يموت الفقير مرتين... مرة بالمرض وأخرى حين يعجز عن دفع ثمن الحياة

يموت الفقير مرتين... مرة بالمرض وأخرى حين يعجز عن دفع ثمن الحياة

في سورية اليوم، لم يعد المرض وحده الخطر الأكبر على حياة الناس، بل أصبحت كلفة العلاج نفسها قاتلة.

في ظل الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي في سورية، تحولت الحالات الصحية الطارئة إلى كابوس ثقيل يهدد حياة المرضى ويستنزف آخر ما تبقى من قدرة أسرهم المالية.

ففي مشافي دمشق الخاصة، لم تعد الأرقام منطقية، فعملية قثطرة قلبية مع تركيب شبكة قد تكلف 18 مليون ليرة في أحدها، وإن أضيف إليها بالوناً فقد تقفز إلى 28 مليون ليرة في مشفى آخر، أما القلب المفتوح، فيطلب فدية بحجم 60 مليون ليرة من أحد المشافي، وربما أكثر، وكأن الشفاء امتياز لا يستحقه إلا الأثرياء.

متى أصبحت الحياة رفاهية؟ ومتى صار من حق مستشفى خاص أن يضع ثمناً للحياة، ويبتز المرضى وأهلهم على حافة الانهيار؟

هذه ليست عمليات تجميل أو برامج تحسين نوعية حياة... وهي ليست ترفاً أو خياراً يمكن تأجيله، بل هي، في أغلب الحالات، الحد الفاصل بين الحياة والموت، ومع ذلك، لا يجد السوري الفقير أمامه سوى خيارين كلاهما مر، إما بيع البيت، أو الاستدانة، وربما التسول لتأمين المبلغ، أو انتظار دور طويل في مشفى حكومي مكتظ، بلا مستلزمات ومعدات كافية ولا طواقم طبية مكتملة، ويدخل فيها المريض في دوامة قوائم الانتظار التي لا تتناسب مع طبيعة مرضه الطارئة، حيث يسير في طابور بطيء بينما المرض يركض.

فالمشافي العامة، رغم محاولاتها وجهود كوادرها، لا تستطيع تلبية الطلب المتزايد على العمليات الإسعافية، إذ إن الأولوية تُعطى للحالات الأخطر وبحسب تسلسل التسجيل، مما يعني أن الكثير من المرضى قد ينتظرون وقتاً لا يملكونه أصلاً!

وفي النهاية فإن المريض الذي لا يملك المال ولا يستطيع الانتظار، يكون مصيره محسوماً، المعاناة مع المرض، وربما فقدان الحياة، فمن يعجز عن دفع ثمن العملية، يُترك ببساطة ليواجه مصيره.

هذا المصير ليس قدَراً، بل نتيجة نظام صحي عاجز، واقتصاد منهار، وغياب أي تدخل حقيقي من الدولة لحماية الإنسان من التحوّل إلى ضحية إضافية لآلة الفقر.

الأسوأ من كل ذلك أن هذا الواقع لم يعد يثير الغضب كما يجب، بل صار اعتيادياً أن نسمع عن شخص مات لأنه لم يملك ثمن «بالون أو شبكة»، أو عن شابة شُطبت من جدول العمليات بمشفى ما لأنها فقيرة!

هذه المعضلة الإنسانية والواقعية تستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية لوضع حد للفجوة المتزايدة بين القدرة على العلاج وحق المواطن في الحياة، عبر دعم القطاع الصحي، وضبط أسعار الخدمات الطبية، وتفعيل نظام تأمين صحي حقيقي وفعّال يشمل الحالات الحرجة والطارئة.

بل آن الأوان أن نرفع الصوت، أن يُسأل المسؤول: لماذا صار حق الحياة مرتبطاً برقم في فاتورة؟ أين هي الدولة من هذه المأساة؟ ومن سيحمي الفقير حين يكون الموت هو الأرخص بين الخيارات؟

هذا وطن يتساقط أبناؤه بصمت... لا لأن المرض قاتل... بل لأن الفقر هو القاتل الفعلي، فيما يغيب المتسبب بالفقر عن واجهة الاتهام والإدانة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1225