». أما الحديث عن أسلحة «غير قاتلة» فهذا لعب في الكلمات. أنا لا أعلم لمن سنعطيهم... يؤكد بعض المسؤولين السياسيين الفرنسيين بأن وكالات الاستخبارات لدينا تعلم تماماً لمن ينبغي إعطاؤها. أنا أعرف سورية منذ 40 عاماً وعملت في الاستخبارات لمدة 30 عام وأستطيع أن أؤكد بأن مثل هذا اليقين هو متغطرس ومتهور تماماً. ما ألاحظه على الأرض هو أن ما نسميه (الجيش السوري الحر) يتكون من ضباط وعساكر فرّوا إلى تركيا، حيث يتواجد أغلبهم في معسكرات عندما لا يُظهرون أي منحى أو غاية إسلامية. أحد مؤسسي الجيش الحر، العقيد رياض الأسعد، يتواجد عملياً تحت الإقامة الجبرية مع منع دخوله الأراضي السورية. كل هذا من أجل ترك المكان للجماعات المتطرفة الأصولية والجهاديين. بالتالي، أعيد بدوري طرح السؤال: ما هي الأسلحة التي سنعطيها، وإلى من؟
إذا كانت لندن وباريس ترغبان في إعطاء السلاح، فهذا من أجل التخلص من الرئيس بشار الأسد. لماذا التحرك الآن بعد عامين من السكون تقريباً؟
ليس لدينا أي تفويض من الأمم المتحدة أو من أي طرف آخر. ولا نملك أية شرعية قضائية من أجل الإطاحة بالرئيس الأسد مهما كانت أخطاؤه. ليس من شأن لا الفرنسيين ولا الإنكليز القيام بذلك، هذا شأن السوريين. منذ عامين وفرنسا تزود المعارضين السوريين بالدعم اللوجستي والتقني، وبدورات تدريبية تنظمها المخابرات الفرنسية والإنكليزية والأميركية. أما هذه المرة، فإن تزويدهم بالسلاح بشكل رسمي سيُدخلنا في مرحلة جديدة.
ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تدعم فيها أجهزة الاستخبارات جماعات معارضة مسلحة رغماً عن القوانين الدولية؟
طبعاً، هذا يدخل في عمل هذه الأجهزة... فنحن لا نستطيع أن نرسل عسكريين بشكل رسمي مع أعلام وريش وأبواق إلا عند امتلاكنا تفويضاً ضمن إطار الشرعية الدولية. ولكن عندما يعلن وزير للخارجية عن نيته إرسال مساعدة عسكرية إلى أجانب ينوون الإطاحة بحكومتهم، على الرغم من معارضة الهيئات الدولية لذلك، فإننا ندخل في شكل جديد وخطير من عدم الشرعية الدولية.
أنتم تعرفون سورية بشكل جيد للغاية، حيث عملتم هناك لسنوات طويلة وتتكلمون لغتها. ما تقييمكم بشكل عام عن الوضع؟
لقد تدهور الوضع بشكل كبير خلال هذه السنتين. نحن في بلد تم تدميره وتخريبه وهو الآن فريسة لاشتباكات أثنية ومذهبية. لا شيء سيعود كما كان سابقاً. لقد دخلنا في منطق الحرب الأهلية، حرب مشابهة لتلك التي أغرقت لبنان بالدماء خلال 15 عاماً. ولكنني أقول لكم بوضوح: إن وصولنا إلى الحل لن يكون عن طريق تسليح الأصوليين. لقد دعت فرنسا إلى ايجاد حل عن طريق المفاوضات، ولكنها وبطريقة منافقة أسرعت في إقصاء أحد الأطراف بمنعه من الوصول إلى طاولة المفاوضات، ألا وهو السلطة. من بقي إذاً للتفاوض معه؟ منذ بداية الأزمة ونحن في الضبابية العسكرية والقضائية والسياسية والإيديولوجية. أنا نفسي أجد صعوبة في رؤية الأمور بوضوح. نحن في حالة من الارتباك المطلق خصوصاً بدعمنا في سورية أناساً نحاربهم في مناطق أخرى.
هل يمكنكم التحديد أكثر؟
أنا أقصد مالي. وعلى الرغم من أن المقارنة لا تبرهن شيئاً وأن الإسلاميين الموجودين في مالي ليسوا الإسلاميين نفسهم الذين يقاتلون في سورية، ولكن لديهم الأهداف نفسها، المحرضين نفسهم، الدعاة نفسهم والممولين نفسهم. أجد هذا أمراً مهماً ومثيراً للفضول. وكمسؤول سابق عن جهاز كبير في الدولة، أجد نفسي مرتبكاً وقلقاً أمام تلك الخيارات الغريبة والعدوانية التي يتخذها الدبلوماسيون والسياسيون لدينا.