الضرورات الموضوعية لوحدة شعوب الشرق العظيم
ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

الضرورات الموضوعية لوحدة شعوب الشرق العظيم

كان تفكك الاتحاد السوفييتي فرصة سانحة للولايات المتحدة الأمريكية لكي تتدخل وتنفذ مخططاتها الاستعمارية في تلك الدول التي تشكلت نتيجة هذا التفكك، خصوصا دول آسيا الوسطى « قرغيزستان- تركمانستان – اوزبكستان – كازاخستان- طاجيكستان»، أضف إليها ما خططته سابقاً لـ « أفغانستان والباكستان وإيران والدول العربية في غرب آسيا وشمال أفريقيا»هذه الدول التي تضم في أرجائها « شعوب الشرق العظيم ».

السياسات الدولية في المنطقة

وتقوم الولايات المتحدة حالياً بعملية إعادة تقويم ومراجعة لسياستها الخارجية، بدءاً من نظرية « قوس التوتر»التي وضعها زينيو بيرجنسكي مستشار الرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر عام ،1975 لتنضم إليها دول آسيا الوسطى الجديدة، إلى الشرق الأوسط الجديد وتقسيمه إلى مجموعات تتزعم كل مجموعة منها إسرائيل، ووصولاً الآن الى تطويره تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد ولكن دون اسرائيل، و بعد سلسلة الإخفاقات التي تعرضت لها خلال الفترة الماضية، وذلك من أجل تدعيم وجودها العسكري في هذه المناطق الهامة، وتأمين إمداداتها من مصادر الطاقة، والتحكم بسعرها والعملة التي يتم البيع بها في محاولة للحفاظ على هيمنة دولارها المهدد، ولاسيما أن المنطقة تمتلك مخزوناً هائلاً من النفط ففي آسيا الوسطى وحدها يقدر بنحو 200 بليون برميل، إضافة إلى نحو 300 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يكفي احتياجات الولايات المتحدة ودول أوربا لعشر سنوات قادمة على الأقل،  أضف إليها المخزونات الهائلة في إيران وأذربيجان والمنطقة العربية، لكن تزايد المنافسة على مشروعات الطاقة في المنطقة، خاصة من جانب الصين وروسيا، ورفض العديد من دول هذه المنطقة للوجود العسكري الأمريكي، يضع واشنطن في مأزق، يحتم عليها التخلي عن سياسة الصدام والمواجهة مع القوى الصاعدة في آسيا، والبدء في حوار معها من أجل تعزيز فرص التعاون والاستثمار المشترك لمصادر الطاقة في آسيا الوسطى.

و ما يسيّل لعاب امريكا ليس النفط فقط بل ثروات أخرى، على رأسها توفر مخزون من المعادن النادرة فيها، خصوصا لدى دول آسيا الوسطى الضرورية لصناعة الطيران والصواريخ، والتي نفذت تقريباً من العالم وغير موجودة إلا في هذه المنطقة ولدى روسيا والصين، وكذلك الاكتشافات الجديدة لمخزونات أفغانستان من الخامات المتنوعة والتي تقدر بـ 10 تريليون دولار.

ولهذا تسعى واشنطن إلى المشاركة بقوة في أهم وأكبر مشروعات النفط والغاز في آسيا الوسطى والقوقاز، لكي تقطع الطريق على روسيا والصين، ومنها مشروع خط أنابيب باكو – جيهان، الذي يضخ نحو مليون برميل يومياً، أي قرابة 1.2 % من الإنتاج العالمي، وفي مجال الغاز الطبيعي، تشارك واشنطن أيضاً في إنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي، الذي ينقل 100 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي من حقل دولت آباد دونميز بتركمانستان إلى أفغانستان، ومنطقة جاوادار الساحلية في باكستان؛ حيث تبني إسلام آباد هناك ميناءً كبيراً، وسيتم تحويل غاز تركمنستان إلى غاز طبيعي سائل ويضاف لكل هذه المشاريع أنها تتحكم بثروات الشرق الاوسط وتسعى جاهدة لإسقاط النظام الايراني،  حينئذ ستتحكم أمريكا بهذه الثروات الهائلة وخصوصاً تدفق النفط والغاز فتفتحه وتغلقه متى شاءت بحكم سيطرتها عليه، لذا تكوّن تصور في الذهنية الأمريكية يقتضي إخراج الدول المنتجة للنفط من دائرة النفوذ الروسي ومحاولة احتواء التحركات الصينية التي تستهدف زيادة نفوذها ووجودها في هذه المنطقة.

ومن الأمور الأخرى التي ارتسمت في ذهنية صانع القرار الامريكي  هي اعتبار هذه المنطقة بمثابة منشآت وقواعد دائمة أو مؤقتة، حيث تمثل أساسا للوجود العسكري الأميركي الدائم كما تمتلك الولايات المتحدة تصوراً متكاملاً للانتشار وإعادة توزيع القوات في العالم التي بدأت تأخذ شكل البحث عن قواعد صغيرة وعملياتية بدلاً من القواعد الكبيرة والدائمة كما كانت عليه إبان الحرب الباردة.     

التوتر في المنطقة وأسبابه؟

إن الوضع في المنطقة ملتهب وقابل للانفجار، وانفجار أية بؤرة توتر يمكن في ظل الظرف الملموس الحالي أن يؤدي إلى اشتعال المنطقة بكاملها،وكي تتمكن أمريكا من تنفيذ استراتيجيتها وتبسط هيمنتها هنالك بعض الأهداف التكتيكية التي لا غنى عنها لإتمام التنفيذ على أكمل وجه وهي :

1-انصباب الجهد الأمريكي باتجاه إحداث مصالحة إسرائيلية مع الدول العربية وذلك من خلال استبدال العدو الأساسي بعدو وهمي ومفتعل ألا وهو إيران، لذلك يرتدي موضوع الفهم العميق لمجرى المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية وفشلها والمتوقفة منذ عامين، أهمية قصوى لاستكشاف الاتجاه اللاحق للمخططات الأمريكية ـ الإسرائيلية، والأرجح أن اهتمام الولايات المتحدة بإنجاح هذه المفاوضات إنما يهدف إلى تحويل ما يسمى حكام الاعتدال العربي بأسرع ما يمكن للمواجهة مع إيران، بعد محاولة طي الملف الفلسطيني مما سيفك إحراج البعض ويضع الأساس اللاحق لتحالف إسرائيلي ـ رجعي عربي ضد إيران.

2-السعي لانفجار الوضع الإقليمي الذي يبدو أنه قاب قوسين أو أدنى من انفجار كبير لا أحد يعلم بعواقبه، فإضافة للحرب الأفغانية الفاشلة والتي تمنى فيه قوات الناتو بزعامة أمريكا، هناك التوترات الدائمة بين الباكستان والهند والتهديد بضرب ايران لمنعها من الحصول على السلاح النووي، كما أن الاوضاع غير مستقرة في دول آسيا الوسطى مع الخلافات بين ارمينيا وأذربيجان حول منطقة « ناغورني كاراباخ » التي لم تحل، أضف إليها الأزمات المتفجرة في سورية وتفجيرات العراق المستمرة ووضع لبنان العائم على بركان قد ينفجر بأية لحظة، والمناوشات والمعارك المستمرة بين السودان وجنوبه، وعدم الاستقرار في كل من البحرين اليمن ليبيا مصر وتونس، الأمر الذي يفسر بأن كل تناقضات الإمبريالية العالمية تتكثف بشكل واضح وتتجلى في منطقتنا من قزوين إلى المتوسط، منطقة شعوب الشرق العظيم.

3-إن «إشعال هذه المنطقة سيحد من تطور قوى المقاومة عبر إنهاكها، لمنعها من التحول إلى نموذج عالمي يقتدى به، وخاصةً أن تجربتها كانت في الظروف المستجدة باكرةً ومستمرةً، وبالتالي لديها خبرة هامة تفيد كل المقاومين في العالم.

وإشعال حرب في هذه المنطقة ومحاولة تفكيكها قومياً ودينياً وطائفياً، تنفيذا لنظرية قوس التوتر سيئة الصيت سيحد من التأثير الثقافي المعنوي لوحدة شعوب الشرق على تطور العالم بأسره.

4-زيادة الضغط الجيوستراتيجي على حدود روسيا الغربية والجنوبية بإقامة قواعد مضادة للصواريخ البالستية تحت ستار التهديد الصاروخي لإيران، في كل من بولونيا وتشيكيا، تكون روسيا المستهدف الأول من نصبها، ويلاحظ أنه كلما ازداد الضغط،  ازدادت حدَّة لهجة المواقف الروسية، يساعدها في ذلك تحسن الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، الذي كان على شفا الانهيار والتشظي، وبدأ بالاستعادة التدريجية البطيئة لشيء من عافيته، على حساب أسعار النفط وسيتسارع بقدر اقتراب الأخطار من حدود روسيا التي تؤثر على وحدتها وسياستها، و لا بد من التنويه إلى أن هذا العامل، مع المتغيرات اللاحقة فيما لو استمرت، يمكن أن يكون عاملاً هاماً في تطور الوضع الدولي، وبالتالي سيكون مؤثراًٍ على نتائج الصراع في منطقتنا.

5- الاستفادة من  الدور التركي الذي ما يزال مريباً،  ، و تركيا تكاد أن تصبح الضلع الرابعة لمثلث الاعتدال في المنطقة (مصر ـ الأردن ـ السعودية) كما أن هناك إشارات جدية حول دورها الإقليمي المفترض، وخاصة تجاه إيران إلا أن  التغييرات التي شهدتها المنطقة قد فرمل توجهات هذه المخططات.

ما العمل ؟

أمام هذه اللوحة من التناقضات ثمة حقيقة أساسية تفرضها الجغرافيا السياسية والمصالح الموحدة والتاريخ المشترك والثقافات المتقاربة والمتكاملة لشعوب المنطقة، وهذه الحقيقة هي: أن جميع شعوب المنطقة ودولها تقع ضمن دائرة الاستهداف الأمريكي والغربي الامبريالي، وان سياسة العصا و الجزرة التي تلعبها الولايات المتحدة مع بعض النخب في هذه الشعوب لا تغير من حقيقة ضرورة النضال المشترك ضد التبعية ،والسيادة والاعتراف المتبادل بالحقوق واحترام الخصوصية القومية، والدينية والاستفادة من هذا التنوع لبناء نموذج تاريخي جديد من العلاقة بين شعوب الشرق، والتخلص من أوهام إمكانية الاستفادة من المشروع الأمريكي في المنطقة، فالتجربة التاريخية تؤكد بأن لايمكن لشعب من شعوب المنطقة أن ينال حقوقه بمعزل عن الآخر وبمعزل عن العمل المشترك.