مهنة نبيلة وأجور هزيلة!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

مهنة نبيلة وأجور هزيلة!

مع بداية العام الدراسي لا بد من إعادة طرح المطلب الملح والمحق لشريحة المعلمين المكلفين، والمتمثل بضرورة زيادة أجر الساعة الدرسية لهم.

فمن المعيب، بل ولعله بات من المهانة، أن يستمر العمل بتكليف هؤلاء لقاء 150 ليرة لكل ساعة درسية فقط، علماً أن من يتقاضى هذا الأجر هم الخريجون من الفئة الأولى، في حين يتقاضى خريجو المعاهد من الفئة الثانية مبلغ 120 ليرة لقاء كل ساعة.
فهل يستوي هذا الأجر مع أعباء الرسالة التعليمية المتوخاة؟
المكلف خاسر!
أحد المعلمين المكلفين يقول: إنّ ما يتقاضاه كأجر بنهاية الشهر لقاء الساعات لا يتجاوز 12 ألف ليرة سورية خاضعة للضريبة بمعدل 5% أيضاً، بمقابل 20 ساعة أسبوعياً، وهي بالكاد تغطي أجور المواصلات، من وإلى المدرسة التي يعمل بها، ناهيك عما يتكبده من نفقات إضافية تتمثل بقيمة الأقلام، وهي نفقة أسبوعية لا بد منها، بالإضافة لتكبده قيمة دفتر التحضير ودليل المعلم، التي يدفع قيمتها من جيبه الخاص مطلع العام الدراسي، بالإضافة لما يتم اهتلاكه على مستوى اللباس والأحذية، والجهود المضنية التي تنعكس على صحته بالمحصلة.
والنتيجة: أن عمله طيلة الشهر لا يحقق له أية جدوى مادية، بل ربما يتكبد خسائر كبيرة، غير محسوبة أيضاً.
ضرورات ووعود
على الجانب الآخر كثرت الوعود التي تلقاها هؤلاء، اعتباراً من زيادة أجر ساعة عملهم، وصولاً لتثبيتهم، في حين أن لا هذا ولا ذاك قد تحقق حتى الآن، علماً أن الحاجة لخدمات هذه الشريحة لم ولن تتوقف.
واقع الحال يقول: أن كل مدرسة بحاجة لما يعادل نسبة 25% من المعلمين المكلفين، من نسبة المعلمين المثبتين تقريباً كل عام دراسي، كي تكتمل الكادرات التدريسية لديها، بغض النظر عن تنوع الاختصاصات المطلوبة في كل مدرسة (عربي- رياضيات- لغات- فيزياء- وغيرها) مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض المدارس تقع بحالة العجز في بعض الاختصاصات، وذلك بسبب الانكفاء المتزايد عن العمل بالتكليف من قبل الخريجين، بسبب تدني الأجور والأعباء التي يتحملها هؤلاء، والنتيجة وجود بعض الحصص الفارغة من بعض الاختصاصات التي يتم تعبئتها بدروس أخرى، وخاصة مع بداية كل عام دراسي.
واقع مؤلم
من المؤسف أن يكون حال المعلمين بهذا الشكل، فحال المعلمين المثبتين ليس بأفضل على مستوى الأجور، فالمعلم المثبت منذ عام 2009 لا يتجاوز أجره الشهري 37500 ليرة، متضمناً تعويض غلاء المعيشة، وهو مطالب بالدوام الكامل، وربما لا يستفيد من العطل، لا خلال فترة الصيف، ولا خلال العطلة الانتصافية، التي تستنفذ بالدورات وعمليات الرقابة والتصحيح في الامتحانات، وبمقابل هذه الأجور الهزيلة التي لا تحفظ الكرامات، يقوم هؤلاء بمهامهم على أحسن وأكمل وجه، مع التأكيد على وجود بعض الاستثناءات القليلة التي لا تذكر بهذا المجال.
والنتيجة: أن واقع المعلم، بغض النظر عن كونه مثبتاً أم مكلفاً، لا يسر من الجوانب جميعها، وهو بالمقابل مسؤول عن تعليم وتنشئة الأجيال.
أمراض مهنية متعددة
إذا كان لكل مهنة أمراضها وتداعياتها على المستوى الصحي، فإن مهنة التعليم تعتبر من المهن المتعبة مقارنة مع غيرها، اعتباراً من الأمراض الناجمة عن فترات الوقوف المتواصل، من آلام في العمود الفقري وأمراض المفاصل، إلى أمراض الحنجرة والجهاز التنفسي، وصولاً بأمراض الجهاز السمعي العصبي، انتهاءً بكل تداعيات الضغوط الهائلة التي يتحملها المعلمون، وخاصة على المستوى النفسي، والتي تبدأ اعتباراً من ضرورة ضبط 40 طالباً بالحد الأدنى خلال الحصة الدرسية، والتي توصل لاعتلالات مختلفة بما فيها حالات التهاب الأعصاب، مع عدم تغييب ما يتعرض له هؤلاء من ضغوطات أخرى ناجمة عن واقع الفساد الوساطات والمحسوبيات، سواء على مستوى العمل الإداري نفسه، أو على مستوى التعامل مع الطلبة وذويهم، وما ينجم عنها أحياناً من شعور بالمهانة، ليس على المستوى الشخصي فقط، بل وللعملية التعليمية والقائمين عليها.
بين المزاودة والمطالب
في ظل واقع التردي على المستوى المعيشي بالمقارنة بين معدلات الدخول ومستويات الإنفاق، وما ينجم عنها من سوء تغذية بالنهاية، تصبح الحاجة للمتممات الغذائية من ضرورات استمرار المعلم بمهنته، فالفيتامينات التعويضية هي حاجة ملحة لا بد منها، بالإضافة للكثير من الأدوية جراء الأمراض التي يتعرض لها هؤلاء، ما يعني المزيد من الإنفاق، والمزيد من الفقر والإفقار والعوز.
بعد ذلك كله هناك من يزاود على هؤلاء برسالتهم النبيلة التي يؤدونها، عبر المزيد من الوعود الخلبية والتلطي خلف التعليمات والقوانين، علماً أن عملهم بهذا الشكل يكاد يوصف بالعمل التطوعي بكل ما تعينه الكلمة من معنى.
بانتظار الانصاف الذي يحقق للمعلمين مطالبهم، ويؤمن لهم مستوى معيشياً وصحياً لائقاً، يتناسب مع رسالتهم ومهمتهم، والتي تبدأ اعتباراً من إعادة النظر بأجورهم وتعويضاتهم، بالحد الأدنى على أقل تقدير، وخاصة للمكلفين منهم، وبالعملية التعليمية التي أساسها المدرس، لا يمكن لها أن تحقق جدواها إن لم يؤمن لهذا المعلم متطلبات حسن استمراره بمهامه وواجباته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
828