مناهج ممنهجة لحرف البوصلة! (2)
بيّنا في عدد سابق تحت عنوان: «مناهج ممنهجة لحرف البوصلة!» بتاريخ 23/11/2020، الحال التي وصلت إليها منهاج اللغة العربية في المرحلة الإعدادية، أي: في الصف السابع والثامن والتاسع، بما يخص النصوص الأدبية التي تُعنى بتكوين وعي الطالب الوطني والحس الوطني المقاوم، حيث اختُزلت النصوص وحُذفت، وهي نصوص منددة وفاضحة للمستعمرين، وخاصة الصهاينة.
ورأينا كيف غُيبت الرموز الوطنية، ومنها: يوسف العظمة، والتي من المفترض أن تكون حاضرة في كل مراحل الدراسة حتى لا ينفصل الجيل عن رموزه المقاومة التي أسهمت في تحرره.
فما قيمة الأدب إن لم يكوّن لدى الأجيال وعياً وطنياً وشعوراً حيّاً يعيش في وجدانه، لطالما ركز مطورو المناهج على الناحية القيمية لكل نصوص الكتب الموضوعة بين أيدي الطلاب.
وفيما يلي استكمالاً لما تم عرضه في مادتنا السابقة، وهذه المرة في منهاج اللغة العربية لطلاب الشهادة الثانوية، حيث لم تختلف التوجهات الاختزالية لبعض نصوصه، والتغييب المتعمد لبعض الرموز، منه.
الاستبداد والاستعمار والقضية الفلسطينية
كان منهاج الأدب والنصوص في الصف الثالث الثانوي السابق مقسماً إلى محاور أدبية، وكل محور يرصد موقفاً للشعراء تجاه قضاياهم، وكل محور يضم عدة نصوص، ومن هذه المحاور: محور الاستبداد الذي يُعنى بالاستبداد العثماني، ثم محور الاستعمار الذي يرصد موقف الشعراء من الاستعمار الأوربي للبلاد العربية، ومحور القضية الفلسطينية بمرحلتيه قبل النكبة وبعد النكبة، وكل محور من هذه المحاور يحوي عدة نصوص تفضح وتندد وتصور الانتصارات، حتى أن محور قضايا المرأة لم تغب فيه صورة المرأة المناضلة، كالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد.
فأين هي القضايا الوطنية من منهاج الثالث الثانوي في عام 2021؟
إن طبيعة تقسيم الأدب إلى عصور لا تسمح بتقديم القضايا الوطنية المقاومة في مرحلتي الصف العاشر والحادي عشر، وهذا يستوجب تكثيف وزيادة هذه النصوص لإحاطة الطلاب بقضاياهم بشكل كافٍ.
ولكن في الكتاب الجديد نرى أن الأمر اختزل إلى درجة أن كل ما سبق من المحاور أصبحت في وحدة دراسية واحدة.
فليس في الكتاب نصوص ترصد الاستعمار الأوروبي في الوطن العربي، وليس فيه سوى نص واحد للزهاوي، وهو دعوة إلى الصحوة ضد العثمانيين، ولم يغنَ بنصوص تتحدث عن جرائم المستبدين، كنص خليل مطران الرمزي في إعدام مدحت باشا، ونص القروي في إعدام شهداء السادس من أيار، ونص الكواكبي الذي يذكر صفات المستبد، ونص أحمد عبد المعطي حجازي في دعوة الفلاحين إلى الثورة في وجه الإقطاعيين.. إلخ، وهذه النصوص جميعها كانت موجودة في المنهاج السابق.
فهل يُغني نص واحد عن كل هذه الحقبة المريرة من الزمن التي عاشتها الشعوب العربية في ظل استبدادهم؟
أما ما يخص الاستعمار الأوروبي للبلاد العربية فلم يبق إلّا نص واحد يصور فرحة الجلاء للشاعر عمر أبو ريشة، وهو لا شك مهم، ولكن أين النصوص التي تندد وتفضح جرائم الاستعمار؟
أليس حرياً بطلابنا أن يعرفوا مواقف الأدباء من الاستعمار الغربي في مختلف بلادنا العربية، وكيف التزموا بها في أدبهم قولاً وفعلاً؟
القضية الفلسطينية
كانت القضية الفلسطينية في كتاب الثالث الثانوي مشبعة بالنصوص، تغني الطلاب بمعرفة ضرورية عن أدب النكبة وما قبل النكبة، وفيها كان ينهل الطالب من وجدانيات متنوعة باختلاف الشعراء وانفعالاتهم وتعابيرهم، ليقع في نفسه موقف وعاطفة تنمي حسّه المقاوم، وفي الكتاب الجديد لا نجد عن القضية الفلسطينية سوى قصيدة يتيمة لمرحلة ما بعد النكبة للشاعر الفلسطيني محمود درويش!
فلماذا اختزلت هذه القضية في مناهجنا، وأصبحت وكأنها مجرد «رفع للعتب»؟
أليست هي القضية الأهم بما يخص القضايا الوطنية والقومية، كما عنونوا هذه الوحدة في الكتاب؟
هل كل هذا الاختزال والاقتصار على القليل هو عمل عفوي لعدم الإكثار على الطالب الذي تثقل كاهله الكتب الأخرى التي قد لا تُعد أولوية مقارنة بهذه القيم؟
استمرار تغييب الرموز المقاومة في الكتاب
من منا لا يعرف المقاوم الرمز البطل عمر المختار الذي تصدى للمستعمر الإيطالي لعقود، وأصبح رمزاً وطنياً، لا لليبيا وحدها بل لكل عربي، وقد أدرجت قصيدة الشاعر أحمد شوقي في رثائه ومطلعها: «ركزوا رفاتك في الرمال لواء»، وهي ضمن محور مقاومة الاستعمار، وقد أفردت لإحياء رمز من رموز المقاومة.
فأين هي هذه الرموز في الكتاب الجديد، الذي خصص وحدة دراسية كاملة لبحث الرواية على حساب هذه النصوص الهامة؟
فقد غاب عمر المختار في كتاب الثالث الثانوي، كما غاب يوسف العظمة في المرحلة الإعدادية.
أسئلة مكررة ومشروعة
ربما من المفيد أن نعيد ما سبق أن طرحناه من أسئلة في مادتنا السابقة:
هل يمكن اعتبار هذا التغييب تطويراً للمناهج التعليمية؟
هل هذا تغييب متعمد للأجيال عن قضاياهم وصراعاتهم مع أعدائهم المحتلين والناهبين؟
أم هو تخلٍّ ممنهج ممن لهم مصلحة بحرف بوصلة الصراع بالتدريج عن اتجاهه، وطمس معالمه المرسومة منذ بدايته؟
وهل ستشهد مناهجنا في المستقبل تغييباً واختزالا لقضايانا الوطنية والمبدئية في التعديلات القادمة؟
وهل ستستمر البوصلة بالانحراف عن مسارها؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1007