مناهج التعليم قضية وطنية

مناهج التعليم قضية وطنية

مما لا شك فيه أن قضية المناهج الجديدة المعتمدة من وزارة التربية مع بداية العام الدراسي الحالي، والاعتراضات والانتقادات الموجهة إليها، كانت محط اهتمام على المستويات كافة، حتى أصبحت قضية رأي عام.

الاعتراضات والانتقادات بدأت على مستوى المواطنين، وانتشرت ممتدة على مستوى صفحات التواصل الاجتماعي، مروراً بوسائل الإعلام، وصولاً إلى بعض مجالس المحافظات، انتهاءً بمجلس الشعب، باستثناء الحكومة، التي لم تعقد اجتماعاً من أجل هذه القضية، رغم أهميتها.

اعتراض شعبي محق
مع بداية العام الدراسي، والبدء بتوزيع كتب المناهج الجديدة، بدأت موجة الانتقادات إليها، كما بدأت تغزو مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الصور، التي قيل أنها مأخوذة من صفحات هذه الكتب، ليتبين لاحقاً أن بعض الصور المتداولة على أنها من المناهج الجديدة كانت مزيفة، أو مأخوذة من مناهج دول أخرى، فيما تحقق صحة البقية الباقية، مما فسح المجال للكثير من اللغط حول القضية، بالإضافة لاستثمار الصور المزيفة على مستويي التبرير والتحريض، حسب الحال.
وعلى الرغم من اقتصار موجة الاعتراضات على بعض النقاط المثارة في المناهج الجديدة، إلا أنها كانت كافية لتبرير استمرار موجة الانتقادات الشعبية، وخاصة على أرضية التأثير على الطلاب وعلى مستقبل العملية التعليمية ومستقبل الوطن بالنتيجة، خاصة وأن بعض الملاحظات تجاوزت احتمالات اختلاف الرؤى بمساسها المباشر بالسيادة الوطنية نفسها، مثل: خريطة سورية التي انتُزع منها لواء اسكندرون السليب والجولان المحتل!.

تربيون ومختصون
مع دخول بعض التربويين والمختصين، بالإضافة إلى الإعلام وبعض الشخصيات، على موجة الانتقادات والاعتراضات، تصاعدت حدة الموجة الشعبية، معتمدة على آراء هؤلاء الأخصائيين، حيث عبر الكثير منهم عن اعتراضاته المشفوعة بالبيان والتبيان حول القضية وآفاقها ومستقبلها وتداعياتها، حتى أن بعض هؤلاء عبر عن رفضه عن أداء مهمته بتدريس بعض ما ورد في المناهج الجديدة، في موقف جديد من هؤلاء كان غائباً ومغيباً لسنوات وسنوات، رغم الكثير من تحفظاتهم على المناهج القديمة ودفعهم باتجاه ضرورة تحديثها بما يتوافق مع ضرورات العصر ومواكبة العملية التعليمية التربوية لهذه الضرورات.
لقد عبرت إحدى المدرسات عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» عن رفضها تدريس بعض ما ورد في المنهاج الجديدة، معتمدة عبارة «ولو على جثتي»! مستعينة ببعض الملاحظات التي وجدتها في هذا المنهاج تبريراً لموقفها.

بين المصيبة والكارثة!
القضية في الواقع العملي، وبعيداً عن موجات التحريض والتحريض المضاد، حولها وعليها، تبريراً أو عبر المزيد من الانتقادات والملاحظات، توضّح بأنه إن حَسنت النوايا، على مستوى ما تم اكتشافه من انتقادات محقة حتى الآن، والتي لا يمكن اعتبارها «أخطاء» أو «هفوات»، فإنها تشير إلى تدني مستوى إمكانات وكفاءات القائمين على هذه المناهج، تأليفاً وتدقيقاً وتنقيحاً، وصولاً إلى اعتمادها النهائي وطبعها وتوزيعها على المدارس، وهو ما يمكن اعتباره مصيبة على المستوى التربوي والتعليمي.
أما في حال سوء النوايا، وهو ما يمكن أن ننتظره عبر لجان التحقيق التي تم الإعلان عنها، فإن هذه القضية لا يمكن اعتبارها إلا كارثة تعبر عن مدى ما وصلت إليه أيدي التخريب والعبث داخل البنية التعليمية والتربوية ومؤسساتها، وكيف لا في ظل الاستمرار بالسياسات الحكومية المعتمدة نفسها التي تفرز يومياً الكثير من السلبيات على المستويات كافة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، مع الظواهر المرافقة لهذه السلبيات كافةً، اعتباراً من البطالة والتهميش والفقر وليس انتهاء بالفساد المتغول والمنتشر، والذي يمكن اعتباره إحدى بوابات الموبقات والشرور.

الرد الرسمي تبريري!
المؤسف بعد هذا كله هو: الرد الرسمي على لسان وزير التربية، عبر وسائل الإعلام أو تحت قبة مجلس الشعب، حيث قلل من أهمية الملاحظات والانتقادات، رغم اعترافه بصحة وصوابية بعضها، حيث قال: «إن عملية التطوير تتطلب أن يشعر المجتمع بالتغيير وأن يكون قادراً على المشاركة فيه ومن الطبيعي أن يكون هناك أثناء هذا التغيير رفض من البعض الذين اعتادوا المناهج القديمة»، مع سعيه لتجيير التعبئة والتحريض بها من قبل بعض وسائل الإعلام الخارجية، وبأن من تقدم بهذه الانتقادات لم يطلع على المناهج كاملة، وكأنه يرمي بسهام اللاوطنية والجهل على المنتقدين والمعترضين، قائلاً: «إن أول من بدأ الحملة الإعلامية ضد المناهج السورية هي صحيفة الشرق الأوسط السعودية التي تصدر في لندن، وأيضاً قناة العربية، كما أن الكثير انبرى لتوجيه الانتقادات والملاحظات لم يقرأ المناهج أو يطلع عليها»، وبجوهر مفاده هو دراسة الملاحظات والانتقادات الواردة على المناهج، من أجل تصويب ما هو خاطئ فيها، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأخطاء فقط، وليس إعادة النظر في هذه المناهج، جملة وتفصيلاً، من أجل استدراك أية ملاحظات أو أخطاء أخرى، ربما، أو على الأغلب لم يتم التمكن من لحظها واكتشافها حتى الآن.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان: هل اطلع الوزير على المناهج كاملة؟
إن كان الجواب بنعم، فالوزارة هي الأولى بالمسؤولية والمحاسبة على الأخطاء الواردة بها حتى الآن، أو التي سيتم اكتشافها لاحقاً.
وفي حال أنه لم يطلع عليها، وهو الاحتمال الغالب، فمن الواجب عدم الاستخفاف بما تم اكتشافه حتى الآن من أخطاء، وإعادة البحث الجدي داخل هذه المناهج من أجل التأكد من خلوها من أخطاء أخرى، خاصة وأـن بعض ما تم اكتشافه حتى الآن كفيل بوضع الكثير من إشارات الاستفهام والتعجب، وصولاً إلى الإدانة على المستوى الوطني.
وبالمنطق العلمي للأشياء، فإن لكل قاعدة استثناء من الممكن أن يدعمها ويقويها، أما في حال تكاثر الاستثناءات على القاعدة فإنها تنفيها من كل بد.

قضية وطنية
بناء على ما سبق كله، فإنه من غير اللائق أن تتم محاولات ومساعي تفريغ الملاحظات والانتقادات من محتواها، في مسعى من أجل تقزيمها، وصولاً لمحاولات تبريرها، على أنها «هفوات» أو أخطاء»، فالحديث عن المناهج التعليمية في جانب منه هو حديث عن وطن وأفق ومستقبل، وبالتالي أية سلبية في هذ المنحى لن يتم حصادها إلا على حساب الوطن والمستقبل، لنصل إلى نتيجة مفادها: أن قضية المناهج وما أثير عنها، وما تم التوصل إليه حتى الآن من أخطاء بداخلها، يجعل منها قضية وطنية بامتياز، مهما حاول البعض أن يميّعها أو يقلل من أهميتها.

تعديل السياسات
لعل الأهم من ذلك كله هو: أن جملة ما تم عرضه وانتقاده والاعتراض عليه، لا يعني في حال من الأحوال الموافقة على المناهج القديمة، أو تقييمها على أنها كانت جيدة، بل لعلها تشير إلى واقع الصدمة مما كان مأمولاً من المناهج الجديدة في مقابل المناهج القديمة، التي أكل عليها الدهر وشرب، ليس لسوئها فقط ربما، بل لعدم مواكبتها مع ضرورات التطور الحقيقي المطلوب على مستوى العملية التعليمية والتربوية ككل، وهو ما يؤكد على أن جملة السياسات التعليمية المتبعة، أصبح من الضروري والهام إعادة النظر بها جملة وتفصيلاً، ناحية المدخلات والمخرجات، والمراحل التعليمية كافة، الأساسي والثانوي والجامعي، فقد اكتفينا من الخطب العصماء والعبارات الجوفاء، التي لم تغنِ ولم تسمن من جوع على هذا المستوى، كما على غيره من المستويات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
829