ثروتنا الحيوانية من التراجع إلى الانقراض!
يُعد القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني من أهم القطاعات الاقتصادية تاريخياً نتيجة مساهمته الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي من جهة، إضافةً إلى فرص العمل التي يوفّرها من جهة أخرى.
فهذا القطاع كان يوفر فرص عمل ومصدر دخل لما يزيد عن 50% من الأسر السورية، ويحقق حوالي 25٪ من إجمالي الصادرات، التي كانت المنتجات الحيوانية تساهم بحوالي 35٪ إلى 40٪ منها، كما كان يشكل مصدراً رئيسياً للمواد الأولية التي تدخل في العديد من الصناعات، كاللحوم ومشتقات الحليب، وفي صناعة الجلود والصوف وإعادة تدوير المخلفات الناتجة عن المسالخ، وفي استخدام مخلفات الثروة الحيوانية في صناعة الأسمدة العضوية والكثير الكثير غيرها، ناهيك عن سد حاجة السوق المحلية من منتجاته.
لكن وبفضل السياسات الليبرالية الممنهجة باستهداف كل قطاع حيوي منتج بغاية إنهائه، فقد بدأ هذا القطاع بالتهاوي شيئاً فشيئاً، وازداد الوضع هشاشةً خلال سنوات الأزمة، التي عززت توحش السياسات الليبرالية وفاقمت آثارها المدمرة!
والسؤال اليوم ما حال قطعان ثروتنا الحيوانية؟
وماذا عن مواردنا من منتجاتها؟
وإلى أين ستمضي بنا الأمور في ضوء سياسات الظلم المستمرة؟
الأرقام تتحدث!
الجدول الآتي يوضح تراجع أعداد قطعان الأغنام والأبقار بين عامي 2006 و2022، بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء:
نلاحظ من الجدول أعلاه تناقص أعداد رؤوس الأبقار بنسبة24٪، وتناقص أعداد الأغنام بنسبة17٪!
لسنا ننكر طبعاً ما أورثته الأزمة من تداعيات على هذا القطاع وغيره، فكم من أعداد مواشٍ سرقت أو نفقت وحتى قتلت، ولا ننكر بالطبع عمليات التهريب غير المشروعة!
ولكن أليس هذا كله من واجبات الدولة لتراقب وتضبط وتحسن وتنهض بالقطاع؟ فماذا فعلت؟ وهل من المتوقع أن تفعل شيئاً؟!
بتسليط الضوء على تقرير نشرته صحيفة «الثورة» عن أعداد القطعان في عام 2023: «أكدت مصادر خاصة في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي انتهاء الجولة الإحصائية الرابعة، واعتماد أعداد الثروة الحيوانية وفق الآتي: أعداد قطيع الأبقار وصل إلى 584 ألف رأس، والأغنام 13 مليوناً و900 ألف رأس.»
أي إننا خلال عام واحد فقدنا 269 ألف من قطيع الأبقار، وهو ما يمثل ثلث القطيع، وما يعادل 3,947 ألف رأس غنم، وهذا رقم كارثي نسبياً نظراً للمدة الزمنية القليلة!
فأين اختفت هذه الأعداد؟
وأين أصبحت قطعان أبقارنا وأغنامنا؟
وماذا فعلت الجهات المعنية أمام هذه الكارثة؟
البقر الشامي نحو الانقراض!
المعضلة لا تكمن بتناقص الأعداد الكبير للقطعان، بل بانقراض أنواعٍ نوعية منها!
فعلى سبيل المثال نذكر البقرة الشامية التي تعد أفضل العروق بإنتاج الحليب، إضافة إلى صفاتها النوعية، فهي تصنف من الأبقار حساسة الطبع، طيعة وسهلة القياد، صغيرة البطن نسبياً لا تحتاج لكميات علف كبيرة أو نوعية، متوسط وزن الإناث تامة النمو 400-500 كغ، وهي ذات كفاية تناسلية عالية، أما الثيران تامة النمو فيبلغ وزنها 700- 800 كغ، ومتوسط إنتاج الأنثى من الحليب في السنة 3000-4000 كغ، بنسبة دسم مقدارها 4٪، وهنالك أبقار تعطي أكثر من 6000 كغ في الموسم.
وحسب بيانات وزارة الزراعة فقد أصبحت هذه الأبقار مهددة بالانقراض، وانخفضت أعدادها من حوالي 65717 رأساً في عام 1985 إلى10600 رأس في عام 2002، ليبلغ عددها عام 2011 حوالي 2803 رأس، وتراجع إلى 2389 رأساً عام 2020، منها 597 بقرة غير حلوب، و1378 بقرة حلوباً!
مع الإشارة إلى عدم توفر بيانات إحصائية خلال السنوات الثلاث الماضية لمعرفة مآل هذه السلالة!
وهنا نتساءل هل انقرضت هذه السلاسة الشامية العريقة؟
أم إنها هُرّبت خارج البلاد؟
كارثة التراجع ما بين الأسباب والتداعيات!
يضطر العديد من مربي المواشي لبيع جزء من قطعانهم نتيجة عدة عوامل، لعل أهمها يتمثل بالسياسات المجحفة المتمثلة بتخفيض الإنفاق العام الذي أرسى بثقله على قطاع التربية الحيوانية الهام، كذلك سياسات خفض الدعم، إضافة إلى التغيرات المناخية، حيث شهدت المنطقة العديد من موجات الجفاف، كما عانت البلاد من مستويات قياسية منخفضة من هطول الأمطار، انعكس ذلك بدوره على تربية الماشية بسبب قلّة مساحات الرعي وقلة المياه!
وهذا ما أكده أيضاً أحد التقارير الصادر عن منظمة «أوتشا»، حيث إنّ تراجع الإنتاجية الزراعية إلى أدنى من مستوياتها منذ خمسين عاماً أثّر على توفير الأعلاف، ما يعني أنّ مئات الآلاف من الأغنام والأبقار والماعز والإبل تفتقر إلى المراعي والوصول إلى مصادر المياه، إضافة إلى إصابة قطعان الأغنام بالعديد من الأمراض!
والذي فاقم من المشكلة هو الغياب التام لدور الدولة في دعم المربين، بل العكس سعت بسياساتها وبقراراتها غير المدروسة إلى زيادة أعباء المربين، ونتيجة ذلك عجز معظمهم عن الحفاظ على ما تبقى من رؤوس الغنم والأبقار لديهم، فلجأوا إلى بيع نصف قطعانهم لإنقاذ النصف الآخر!
فمن قطيع يتألف من 1700 رأس غنم لم يتبقَّ لدى «عبد السلام» - وهو راعٍ من منطقة الجزيرة كان لنا شرف الحديث معه- سوى 20 رأساً!
وعند سؤاله عن السبب أجاب بحسرة نتيجة الجفاف وغياب الدعم، فهو لم يستلم من مخصصه العلفي شيئاً يذكر، فاضطر لبيع القطيع تدريجياً ليحافظ على ما تبقى، وهكذا حتى وصل به الحال إلى 20 رأس غنم لا غير!
وحال المربي عبد السلام هو حال معظم المربين!
المحاصيل الرعوية تستغيث!
أثرت التغيّرات المناخية بشكل سلبي على قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، لكن الذي هدّد استدامة هذه الثروات هو الإهمال والتقاعس الحكومي والسياسات الجائرة بحق هذا القطاع!
فكم من مشاريع وخطط بُهرِجَ لها إعلامياً وفي الواقع لم ينفذ منها شيء، وكم من نداءات استغاثة أطلقت ولم تُسمع، حتى وصلنا لهذا الواقع المأساوي، حيث بلغت مساحة المروج والمراعي 8164 ألف هكتار!
وهنا نتساءل عن دور الجهات المعنية في الحفاظ على مصدر الغذاء الأساسي لقطعان المواشي، خاصة مع تناقص إنتاج المحاصيل الرعوية!
فوفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء نلاحظ الجدول أدناه:
وهنا نتساءل كيف للمربي أن يؤمن احتياجات قطيعه من الأعلاف، والجهات المعنية أدارت ظهرها للمراعي، وضربت إنتاج المحاصيل الرعوية بعرض الحائط؟
أما المفارقة الحقيقة فهي بقرار استيراد الأغنام والعجول الأخير، بغرض التسمين وإعادة التصدير، والذي يدفع للذهول!
فإنتاجنا من الأعلاف لا يسد رمق قطعاننا أو ما تبقى منها، ومخصصات العلف لا تسد شيئاً من الحاجة الفعلية؟!
مما لا شك فيه أن السياسات الليبرالية والقرارات الممنهجة هدفها ضرب الإنتاج المحلي لزيادة حصة الاستيراد، بغض النظر عن مصلحة والمربي والمستهلك، ضحايا حيتان النهب والفساد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1190